ثقافة الجمود والتحجر
عبدالله الباكري

من أهم عيوب البيئة العربية التي نعيشها ( ثقافة الجمود ) بالرغم من رؤيتنا للحياة أمامنا وهي تتسارع بسرعات الخيال وتمضي بأشكال متفاوتة ومتباينة يكاد العقل يقف عاجزاً أمام رصدها وتمييزها ، بينما تتفاخر وسائل الإعلام العربية بحالات الجمود والتراخي والكسل التي تعيشها بلادهم تحت مسميات أخرى كالإستقرار والأمن وكأن بلاد الشرق والغرب المتطورة لا تنعم بالإستقرار والأمن ولا تعرفه أبداً وهم أربابه وصانعي آلياته ومبتكري نظمه وقوانينه وبلادهم في ذات الوقت أرض الحركة الدؤوب وميدان السرعة والصنعة ويكاد الفكر يعجز عما هم عليه من الحركية والتلقائية في أعمالهم وفنونهم وما نحن عليه من التخاذل والإطمئنان والتراخي المذموم وكأن الأرض تعجب من الهوة السحيقة التي تفصلنا عنهم بينما جميعنا بين دفتيها 0

الحركة السياسية في بلداننا العربية تترجم الجمود الذي يطبق على أمتنا وآليات الحاكم أصبحت جلية في إحكام القبضة على التحرك والإنسيابية وإن اختلفت الآليات والسبل إلى أنها لا تتبتعد كثيراً في الهدف والنتيجة 0

الثورات العربية التي حدثت في النصف الثاني من القرن العشرين كانت نقلات نوعية في حياة الإنسان العربي المعاصر وكادت أن تنقله إلى مصاف الحضارة الحديثة لولا أن - ثقافة الجمود والتحجر- وهي المسيطرة على ألباب القيادات العربية والمهيمنة على عقولهم وقلوبهم وهي نتاج البيئة الصحراوية الجافة كانت الفيصل في إصدار القرار وصاحبة الكلمة العليا في البيان ولذا وللأسف الشديد لم نر أية نقلات نوعية جوهرية بمسمى النقلة الحقيقية ولم نشاهد القرار الجمهوري يختلف عن البيان الملكي ولم نلحظ أية فروقات في نظم الحكم سوى أننا استبدلنا عوائل مالكة بحفنة من الضباط !!!!

لو أخذنا الثورة الفرنسية كأنموذج إنساني ناجح نقلت الشعب الفرنسي ومجتمعه إلى الصف الأول العالمي وحققت مآرب المجتمع وأمانيه على الأقل في العدالة والمساواة فإننا سنجد أن فرنسا التي نعنيها اليوم هي وليدة ثورتها التي كان العام 1789 م يمثل البداية الحقيقية لها وسنجدها منذ هذا التاريخ إلى اليوم وقد طوت خمس جمهوريات كما طوت خمسة عشر دستوراً ، وبمعدل حسابي بسيط نجد أن هناك جمهورية كل أربعين سنة وهناك دستوراً كل ثلاث عشرة سنة وهذا هو المؤشر الذي يتكرر في كثير من بقاع العالم المتحضر وذلك لأن التغير والتطور هو سمة الحياة اللازمة وأن الجمود والتحجر هو ضد صفاتها ومناف لسماتها 0

قامت الثورة الفرنسية على سببين أساسيين أحدهما فكري قام به رجال الفكر والعلم وأرباب القلم والكتابة وكانت هذي العقول هي التي فتحت أذهان الناس تجاه قضاياهم ورسمت للثورة أهدافها البعيدة ورسخت الوعي بين أفراد المجتمع ، والسبب الآخر اقتصادي وهو إفلاس الخزينة الفرنسية وتدهور حالة إقتصاد البلد ولعل نظام الملك وحصر السلطات لحاشيته ومقربيه كان هو الآخر سبيلاً لتعطش الناس للتغيير ورغبتهم بالحلول البديلة 0

من أهم أسباب نجاح الثورة الفرنسية وجود ( الوعي ) وترسخ مفاهيم العدالة وحقوق الإنسان بين فئات المجتمع – وهذا الوعي كان نتاج الحملات الفكرية التي كان المفكرون والفلاسفة وأرباب الصحافة والبيان يغذون بها مجتمعاتهم بين الفينة والأخرى فتغيرت مفاهيم الناس تجاه الأديولوجيات الخانقة والأفكار السائدة وبشروا مجتمعهم بالأفكار الجديدة وصححوا العديد من مترسخات الأذهان ورواسب الثقافات المنغلقة 0

السؤال هنا ،،،، استمرت التجربة الثورية الفرنسية قرابت 200 عام حتى أثبتت نجاحها وحققت مقاصدها لمجتمعها فهل تنتظر الشعوب العربية هذه الفترة حتى تحقق ما تصبو إليه ؟؟؟؟
دول شرق آسيا عرفت اللعبة وسر المغزى واختصرت قرون السنين بربع قرن من الزمن حتى حققت معجزتها التاريخية 0
لكن السؤال الأهم أن دول أوروبا وكذلك شرق آسيا حققت أحلامها بالحركة الدؤوب وطرد عوامل الكسل والتراخي بينما مؤشراتنا المحلية تشير إلى أننا ما زلنا نعشق التواكل ونتنافس التمني ونذم النشاط ونحسد النجاح ومن ثم نستغرب موقعنا كأمة في آخر السلم العالمي