Originally Posted by
alslwi-aziz
د/ عبدالله الفقيه
المسكوت عنه في الوحده اليمنيه
النظام القائم مسئولية تلك الظروف فان الجنوبيين ربما نتيجة لكونهم أقلية في دولة الوحدة وربما بسبب الطريقة التي تطورت بها الوحدة وخصوصا بعد انتخابات عام 1993 يحملون الوحدة نفسها مسئولية التدهور الكبير في أوضاعهم. لقد دخل الجنوبيون الوحدة على قاعدة المناصفة التي استمرت خلال السنوات الأربع الأولى وحتى اندلاع حرب عام 1994. وعندما اندلعت الحرب كانت مشاعر الجنوبيين في معظمها مع الوحدة. وقد كان ذلك احد الأسباب التي ساعدت في إفشال الانفصال.
وإذا كان الجنوبيون قد نالوا أكثر من نصيبهم خلال السنوات الأربع الأولى من الوحدة، فان ما حدث بعد الحرب الأهلية قد كان سلسلة من السياسات الخاطئة التي عمقت الجرح الذي خلفته الحرب وعبرت عن فهم سيء لقاعدة ابتلاع الأكبر للأصغر كما حدث في الوحدة الألمانية مثلا. وأدت تلك السياسات إلى تحويل الجنوبيين سياسيا إلى مجرد قوة هامشية وتم تخفيض تمثيلهم السياسي في المواقع الرئيسية والمؤسسات السياسية المختلفة وبالتدريج إلى أن أصبح في نظر الكثيرين منهم مجرد تمثيل رمزي. وتم تسليط سيف التقاعد على الكثير من القيادات الجنوبية في القوات المسلحة والأمن. أما أراضي الجنوب فقد تم توزيعها على المؤلفة قلوبهم من النافذين في السلطة. وتحول الجنوبيون في الكثير من المدن والمراكز الحضرية إلى غرباء في بلادهم.
وقد لخص احد الإعلاميين في حضرموت مأساة الجنوبيين للكاتب عندما أشار بإصبعه، وكان الوقت ليلا، إلى كتلة كبيرة مشتعلة وقال "كانت تلك الأراضي مخصصة للإعلاميين" قبل ان يحولها أحد النافذين إلى معسكر. "لقد وزعوا كل الأراضي." قال متحسرا قبل أن يسأل: "أين سيذهب أطفالنا؟ في أي أرض سيبنون بيوتهم؟" أمم الاشتراكيون خلال الفترة التي حكموا بها الجنوب الأرض وأمتلك الحزب تحت غطاء الدولة كل عناصر الإنتاج. ثم جاء الشماليون فأمموا كل شيء ليس لصالح الدولة ولكن لصالح المتنفذين داخل السلطة. أمم الاشتراكيون بساتين السلاطين في أبين، وجاء من بعدهم رموز النظام فأمموها لصالحهم. ويسأل الزائر لتلك البساتين. "لمن هذه المزرعة؟" ويأتي الجواب "هذه مزرعة الأفندم؟" "وتلك؟" ويأتي الجواب "للافندم أخو الأفندم!" "وتلك لأبن أخ الأفندم." وهكذا دواليك. ولا يمكن للمسافر من عدن إلى أبين سوى أن يلاحظ تلك الأسوار العملاقة الممتدة على يمين الطريق والتي التفت حول آلاف الكيلومترات من الأراضي المطلة على الساحل. والغريب ان تلك الأسوار قد حجزت ضمن ما حجزت ساحل البحر دون ان تترك أي فراغ لقيام خط ساحلي يشكل متنفسا للحياة كما في كل مدن العالم الساحلية. تلك الاستقطاعات الهائلة التي لم يقم عليها أي بناء لا يمكن ان تكون سوى عامل تذكير للجنوبيين بالنهب الذي تعرض له الجنوب في السنوات اللاحقة لعام 1994.
النظام الحاكم
خذل النظام الحاكم اليمنيين جميعا في الشمال والجنوب. لكن ذلك الخذلان ولأسباب كثيرة أنعكس كما يبدو سلبا على الجنوبيين أكثر من الشماليين. ولم تكن السياسات التي اتبعها النظام خلال العقد الماضي هي السياسات التي انتظرها الناس بعد حرب عام 1994. وهناك أخطاء ارتكبت سيكون تبريرها أو محاولة التغطية عليها جريمة بحق الوحدة اليمنية وفعلاً يصب في خانة الإنفصال. ومع أن بقاء واستمرار النظام الحاكم يشكل في المرحلة الحالية ضمانة هامة للوحدة اليمنية الا ان بقاء السياسات القائمة على ما هي عليه لن تقود في الأجلين المتوسط والطويل سوى إلى كارثة وطنية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وما لم تتمكن دولة الوحدة من تحقيق عملية دمج سياسي، اجتماعي، اقتصادي، وثقافي للجنوبيين في إطار دولة الوحدة، فان الوحدة اليمنية ستظل وعلى نحو مستمر معرضة للمخاطر وبغض النظر عن أشخاص الحكام. فالتحولات الدولية والإقليمية التي سمحت بقيام الوحدة اليمنية يمكن أن تعمل في مرحلة تالية على العودة باليمن إلى التمزق من جديد. وتؤكد الأدلة التاريخية أن الوحدة التي تستمر هي الوحدة المدعومة بقناعات مختلف الأطراف. أما الوحدة التي يفرضها النظام بالقوة فغالبا ما تنتهي بانهيار النظام أو بتراجع قوته. والدارس لأسباب انهيار الوحدة المصرية السورية أو الوحدة اليوغسلافية أو الصومالية أو غيرها من محاولات التوحد سيلاحظ أن الوحدة لا تتثبت إلا بحدوث الدمج بأبعاده المختلفة.
