الإخلاص
إخلاص القلب لله هو روح العمل . فمن أخلص لله كان عمله كلّه لله ، بل كانت كلماته وعواطفه وخواطره … موجّهةً لمرضاة الله سبحانه …
وهذا المعنى هو الذي يُشرق به قوله تعالى : ( قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ، ومحيايَ ومَمَاتِي ، للهِ ربِّ العالمين . لا شريكَ له ، وبذلك أُمِرْتُ وأنا أوّل المسلمين ) سورة الأنعام : 162، 163 .
وعندما فُرضت الهجرة على المسلمين ، وُجِد آلاف الناس يقطعون المسافة من مكّة إلى المدينة لأغراضٍ شتى … أمّا المهاجرون من بين هؤلاء جميعاً فهم المسلمون الذين خرجوا فِراراً بدين الله ، قاصدين وجه الله سبحانه .
" إنّما الأعمالُ بالنيّات ، وإنّما لكلّ امرئٍ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرتُه إلى الله ورسولِه ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكِحُها فهجرته إلى ما هاجر إليه " حديثٌ شريفٌ رواه البخاري ومسلم .
وقد ينشط الإنسان في كسب الرزق ، أو يزرع ويغرس ، بل يمارس شهوته الحلال … ويكون بذلك عابداً لله تعالى ، إذا اقترن ذلك بالإخلاص لله .
روى الإمام أحمد : " من بنى بنياناً في غير ظلمٍ ولا اعتداء ، أو غَرَس غرساً ، من غير ظلمٍ ولا اعتداء ، كان له أجراً جارياً ما انتفع به أحدٌ من خَلْقِ الرحمن تبارك وتعالى " ..
وروى البخاريّ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه : " إنّك لن تُنفِقَ نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أُجرْتَ عليها ، حتّى ما تجعله في فم امرأتك " ! .
وروى أحمد ومسلم وأبو داود : " وفي بُضْع أحدكم صدقة " ! .
بل قدْ ينوي المسلم عمل الخير ثمّ يعجز عنه فيكتب له ثوابه . لذلك نوّه النبيّ صلى الله عليه وسلم بأقوامٍ على هذا النحو وهو في الطريق إلى غزوة تبوك ، فقال : " إنّ أقواماً خَلْفَنا بالمدينة ما سلكنا شِعْباً ولا وادياً إلا وهم معنا . حَبَسَهُم العُذر " رواه البخاريّ .
وبمقابل ذلك فإنّ الرياء إذا صاحب العمل الصالح ، وكذا المنّ والأذى الذي قد يلحق الصدقة … كلّ ذلك قد يُبطل العمل ..
قال تعالى : ( فويلٌ للمصلّين الذين هم عن صَلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون ) الماعون : 4 – 7 ..
وقال سبحانه : ( يا أيّها الذين آمنوا لا تُبْطِلوا صَدَقَاتِكم بالمنِّ والأذى ..) .
ومن عَمِلَ عملاً ممّا يُبْتغى به وجه الله ، وقَصَد به عَرَضاً من أعراض الدنيا فقد خاب وخَسِر . فأصحاب المواهب والطاقات إذا وَجّهوا قدراتهم لتمجيد الطغاة ، والتصفيق للظالمين ، وتدبيج المقالات في مديحهم ، بغية الحصول على الحظوة عندهم … ليس لهم عند الله نصيب ..
روى الترمذيّ : " إذا جَمع اللهُ الناسَ يوم القيامة ليومٍ لا ريب فيه ، نادى منادٍ : من كان أشرك في عمله لله أَحَداً ، فلْيطلبْ ثوابه من عند غير الله ، فإنّ الله أغنى الشركاء عن الشرك " .
وروى أبو داود : " من تَعَلّم علماً ممّا يُبْتغى به وجه الله تعالى ، لا يتعلّمه إلا ليُصيب عرضاً من الدنيا لم يجدْ عَرْفَ الجنّة يوم القيامة " [ وعَرْفُ الجنّة : ريحها ] ..
وعواطف الحبّ والبغض ، والرضا والغضب … كذلك يجب أن تكون لله وحده ، وهذا من كمال الإيمان .
" وأن يُحبّ المرءَ لا يُحبّه إلا لله " من حديثٍ رواه البخاريّ ومسلم .
" من أعطى لله ، ومَنَع لله ، وأحَبّ لله ، وأبغض لله ، وأنكح لله ، فقد استكمل إيمانَه " رواه الترمذيّ .
اللهمّ ارزقنا الإخلاص لك ، والحُبّ فيك ، والجهادَ في سبيلك ..
Bookmarks