إذاعة هولندا تكسر حاجز التعتيم الاعلامي اليمني .. تجدد التوتر بين الشمال والجنوب

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

امستردام – لندن " عدن برس " : 11 – 9 – 2007


نشرت إذاعة هولندا الدولية " القسم العربي " أمس تقريرا مطولا عن ما يجري في الجنوب من احتقان سياسي يجري التعبير عنه سلميا في كل محافظات الجنوب رغم قمع السلطة وقتلها للأبرياء في محاولة منها للقضاء عليها ، غير أن كل تلك المحاولات " الإرهابية " التي تحاول إتباعها أجهزة القمع العسكرية لتركيع الشارع في الجنوب قد فشلت ، ووصلت الرسالة الجنوبية إلى العالم ومنها إذاعة هولندا الدولية ، التي قدمت تلخيصا للإحداث في الجنوب قبل أسابيع من زيارة متوقعة للرئيس علي عبد الله صالح إلى هولندا .


كتب: عثمان محمد احمد.
10-09-2007
قبل أن يكتمل نجاح الجهود المبذولة، لإغلاق ملف حرب الحوثيين في محافظة صعدة. انفتح ملف أزمة جديدة في اليمن أخذ طريقه لأن يكتسب اسم "قضية الجنوب"، وتمظهر في سلسلة نشطة من الاعتصامات والمسيرات والمهرجانات الاحتجاجية
عمت معظم المحافظات التي كانت تشكل اليمن الجنوبي السابق، وتحول بعض من تلك الفعاليات إلى أعمال شغب ومصادمات، ساهمت مع بوادر تمرد عسكري ظهر في محافظة أبين الجنوبية في تشكيل صورة مخيفة لاحتمالات تطور هذه القضية.
الأزمة الجديدة بدأت تتبلور في الربع الأول من عام 2007م عندما نظم المتقاعدون العسكريون والمدنيون من أبناء المحافظات الجنوبية أنفسهم في جمعيات باسمهم وصل عددها إلى نحو 18 جمعية، خلقت لنفسها كيانا جامعاً هو "مجلس تنسيق جمعيات المتقاعدين"، الذي يقوده العميد المتقاعد ناصر النوبة. وبدأ ذلك المجلس في تنظيم سلسلة من الاعتصامات والتظاهرات للمطالبة بإعادة المتقاعدين إلى الخدمة، مؤكداً أن تسريحهم تم بطريقة قسرية ومتعسفة، نتيجة لحرب صيف 1994م الداخلية.
السلطات اليمنية، وفي مقدمتها رئيس الجمهورية على عبد الله صالح، تعاملت منذ البدء مع قضية المتقاعدين ومطالب مجلس التنسيق بايجابية، وأصدر الرئيس صالح توجيهاته بإعادة كافة المتقاعدين والمنقطعين عن الخدمة ومنحهم حقوقهم. كما أصدر قرارات جمهورية قضت حتى نهاية أغسطس 2007م بترقية وإعادة أكثر من 3200 من العسكريين المتقاعدين.
وتم تشكيل عدة لجان كُلفت بمعالجة قضايا المتقاعدين العسكريين والمدنيين. وتلقت هذه اللجان نحو خمسين ألف شكوى وتظلم من المتقاعدين، وتضمنت قراراتها رفع المرتبات التقاعدية، ومعالجة نحو ثمانية آلاف حالة من قضايا المتقاعدين العسكريين حتى نهاية أغسطس ، والشروع في وضع معالجات قضايا الأراضي التي كان يملكها المتقاعدون.
لكن كل هذه الإجراءات لم تهدئ ثورة مجلس التنسيق، فقد اعتبرت قيادة المجلس أن ما تم لا يعبر عن طموحاتهم، وأكدت أن هذه الإجراءات شملت عدداً قليلا من مجموع المتقاعدين الذين يقدر المجلس عددهم بنحو 80 ألف متقاعد. بل أن المجلس رفض حل قضية المتقاعدين بشكل فردي. وطالب بإصدار قرار جمهوري ينص على عودة جميع المتقاعدين إلى إعمالهم وصرف كافة مستحقاتهم إضافة إلى تعويضهم عن الإضرار التي لحقت بهم جراء استبعادهم من الخدمة طوال السنوات الماضية.
ثم استمرت دائرة مطالب المتقاعدين تنداح لتشمل في مرحلة هامة من مراحلها المطالبة بإعادة العسكريين إلى وحداتهم السابقة. ومن هنا بدأت القضية في التحول من طابعها المطلبي لتكتسب بعداً سياسياً واضحاً، ويبدأ مجلس التنسيق ابتداءً من يوليو الماضي في المطالبة بإعادة جيش دولة اليمن الجنوبي السابق. وفي هذا الخصوص أعلن ناصر النوبة أن مطالبهم تغيرت لتصبح حقوق مواطني جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي السابق) بما فيها حقهم الشرعي في إجراء إستفتاء لأبناء الجنوب حول الوحدة. مؤكدا أن قضيتهم ليست قضية راتب أنما هي قضية الجنوب.
ومن يومها ارتفعت أصوات جنوبية كثيرة من داخل صفوف المتقاعدين ومن خارجها، وبعضها من خارج اليمن، وهي تتحدث عن "القضية الجنوبية"، وتؤكد رفضها للوحدة اليمنية القائمة، معتبرة أنها وحدة ضم وإلحاق تمت "باجتياح جيش اليمن الشمالي لليمن الجنوبي في 1994م"، أي بعد أربعة سنوات من "الوحدة اليمنية الطوعية" التي تمت في 1990. وشهدت معظم الفعاليات الاحتجاجية التي نظمها المتقاعدون والمتضامنون معهم في الشهرين الأخيرين قيام البعض بترديد شعارات مناهضة للوحدة ولليمنيين الشماليين، وتحول بعض من تلك التظاهرات إلى أعمال تخريب ونهب استهدفت التجار والباعة الشماليين في عدد من مناطق الجنوب.
ووصلت الأزمة إلى ذروتها بالإعلان في أواخر أغسطس المنصرم عن تشكيل "الهيئة الوطنية العليا للدفاع عن قضايا الجنوب"، وإفصاح مجلس التنسيق عن رؤية جديدة للتفاوض مع الحكومة اشترطت أن يكون محور الحوار هو "القضية الجنوبية وفقاً للشرعية الدولية"، وأن يكون الطرف المفاوض من طرف السلطة من أبناء اليمن الشمالي، وان يتم الحوار في دولة أوروبية وبرعاية طرف ثالث من الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية. وقد كشفت هذه الشروط أن قضية المتقاعدين بدأت تأخذ منحى انفصاليا واضحا.
وقاد كل ذلك الرئيس اليمني إلى التحذير مما وصفه بتجاوز الخطوط الحمراء. وأدى إلى وقوع مصادمات بين قوات الشرطة وبعض المتظاهرين في عدد من المناطق سقط جرائها حتى الآن نحو قتيل واحد وعدة مصابين، وصحبتها حملات اعتقال شملت العشرات من المتظاهرين وقياداتهم.
ويبدو انه لم يكن من قبيل الصدفة أن تشهد فترة تصاعد حركة احتجاجات المتقاعدين ظهور كيانات مطلبية وسياسية أخرى في مناطق الجنوب اليمني، مثل جمعيات للعاطلين عن العمل بدأت بدورها في تنظيم سلسة من الاعتصامات والتظاهرات. و "اللجنة التحضيرية للمُسرحين الدبلوماسيين". و "الموظفون الجنوبيون المنقولون من المحافظات الجنوبية"، و "هيئة تنسيق الفعاليات السياسية والجماهيرية والمجتمع المدني في محافظة حضرموت". وأن تشهد الفترة نفسها تنشيطا للكيانات المسماة "لقاءات التصالح والتسامح والتضامن لأبناء المحافظات الجنوبية".
وفي الوقت ذاته انعقد مؤتمر للحزب الاشتراكي اليمني تبنى فيه بوضوح غير مسبوق "القضية الجنوبية" وتحدث عن إجراءات رأي أنها أدت لتصفية لكل ما يمت للدولة الجنوبية بصلة.
واستكملت حالة الاحتقان في اليمن حلقاتها بتنظيم أحزاب المعارضة سلسلة من المهرجانات والمظاهرات الحاشدة في العديد من المحافظات اليمنية، احتجاجاً على موجة كبيرة في ارتفاع أسعار السلع الأساسية شهدتها البلاد في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
تمرد الشحتور والكبدة