لقد كان هناك توجه مبكر لتحويل عدن إلى عاصمة اقتصادية ومنطقة حرة الا ان شيئا من ذلك لم يتحقق حتى الان. ولقد أدى النهب الذي تعرضت له أراضي عدن وغير ذلك من السياسات إلى حرمان أبناء عدن من ثمرة الازدهار الاقتصادي المحدود الذي شهدته المدينة خلال العقد الماضي. وإذا كانت عدن قد مثلت خلال العقود الماضية مركزا تنويريا في جنوب الجزيرة العربية فان عدن قد تحولت في العقد الماضي على الصعيد الثقافي إلى مجرد قرية حيث من النادر أن تشهد فعالية ثقافية تعبر عن روح المدينة وأبنائها. وفي الوقت الذي كانت فيه المدينة تصدر عدة صحف يومية في عهد الاحتلال البريطاني فأنها اليوم وفي عصر المعلومات والتكنولوجيا والإعلام الحر قد أصبحت مجرد مجموعة من الفنادق والشقق المفروشة يقصدها سياح من طراز معين. ولا بد ان محمد قاسم نعمان رئيس مركز اليمن لحقوق الإنسان وهو المركز الوحيد في المدينة المهتم بالحقوق السياسية والحريات المدنية ما زال يستخدم جزءا من عيادة زوجته كمقر للمركز لأنه لا يستطيع استئجار مقر.
السياسات المطلوبة
لقد مثل قيام الوحدة اليمنية حدثا هاما في تاريخ الإنسان اليمني. والتحدي الكبير هو في الحفاظ على الوحدة وتحويلها من وحدة جغرافيا إلى وحدة مصالح. ولن يتأتى ذلك الا من خلال تبني شبكة من سياسات الدمج السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي تعمل على خلق التشابك الضروري بين مكونات البلاد السكانية. فسياسيا ينبغي الجمع بين نوعين من السياسات: الانتقال الواسع إلى الديمقراطية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؛ والعمل مرحليا على الصعيدين السياسي والاقتصادي لتحويل الوحدة من مغنم للبعض ومغرم للبعض الآخر إلى مغنم لكل اليمنيين. ومعنى ذلك سياسيا وخلال الأجل القريب تخصيص نسبة معينة من جميع المواقع العامة التي يتم التعيين لها بقرارات جمهورية سواء أكانت في الجهاز الدبلوماسي أو العسكري أو المدني أو الأمني أو غيرها لأبناء المحافظات الجنوبية وذلك لمدة عشر سنوات على الأقل. ومع انه من الواضح ان الطريقة التي تمت بها الوحدة وطبيعة النظام الذي ساد في الجنوب قبل الوحدة قد أدت إلى معدل أعلى للوظائف بين سكان الجنوب مقارنة بالمعدل السائد بين سكان الشمال الا انه سيكون من الخطأ تبني سياسات تهدف إلى إحداث التوازن المطلوب في المرحلة الحالية وعدم الانتظار حتى يتحقق التوازن تلقائيا. وهذا يعني انه لا بد من العمل على احتواء البطالة بين شباب المحافظات الجنوبية ذكورا وإناثا. أما على الصعيد الاقتصادي فان الدولة بحاجة إلى تبني نوعين من السياسات؛ الانتقال إلى الاقتصاد الحر من جهة؛ وتبني حزمة من السياسات التي تساعد الجنوبيين على الاندماج في الاقتصاد الوطني من جهة أخرى. ويمكن تحقيق الدمج الاقتصادي للجنوبيين عن طريق منح القروض الميسرة والتدريب وتبني سياسات تتطلب من المستثمرين إشراك جنوبيين في استثماراتهم وإعطاء الجنوبيين الأولوية في توزيع الأراضي في مناطقهم، وغير ذلك من السياسات. وبالنسبة للدمج الاجتماعي المطلوب فانه يتحقق بدوره باتباع نوعين من السياسات: سياسات إستراتيجية بعيدة المدى تقوم على إعادة توزع السكان بما يتوافق مع الموارد وبما يعظم من قدرة البلاد على المنافسة دوليا وخصوصا في قطاعي السياحة والأسماك؛ وسياسات تكتيكية تقوم على زيادة التفاعل بين المكونات السكانية للجنوب والشمال. ويمكن تحقيق الأخيرة من خلال المنح الدراسية لشباب الجنوب في مدن الشمال، وتشجيع وتسهيل السياحة الداخلية، وتعيين وتشجيع الجنوبيين على العمل في محافظات الشمال، والمعسكرات الصيفية المشتركة لطلاب الجامعات والمدارس وغير ذلك من السياسات والبرامج والأنشطة.
Bookmarks