محمد : أين سمير ؟ لم اشعر بوجوده منذ أن استيقظت !! كما أني لا أراه على مائدة الإفطار !!!!
قال ذلك الأستاذ محمد سعيد مدرس مادة التاريخ في الجامعة . وهو يمسك فنجان القهوة بكلتا يديه باحثا عن الدفء من الحرارة المنبعثة منه في ذلك الصباح البارد
أجابته زوجته حنان وهي تعد مائدة الإفطار
حنان : انه لم يأتي منذ البارحة . لعله في بيت احد زملائه . أخذه الوقت في المذاكرة فآثر النوم هناك كما هي عادته في بضع الأحيان
ما أن أتمت حنان جملتها حتى رن جرس تلفون البيت
ذهب محمد للرد على المتصل
اخذ السماعة وهو ينظر من خلال المرآة التي كانت بجوار الهاتف ليتأكد من وجاهته و يعدل رباط الكرافتة
محمد : الو مرحبا
.......:- نعم أنا هو
.......:- ماذا تقول ؟؟؟؟؟
قال ذلك في الوقت الذي قعد بسرعة على الكرسي الذي كان بجانبه . فركبتيه لم تستطيعا على حمله
بينما وقفت زوجته وهي ترقبه بعينيها وسؤال يدور في ذهنها عن ماذا هناك
.......:- كيف ومتى حصل ذلك ؟؟؟
جرت حنان مسرعة وهي قلقه لتقف بجوار زوجها لعلها تفهم شيء
.......: - حسنا حسنا . سآتي حالا
أغلق السماعة وكل شيء من حوله يدور
حنان : ماذا هناك ؟ اخبرني !!!!
لم يستطع محمد الكلام
جلست حنان على ركبتيها وهي تحاول قراءة عيني زوجها وعاودت السؤال يسبقها إحساس الأم
حنان : ماذا هناك . ؟ اخبرني . هل جرى لسمير مكروه
محمد : انه محتجز في قسم الشرطة . متهم بجريمة قتل
عقدت حنان حاجبيها وفتحت فمها وذرفت دموعها بلا شعور وقالت بصوت منخفض لا تسمعه سواها
حنان : جريمة قتل ؟ تمزح يا محمد ! أليس كذلك ؟ !
وأخذت تقبل يديه وقدميه وهي تبكي وتقول
حنان : أرجوك يا محمد قل انك تمزح . أسالك برب هذا الكون . قل لي انك تمزح . قل لي أي شيء لا تسكت هكذا
حاول محمد تمالك نفسه * ووقف على قدميه وفك رباط كرافتته ورمى بها جانبا وخرج من البيت مهرولا
ركب سيارته التي أصبحت كالصاروخ في سرعتها وهي تشق طريقها إلى قسم الشرطة . غير عابئة بالمطبات الممتلئة في الطريق
وفي قسم الشرطة
محمد : لا أكاد اصدق هذه التهم المنسوبة إلى ابني سمير . إدمان مخدرات . سرقات . واحد أعضاء عصابة اجراميه . وأخيرا جريمة قتل . امتاكد أنت بأنك تقصد ابني سمير محمد سعيد ؟؟
ثم اخرج سيجارته من جيبه
بينما اخرج الضابط ولاعته * واقترب من محمد ليشعل له السيجارة ثم أردف قائلا
الضابط : أتفهم شعورك يا سيدي . لكن للأسف هذه هي الحقيقة * وسمير اعترف بذلك .. عموما لقد أمرت بإحضاره * ويمكنك ان تسأله بنفسك
دخل احد العسكر ليخبر الضابط أن المتهم سمير محمد واقف على الباب ويستأذن ليدخله
بينما دقات أبيه كانت اقوي من دقات عقرب الساعة الحائطية البيضاء اللون المعلقة على حائط جدار غرفة الضابط
ولآخر لحظة وهو يعتقد إما انه في حلم ويتمنى أن تأتي زوجته حنان ألان لتوقظه . فقد تأخر في نومه و على جامعته
