[MARQ=RIGHT]الصدق[/MARQ]
إن الله خلق السموات والأرض بالحق , وطلب إلى الناس أن يبنوا حياتهم على الحق , فلا يقولوا إلا حقاً ولا يعملوا إلا حقاً .
وحيرة البشر وشقوتهم و ترجع إلى ذهولهم عن هذا الأصل الواضح , وإلى تسلط أكاذيب وأوهام على أنفسهم وأفكارهم , أبعدتهم عن السراط المستقيم , وشردت بهم الحقائق التي لابد من التزامها .
ومن هنا كان الاستمساك بالصدق في كل شأن , وتحريه في كل قضية , والمصير إليه في كل حكم , دعامة ركينة في خلق المسلم , وصبغة ثابتة في سلكوه . وكذلك كان بناء المجتمع في الإسلام قائماً على محاربة الظنون , ونبذ الإشاعات واطراح الريب , فإن الحقائق الراسخة وحدها هب التي يجب أن تظهر وتغلب , وأن تعتمد في إقرار القرارات المختلفة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" (1) وقال : "دع ما يريبك إلى مالا يريبك , فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة " (2) .
وقد نعى القرآن على أقوام جريهم وراء الظنون التي ملأت عقولهم بالخرافات , وأفسدت حاضرهم ومستقبلهم بالأكاذيب فقال : [إن يبتغون إلا الظن وما تهوى الأنفس , ولقد جاءهم من ربهم الهدى] (3) وقال : [وما لهم به من علم إن يبتغون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً] (4)
والإسلام – لاحترامه الشديد للحق – طارد الكذابين , وشدد عليهم بالنكير .
عن عائشة أم المؤمنين قالت : "ما كان من خلقٍ أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب , وما اطلع على أحد من ذلك بشيء فيخرج من قلبه حتى يعلم أنه قد أحدث التوبة" (5)
وفي رواية عنها : "ما كان من خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب , ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة , فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث بعدها توبة" (6)
ولا غرو فقد كان السلف الصالح يتلاقون على الفضائل ويتعارفون بها , , فإذا أساء أحد السيرة وحاول أن ينفرد بسلك خاطئ , بدا – بعمله هذا – كالأجرب بين الأصحاء , فلا يطيب له مقام بينهم حتى يبرأ من علته .
وكانت المعالم الأولى للجماعة المسلمة صدق الحديث , ودقة الأداء , وضبط الكلام .
أما الكذب والإخلاف , والتدليس والافتراء , فهي إمارات النفاق , وانقطاع الصلة بالدين ؛ أو هي اتصال بالدين على أسلوب المدلسين والمفترين ! أي على أسلوب الكذابين في مخالفة الواقع .
___________________________
(1) البخاري .
(2) الترمذي .
(3) النجم : 23.
(4) النجم : 28.
(5) أحمد .
(6) ابن حبان .
من كتاب (خلق المسلم) للإمام الغزالي – يرحمه الله .
Bookmarks