هل الخلاف في الرأي ـ فعلاً ـ لا يفسد للود قضية ؟

لا أقصد هنا الخلاف مع الحكومة الذي هو موضة الكتابة هذه الأيام فهذا خلاف تاريخي .. له أسبابه ومسبباته .

وإنما أقصد أن فكرة الخلاف هذه إذا كانت ممكنة كما ترى مع الحكومة فهي مستحيلة مع من هم أقل منها بكثير .. فلماذا ؟

أنت مثلاً .. هل تستطيع أن تختلف وتعبر عن اختلافك هذا مع مديرك في الشغل ؟
هل تستطيع أن تختلف مع زوجتك وتصر على رأيك ؟
هل تستطيع أن تختلف مع أي شخص لك عنده مصلحة وتنقضي المصلحة بعد ذلك ؟

وهل أنا مثلاً أستطيع أن أختلف مع المشرف العام ثم بعد ذلك أضل مشرفاً ؟

أم أن الخلاف في هذا الزمان أصبح على الطريقة الأمريكية .. من ليس معنا فهو ضدنا .. ومن هو ضدنا فلا بد أن يكون إرهابياً ..!!

أتصور أنني يمكنني أن أختلف مع جورج دبليو بوش والسيد المشرف العام ومع أي شخص لي عنده مصلحة .. بشرط أن يكون شكل الخلاف وطريقته هادئاً موضوعياً خالياً من العصبية والانفعال ..

سأل ابن أباه (وهو كادر مهم في الحزب الحاكم) : من هو المرتد ؟
فأجاب الأب : المرتد هو الذي يترك حزبنا وينظم إلى الحزب الآخر .
فسأل الابن : وماذا يكون الرجل الذي يترك الحزب الآخر ونظم إلى حزبنا ؟
فأجاب الأب : هذا يابني يكون مفكراً .. وربنا كرمه .!!

أما في الصين فلقد اختلف السواقين مع حكومتهم .. فقاموا باضراب .. ولكنه إضراب غريب من نوعه .. فلم يمتنعوا عن العمل كما يفعل المضربون في كل مكان .. وإنما قرروا العمل بكل همة ونشاط دون أن يتقاضوا أجر من الراكبين .. ووقف السائقون ينادون (بالصيني طبعاً نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ) : اركب ببلاش .. اركب ببلاش .. وهرع المواطنون إلى السيارات المجانية تاركين وسائل النقل العام وكانت النتيجة أن خسرت شركة ( ألترام ) في ذلك الوقت 15 ألف فرنك .

إن هؤلاء الذين يقولون ( نعم ) دائماً و ( حاضر ) دائماً دونما تفكير أو إعمال للعقل لا يسيؤن لأنفسهم فقط ولا يسيؤن لنا فحسب وإنما يسيؤن بقدر أكبر لهؤلاء الذي يوافقونهم أو ينافقونهم من المسؤلين .

فالمسؤل إذا لم يسمع سوى صدى صوته فهو فقط كالفنان الذي يغني في الحمام .. وعندما أن يكون هو المطرب وهو المستمع فهذه كارثة فنية بحق .

إن أخطر ما يهدد تقدم الشخص ينجم عن محاولته البقاء آمناً في عمله متجنباً الوقوف في الأخطاء معتقداً بأن اختلافه مع رئيسه في الرأي خطأ دون أن يدري بأن اعتقاده هو الخاطئ .

لنتخيل أنه إذا فكر رجلان من رجال إحدى المؤسسات على نمط واحد تماماً فإننا نستطيع الإستغناء عن خدمات واحد منهما .. وبهذه النظرية فإن أناساً كثيرون سيقعدون في بيوتهم عاطلين .

صحيح بأن الخلاف في الرأي يوجع الدماغ ... لكن الاتفاق الدائم على طول الخط يمسح الدماغ ويجمده ..


وتقبلوا وافر التحية والإحترام .