أو أن ضابط الشرطة مخطئ والمسالة كلها تشابه أسماء
لكنها كانت الصاعقة
فالشاب الذي ادخلوه كان هو سمير
بشعره الأسود الناعم * وعينيه الصغيرتان البنية اللون * وجسده النحيل
ازدادت دقات قلب محمد شدة وسرعة
والعرق بتصبب من كل جسمه في صباح شتوي قارص البرودة
خبأ رأسه بين يديه
وهو يقول في نفسه هيا يا حنان تعالي . لماذا تأخرتي ؟؟ تعالي وأيقظيني من نومي لأتخلص من هذا الكابوس اللعين
لكن أي نوم وأي كابوس فهو يعيش في الواقع
وكل ما يدور حوله إنما هو حقيقة لا مناص لها
رفع رأسه في عيني ابنه سمير وقال
محمد : لماذا . * وما الذي دفعك لفعل هذا ؟ لم اتأخر عليك في أي شيء .. طلباتك كانت تنفذ دونما تأخير . لم ارفض لك طلبا .. كل شيء حلمت به ولم تحلم به كان بين يديك . جعلتك مميزا بين أصدقائك . فكل شيء كان ليس عندهم . كان معك أنت
فما هو الشيء الذي كان ينقصك لكي تفعل هذا . اخبرني به وان كان في المريخ سأجلبه لك
كان جسم محمد ينتفض
وكل من في المكان ينظرون لسمير باستحقار . أعطاه أبوه كل شيء الا انه لم يكن يستحق
نظر سمير إلى أبيه وقال
سمير : كان ينقصني أنت يا أبي
كانت إجابة سمير كالصاعقة على الحاضرين
محمد : ماذا تقصد ؟ !
حينها ذرفت عيني سمير بالدموع . فبكت السماء على اثر ذلك . و أسقطت مطرا غزيرا ليزداد الجو بروده . بينما كان محمد غارق في عرقه
سمير : اعرف يا أبي انك أعطيتني كل شيء . كل شيء . لكني لم أجدك . لم اشعر يوما بحنانك . لم اشعر يوما بدفء حضنك . لم تحسسني بالمعنى الحقيقي للأبوه . الأبوه يا أبي اكبر من إعطائي ملابس فاخره أو سيارات فارهه أو أن أعيش في مستوى عالي جدا . الابوه اكبر من ان تعطيني كل شيء في الدنيا وأنت لا تستطيع أن تعطيني لمسة حنان تشعرني بان لدي أب .
أجهش سمير بالبكاء
وازدادت المطر غزارة
سمير : أين أنت يا أبي ؟ لم أجدك في حزني ولا ألمي .. لم أجدك حتى في فرحي وسروري . اعترف باني كنت مميزا عن كل أصدقائي . فكل شيء كان معي . إلا شيء واحد كان معهم تمنيت أن ادفع كل عمري لأقتنيه . وهو أنت يا أبي
بدأت دموع العسكر المتواجدين في الغرفة تنزل قليلا قليلا وهم يشعرون بمعانة شاب امتلك كل شيء في الوجود . وعجز عن امتلاك أبيه
سمير : كل وقتك كان لأصدقائك . ومجالس القات والسهر معهم . اهتميت بعملك * وسفرك . ومجدك ومركزك واسمك لا أكثر ولا اقل . أين أنا من كل هؤلاء . حتى انه كان يمر شهرا كاملا لا أراك فيها ولو للحظة واحده . حتى كاد يمر علي بعض أوقات أنسى فيها أن لدي أب ...... إهمالك لي يا أبي هو من جرني لهذه الطريق . فليتك جعلتني أدمن عليك بدلا من إدماني على المخدرات * وليتني وجدت يدك ممدودة إلي لتسحبني إليك بدلا من أن تشدني يد الجريمة و أنا بمفردي من دونك لأغرق في ظلماتها ....... ما كان ينقصني هو أنت يا أبي . أجل أنت لا سواك
Bookmarks