الجزء الاول من تفسير سورة النور
سورة النور
أعوذ بالله من ا لشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} (النور 1-3).
لذا فقد عقدنا العزم على تفسير سورة النور خلالها. ويعزى السبب في اختيار هذه السورة إلى أن أكثر آياتها تقريبا تدور حول الشؤون المتعلقة بالعفة.
السورة الوحيدة التي تبدأ بمثل هذه الآية {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا} هي هذه السورة. هناك سور كثيرة تبدأ بآية ( كتاب أنزلناه) أي تشير إلى القرآن كله.
ولكن هنا تشير الآية إلى هذه ا لسورة بمفردها. ويتضح منها أن هناك اهتمام خاص بمفاد هذه السورة.
تعلمون أن السورة معناها مجموعة الآيات الشريفة التي تبدأ بالبسملة ثم تنتهي بشكل تبدأ بعده بسملة أخرى. القرآن من الكتب التي ليس فيها فصل وباب وقسم. إلا انه مقسم إلى سورة وكل سورة تبدأ (بسم الله الرحمن الرحيم) (هناك سورة واحدة في القرآن لا تبدأ بالبسملة وهي سورة التوبة المترجم)، وتدل البسملة التي تأتي بعد تلك الآيات على انتهاء السورة السابقة. ويقال ان كلمة "سورة" مشتقة من "السور" ويقصد به الجدار المحيط بالمدينة أو القرية أو القصبة، وسور البلد يراد به الحائط المرتفع الذي يبني حول المدينة. ويبدو هنا وكأن كل سورة محاطة بجدار أو سور، وهذا هو وجه تسميتها بالسورة.
والقرآن جزأه الرسول(صلى الله عليه وآله) بنفسه سورا، لا إن المسلمين جزؤوه لاحقا.
أي أن القرآن منذ نزوله، نزل مجزءا إلى سور.
تبدأ الآية الأولى بعبارة {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا}، ثم بعدها جاءت عبارة {َفَرَضْنَاهَا} لتؤكد ان القضايا المتعلقة بالعفاف قضايا في غاية الأهمية، أي على العكس مما يتصور بنو الإنسان في وقتنا الحاضر من خلال توجههم صوب تسهيل وتبسيط العلاقات الجنسية، والاستخفاف بها ايضا، ويسمون ذلك اعتباطا باسم"الحرية" أو السير نحو "الحرية الجنسية"، وأن كل ما عرضه القرآن من أساليب لصيانة العفاف، وما صرح به من عقوبات للتهتك، وما بينه من جزاء على تلويث سمعة النساء العفيفات واتهامهن كذبا بالتحلل، وما جاء فيه من ترغيب
بالزواج، وخلاصة القول:كل ما أورد في ما يتعلق بباب العفاف، أراد التأكيد من خلاله على أنّ هذه القضايا تحظى بأهمية وجدية قصوى، ولها حكم الفرض ولا مجال للتسامح فيها. وإنّ أحد أسباب تعاسة عالم اليوم هو الاستهانة بأصول العفاف والتقوى في الشؤون الجنسية، وهو ما سنتعرض له في ما بعد.
{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا} وفرضنا التمسّك بما ورد فيها، يعني أنّنا نهتم بها ولا نستهين بشأنها {وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَات}ٍ قد يراد جميع آيات السورة، أو إنّ المراد بها الآيات التي جاءت في وسط السورة، وهي التي تشكل في الواقع عمودها الفقري.
تتحدّث سائر آيات هذه السورة عن الأخلاق والآداب الجنسية. أما تلك الآيات فتتعلق بأصول العقيدة، وسنبيّن وجه تناسبهما في ما بعد. وعلى كلّ حال يقول القرآن أنّنا قد انزلنا في هذه السورة آيات بينات لإيقاظكم وتوعيتكم {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ربما أنكم تعلمون الفارق بين "التفكّر" و"التذكّر". التفكر يكون في الموارد التي يجهل فيها الإنسان قضية ما ولا يعلم شيئا عنها. أما التذكر فيكون في المسائل التي تدرك فطرة الإنسان صحتها بشكل تلقائي، ولكن يجب تذكيره بها ولفت نظره إليها. القرآن يشير إلى هذه المسائل على وجه الخصوص بصفة "التذكر" وربما يعود أحد أسبابها إلى احترامه للإنسان، وكأنه يريد أن يقول له أننا نلفت انتباهك إلى هذه الأمور، وهي أمور لو أنّك فكّرت فيها لوقفت على حقيقتها إلاّ أنّنا ننبهك إليها ونذكرك بها
مع تحيات الدكتور الاسير
Bookmarks