بعد انتهاء مجلس الشورى من اختيار المرشحين الثلاثين لعضوية الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد يوم الأحد الماضي تبدو قاب قوسين أو أدنى من الاختيار النهائي لأعضاء الهيئة الأحد عشر والذي سيتم من قبل مجلس النواب ثم يصدر قرار من رئيس الجمهورية بتعيينهم ليبدأوا واحدة من أصعب المهام وأكثرها تعقيدا في التاريخ اليمني الحديث جدا...
ذلك أن الأنظار ستتجه إليهم بشكل تلقائي وسيتم التعامل معهم على أنهم مغامرون أو صناع معجزات* وحيث يظن الجميع أننا سنشهد في الفترة القادمة مجازر بحق الفاسدين والمفسدين -وطبعا لاأقصد مجازر دموية – بل عمليات استبعاد جماعية لهم من مواقعهم على يد أعضاء هذه الهيئة ذات الاستقلالية الكاملة والصلاحيات الواسعة... هكذا أتصور الخيال الجمعي للناس تجاه هذه المؤسسة الجديدة التي ستدخل حياتنا الإدارية قريبا بثقافة جديدة وأساليب جديدة في محاربة الفساد والكشف عنه وملاحقته والحد من تأثيره المخيف على حياتنا ومستقبل أبنائنا.
بحسب ما أعلن عنه فقد اختار مجلس الشورى خمسة وثمانين إسما ليتم الاقتراع عليها من بين مئات المتقدمين الذين قدموا ملفاتهم للمجلس كما سمعنا* ويقال إن أغلبهم عاطلون عن العمل أو باحثون عن فرص أفضل أو درجة وزير في ظل استراتيجية لاتعطيك هذه الدرجة الفخمة إلا إن شغلتها فعلا أو شغلت مايوازيها مثل عضوية هيئة مكافحة الفساد... وإذا كانت هذه هي آلية الاختيار فإنها قد تحتاج إعادة النظر فيها مستقبلا قبل الدورة الثانية للهيئة التي ستبدأ بعد خمس سنوات لتكون آلية أفضل وأكثر جدية في اختيار المرشحين لمثل هذه المؤسسة الهامة والخطيرة* ولعل هذه الآلية هي التي جعلت عدداً من النواب أعضاء اللجنة العامة للمؤتمر يحسون بالقلق من قائمة الثلاثين التي تم انتخابها رغم أني على يقين أنهم لايقصدونها كلها ففيها بلا شك أناس جيدون أصحاب سمعة ممتازة، مما يلقي بالمسؤولية على مجلس النواب في اختيار الشخصيات الأفضل من بين قائمة الثلاثين!
عملية انتخاب أعضاء هذه الهيئة هي كما يبدو واحدة من مستلزمات الإصلاح المالي والإداري بالطريقة الغربية التي تجعل المانحين يتعاملون بثقة معهم حتى لو أنتجت عملية الانتخاب صعود عدد من العاجزين عن محاربة الفساد* ذلك أن الغربيين يتعاملون أحيانا كالرجل الآلي المبرمج على أنماط محددة من الأداء ويظنون أن منظمات المجتمع المدني في عالمنا الثالث مثل تلك التي عندهم، بينما الأمر مختلف في مجتمعاتنا الشرقية فالناس في مجتمع كمجتمعنا اليمني يعرفون بعضهم جيدا ويستطيعون تمييز النظيف من الفاسد الذي لايستطيع أن يخفي نفسه في كثير من الأحيان مهما ادعى الشرف والنزاهة... وإذن فقد كان بالإمكان البحث عن آلية تؤدي لاختيار أناس يعرفهم الجميع ويتفقون على أنهم نزيهون شرفاء أكفاء ذوو ضمائر حية لايخافون إلا الله ليتولوا إدارة مثل هذه الهيئة بدلا من الخطوات الطويلة الواردة في القانون والتي تركز على الشكل وتبتعد عن الهدف والمضمون والجوهر!