بالتزامن مع أسلوب الاحتجاجات السلمية الذي اتخذه مجلس التنسيق لجمعيات المتقاعدين، اختار متقاعد من محافظة أبين الجنوبية يدعى سعيد الشحتور أن يخوض معركته بأسلوب آخر.. فاعتلي مع أنصاره في مايو الماضي قمم جبال أبين الوعرة ليقود تمردا مسلحا ضد الدولة. استطاع ضمنه قطع بعض الطرق الرئيسية في المنطقة لبعض الوقت، واستهداف القوافل العسكرية، والاستيلاء بالقوة على عدد من المركبات التابعة للجيش والشركات، وإلحاق إضرار ببعض المنشآت والمرافق الخاصة. وقدرت مصادر صحفية أن عدد أنصار الشحتور يقدر بالعشرات.
وفي ذات الوقت تحدثت صحف يمنية عن تمرد آخر في جبال ابين بقيادة ضابط أمن من المتقاعدين يلقب بـ "الكبدة"، وأضح بعض تلك الصحف أن المذكور انضم بأنصاره المسلحين لحركة الشحتور. فيما قالت أخرى إنه أصلا قائدا لمجموعة من تلك الحركة.
وأفصح الشحتور في عدة تصريحات أن مطالبه تتركز على "قضية الجنوب". وانه ينادي بإعادة اتفاقيات الوحدة إلى ما كانت عليه قبل حرب 1994م. وإرجاع جميع المُسرحين من أبناء الجنوب إلى أعمالهم. لكنه وفوق ذلك يطالب بإعادة صياغة الوحدة من خلال توزيع الثروة بالتساوي وبنسبة 50% لكل شطر من شطري اليمن السابقين، وان يكون الأمر كذلك في عضوية البرلمان، والعاملين في مؤسستي الجيش والأمن. وحصر حق الإشراف على عمل الشركات العاملة في الجنوب على الجنوبيين.
ويزداد الأمر تعقيدا إذا علمنا أن هناك تنظم سري جنوبي أعلن عن وجوده مؤخرا باسم "جيش تحرير الجنوب" دعا إلى انتفاضة مسلحة ضد ما وصفه بـ "الاحتلال اليمني لجمهورية الجنوب العربي".
وهكذا يبقى دائما حصاد الحروب، يترك جروحا يحتاج اندمالها جهودا كبيرة ورعاية مستمرة لازمان غالباً ما تطول