نيوز يمن

ماذا تذكر أنت إذ يذكر الحاكم صنائعه؟
كأنك لست من أهلها* تجلس بعيداً عن الذكريات* مبعداً عن ولائمها العامرة مذ ولي الحاكم أمر كل شيء بما في ذلك أمر التاريخ والذاكرة.
لم أنت دائماً المنسي المهمَل* القابع أبداً خلف الصورة* أقصى المشهد؟
لم أنت الضائع والمنبوذ؟ لم أنت الأمس الغائب والحاضر المغيب؟
لم أنت المسلوب والمضروب والنادب في كل مأدبة؟ كيف سقطت في الظلام الذي أسقطته؟ كيف ضيعت الوطن؟ كيف غادرت الذاكرة؟
أيتها الذكريات العزيزة: هذا آخر البكاء* أفرغت الكثير وما فرغت* ما عاد عندي غير هذي الأسئلة.
هذه المرة قررت أن لا أندب كالمعتاد* أن لا أبكي كمثكلة يائسة* أن لا ألاحق كرنفال الحكم كنباش يبحث عن أوزاره المطمورة تحت آباط البهجة المتنقلة* لن أهيل عليه يوم زينته قبح سنين وثقل عقود أحملها وما أزال بجَلَد حمار.
الوطن صورة الزعيم* ذكرى الحاكم* وأعياد الوطن مواسم تذكير بأيادي الحكم البيضاء على بلد لا يُرى وشعب مجلل بالسواد.
في كل مناسبة نجلس نحن الحزانى خارج الفرح في فرجة مبكتة* شامتة كما لو أننا مسنون طاعنون في التعب والعتب نحضر من باب النكاية وبدافع التشهير والتنغيص.
في كل وليمة يذكر الحاكم نفسه ومآثره ونذكر "تساقطنا نفساً نفسا" نذكر غربتنا* آلامنا* فقرنا* ندمنا* ما صنع بنا النكد.
في كل مناسبة يغني ونبكي* يرقص ونتلوى* يخطب ونندب* يضاء وننطفئ.
أنا اليوم أسائل ضياعي المديد* أبحث عن دم الشهداء أين غار؟ أين جف؟ ولم كف؟ لم آلت الأحلام إلى كوابيس؟ لم استحال الشغف أسفاً لا يبرح؟
الثورات التي غنينا لها طويلاً بكيناها أزمنة أطول والمضحون صاروا ضحايا وفائض نضال مثير للشفقة.
ما الذي حدث؟ لم "غير موجه البحر"؟ لم ضيع وجهته النهر؟ لم استعاد الشجن دورته؟
أعود إلى "الوحدة" بحثاً عن الروح ولي في ذكراها ألف مجدٍ مستعاد* ألف وجه ووجه* أعود إليها وهي تعرفني شعباً مشبوب الصبوة يحتل في مشهد الحلم المحقق كامل المساحة.
أعود إلى الوطن الذي صنع وحفظ الوحدة* إلى كل قطرة دم تتوهج بالعتب في مهرجانات الزيف* إلى كل جرح يتسع من فرط النكران.
إلى التضحيات المختطفة* إلى "الكروت" النبيلة* إلى إرادة القادة الأفذاذ المؤسسين والرافعين لعلم الوحدة في قلب التاريخ وذاكرة الوطن* صوراً غير قابلة للمنتجة والمحو لصالح قائد وحيد.
نحن صنعنا الوحدة* نحن الجماهير* نحن الشعب* كلنا دفعنا الكُلفة من أجل أن نكون يمناً قوياً موحداً غير قابل لأن يعود أشطاراً في جيوب الشطار بعد أن كان شطرين.
استعادة الوطن تبدأ باستعادة الروح* غير البكاء نريد* غير البحلقة المتألمة.
أحرار اليمن صنعوا ثورة في زمن صعب كانوا فيه أكثر فقراً وقهراً وعزلة وتخلفاً ومن المخجل أن يضيع الوارثون في زمن هم فيه أكثر قدرة على فعل التغيير.
لا نريد لذكرياتنا العزيزة أن تتحول إلى مآتم حاشدة للندب واللطم نعرض فيها عوراتنا كإدانة سافرة للحكم تستثني من حكمها إدانة الذات.
ماذا يمكننا فعله كاستثناء عملي هذه المرة؟ هل نترك الحاكم وحده يذهب إلى "إب" محتفلاً بالوحدة في حين نذهب جميعاً باتجاه صعدة مسيرة صامتة منددة بالحرب* داعية للسلام وحقن الدم المسلم* منكرة أن تكون الوحدة عروساً في "إب" قتيلة في صعدة.