قصة قصيرة
مـــــــــوعـــــــدا مــــــع الــــــــريـــــــح
أتوفــــينَ يا ريــح يوما بوعدكِ؟ ******* تعِبتُ ولم يتعبِ الحلمُ فيــــكِ
على شطء أحــــلام عمري سنينا ******* بحلمي تنامُ وتصحو عليــــكِ
غباركِ في ناظــــريَ يغنــــــــي ******* ويمضي بدمعي إلى مقلتـــيكِ
كما كنتِ يا ريحُ أمسي ستبــــقي ******* غدي أنتِ والمنتهى في يديكِ
كانت تلك أغنية العم صابر* ينشدها كلما هبت الريح* وهو متجه إلى البحر* منذ وعيت لنفسي وأنا أرى هذا الرجل المسن* ما إن تهبََ الريح* حتى يهب متحديا غبارها ماضيا باتجاه البحر* أخبرتني والدتي أنهم عرفوه في الحي وهو على هذه الحال منذ زمناً بعيد* بعض سكان الحي يقولون عنه انه مجنون* والبعض الأخر يقول انه فقد أبنائه في ريحٍ عاصفة هبت على زورقهِ فأغرقت أسرته ولم ينجُ أحدا سواه* لِذا فهو يعتقد ان الريح التي أخذت زوجتَه وأبنـَـائه* ستعودُ بهم ذاتَ يوم.
أحاديثُ كثيرةٌ تلك التي يرويها أهلُ الحي في تفسيرهم لحالة العم صابر* وحده والدي كـــّذبَ معظمَ تلك الروايات* وأكد لي ان العم صابر كان يخرجُ لملاقاة الريح حتى قبل ان يتزوجَ وينجبَ أطفالـَه* وان زوجتـَه وأطفالـَه لم يموتوا غرقا* بل هربوا مع أمهمُ التي سئمت من حال زوجها وفرّت إلى قريتها مع أولادها.
اليوم بدأت أوقن ان الرجلَ كان صادق فيما قاله لي ذاتَ يوم* حين تجرأت وسألته: لماذا تخرجُ إلى الريح كلما هبّت يا عمَّ صابر؟ قال لي إنني أولُ شخص يسألهُ هذا السؤال* فأهل الحي لا يتحدثون إليه منذ ان قرر الخروج لملاقاة الريح* وهم يخشون التحدّث معه خوفا منه* قالها والألم في ينطق من عينيه* وما ان بدأ يفسر لي سره حتى تحول ذلك الألم والخفوت الذي رُسِمَ في عينيه* إلى بريقٍ ينبئ عن روح ملئ بالأمل* وكان الأمل أول لفظ قاله لي وهو يشرح لي سره في ملاقاة الريح.... "انه الأمل يا بني* لولاه ما قضيت كل تلك السنين انتظر الريح علها تحمل لي كنزاً من سفينةٍ غارقةٍ* أو طائرة محطمة* لا تظن يا بني أنني شخص يَسعد بمصائب الآخرين* كما ان الله لن يغرق سفينة في البحر او يحطم طائرة في السماءِ* كي يَسعدَ العم صابر* ولو فعلها يا بني* فلست انا الظالمُ بما تمنيت* بل هو الله العادلُ بما قدّر* الريح يا بني قدر الله المنتظر لكن أهل الحي لا يفهمون. أحيانا يهيئ لي أن الريح تحمل كنزاً اكبرَ مني وأنها تحبُ ان ترى الشاطئ مليء بنا كي تهبَ وتقذفَ بالكنز المنتظر* لكن أهل الحي لا يفهمون* لأنهم لا يسألون.
عندما بدأتُ يا بني أخرج لملاقاة الريح* كان الخير كثيراً* وكنت أأمل ان أجد كنزي على الأرض دون مساعدة الريح* لذا حدّثت نفسي أنني يوما ما سأتوقف عن الخروج لملاقاة الريح على شاطئ البحر* لكن ذلك الخير بدأ يتناقص* وكلما تقدم بيَ العمرُ كنت أفقد أملي في الأرض* وتزداد روحي تعلقا بالريح والبحر* وها أنا اليوم وقد أقترب قطار العمر من محطته الأخيرة* ما زلت أؤمن بالريح* وسأبقى متمسكاً بأملي حتى النهاية* قد لا يأتي ذلك الكنز أبدا* وقد يأتي بعد رحيلي يا بني* والى ان يقدر الله ما شاء سيبقى عمك الكهل صابر على موعده مع الريح".
رُغم أني لم أفهم بعدُ تماما حكاية العم صابر* لكنني أصدقـُه* وأكذّبُ كل سكان الحي* ولن أتفاجئ يوما إذا ما رأيته مقبلاً وفي يدهِ كنزهُ المختبئ خلفَ موعدهِ مع الريح.
Bookmarks