يوم طارت ابنتي

:
..
.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

:

صرخات صوتها الحادة ما عادت تصل إلى مسمعي !
تفقدتها ··
ألقيت نظرة على تجمعات الأطفال في فناء الدار ·· لم تكن معهم ·
بحثت بهدوء وسرعة بين الغرف المتاح لي دخولها ·· لم أجدها ·
تسارعت نبضات قلبي ·· والهدوء توقد واندفع في أطرافي ضجيجاً صاخباً :
- أين سارة ؟ ·· من رآها ؟

:

استنفرت صاحبة البيت والزائرات ·· تبعثرن في الغرف والملحقات والسطح للبحث عنها ·· ولا أثر !
أركض بين الجدران وأجأر كلبوة ، وخطوط دمعي اللاهث تجأر معي ··
" خلي بالك من سارة ·· لا تنسيها في زحمة الضيفات وكثرة القيل والقال ·· أعرفك ! "
شدد علي بتنبيهاته وهو يوصلني إلى هنا ··
وكأن قلبه تنبأ بحدوث شيء ما !!
تسمر الأطفال في أماكنهم حين رأوا هلعي ودموعي ·· لم أخجل من الصراخ أمامهم بهستيرية :
- أين سارة ؟ ·· من رأى ابنتي سارة ؟
تسابقت الأمهات لاستنطاق اولادهن ··
ارتعدت فرائص اكبرهم ·· فرك يديه ببعضهما :
- أنا لم أرها ·
ازدرد ذ و القميص الأصفر ريقه ورفع حاجبيه :
- أنا رأيتها ·
أمسكت بتلابيبه ·· اتسعت عيناي بمساحة رأسه :
- أين ؟
رفع بنطاله الأخضر فوق خصره النحيل :
- كانت تلعب هنا قرب الباب ثم فتحته وناديتها فلم ترد علي وخرجت·

:


دفنت وجهي بين كفي :
- يا إلهي ·· ليس في لبيت رجال ، كلنا نساء وأطفال فقط ·· من سيبحث لي عنها خارج البيت ؟
لوح ذو الوجه المستدير بسبابته السمراء القصيرة محذراً :
- وأنا أيضاً ناديتها ، قلت لها لا تخرجي من البيت حتى لا يصيبك ما أصاب الأرنب الصغير الذي خرج من بيته واصطاده الصياد ، أمي قالت لي هذا ·· أليس كذلك يا أمي ؟
وضعت أمه يدها على فمه وطلبت منه السكوت ·
دوار يصيبني ·· وحلقي صحراء جافة لم تعرف طعم الإرتواء يوماً
- اعطوني عباءتي لأبحث عنها في الشوارع ·
تدخلت ذات الثوب المشجر :
- خرجت سارة لتلعب بالرمل الذي أمام البيت ، هي قالت لي انها تحب اللعب بالرمل لكن أمها تمنعها حتى لا تتسخ ثيابها ·
" منذ متى كانت سارة - ابنة السنتين - تعرف الكلام "
آه ·· ليتني ما نهيتها يوماً عن فعل شيء ما ·· ليتني ما منعتها منذ قليل من أكل قطع الكاكاو التي تعشقها ·

:

وقف الأبيض ذي الشعر الكث المجعد على أطراف أصابعه منفعلاً :
- حين كانت سارة تلعب بالرمل وقفت سيارة حمراء فيها سائق له شوارب ، كأبي ، وناداها السائق وأعطاها قطعة كاكاو وأخذها معه في السيارة
" يا ويلتي ·· خطفت ابنتي ! " ·
زمجرت ذات الغرة الكستنائية المتدلية على العينين :
- قلت لها لا تأخذي من الغريب شيئاً ·· أمي قالت لي لا تأكلي من أحد شيئاً ، ولا تذهبي مع الغرباء أبداً ·
نهرها السمين الواقف أمامها بغضب :
- كاذبة ·· لا يا خالة ·· سارة لم تذهب في السيارة الحمراء ·· بل جادت طائرة بيضاء وركبت فيها ثم طارت ، راحت إلى البحر ·
" أراني كرة لحمية تتقاذفها أرجل صغيرة ملونة " ·
بأسى قال الأقرع الصغير وهو يحك أرنبة أنفه :
- الصحيح ، ان سارة طلعت إلى الشارع وجاءت سيارة ـ شبح - مسرعة ودعستها ونزل منها الدم ·
" ابنتي ماتت ؟ ·· دعستها سيارة ! " ·
حبوت إلى الباب حبواً ·· ما عادت قدماي تحملانني ··
وفي صدري فحيح أم ثكلى !
وكحكيم ، نطق ذو الثوب الأبيض ، بعد صمت مطبق ، وعينيه تضيق وتتسع حسب مخارج كلماته :
- لكن سارة قصيرة ، ولا تستطيع يدها أن تمسك بهذه ، لتفتحها - وأشار إلى مقبض الباب - ·
تحنطت في مكاني ··
دلو من الماء المثلج اندلق فوق رأسي ··
سكنتني رعشات متوالية ·· ودمي تيار متناوب ، نقطة مغلية ·· وأخرى متجمدة ·
" قصيرة ·· لا تصل لمقبض الباب ·· لم تخرج ·· انها في البيت ·· ال ·· ! "

:

اشتعلت الحياة في أوصالي ·· تركبت أعضائي فوق بعضها البعض ·· وكالبرق طرت من بينهم ··
وقفت وسط المطبخ ··
بحثت جيداً ··
وبهدوء ··
تمطت ، من تحت مفرش الطاولة المتدلي حتى الأرض بارتخاء ،
قدمان صغيرتان حافيتان ··
أعقبتهما ساقان رفيعتان ··
ثم جذعاً ناحلاً بذراعين سمراوين ··
ثم عينان لا معتان وسط وجهٍ بني معجون بنصف علبة الكاكاو المزروعة ، بكثافة ، تحت الطاولة !!!

:

هيام المفلح

مودتي