حامل الشمعة أنت..من مثلك..
خبرت الطريق شبرا شبرا..عرفت دروبه ومسالكه..
سرت .. وجاوزت..وقطعت..فلا أهمك هم..ولا أوحشتك ظلمة..
فلديك أنت النور..يطل في كل أفق تشرف منه..
كل الرؤوس تطلعت نحو ذلك القادم من بعيد..كلهم تنفس الصعداء بزفرات حارة ..لعودة الأمـــــــل..
وكلهم تنادوا:
أن هلـــــــموا..فقد جاء من لديه نــــــــــور
ولا نور كنور من آتاه الله النور.

وأنت أمام الركب سائر..والحشد خلفك ..يقتفيك..
خط طويل من الأنفس اللاهثة الظمئ..المتعطشة للوصول..المتشبثة ببعضها البعض..
سلسلة طويلة ممتدة..بدايتها ..أنت ..وشمعتك..

كم من متخبط سار وراءك..وكم من ناقم على الظلمة استبشر بخطاك..
لو التفت خلفك لفتة لرأيتهم..
لا يرفعون أبصارهم عنك..يرون أين موضع قدمك..
فلا تكون خطاهم إلا حيث سارت خطاك..
وعجبي كل العجب ..من موضع قدم..
كلما ازداد الوطأ عليها..ازدادت علوا وشموخا..حتى لا تكاد تخطؤها عين..
وهكذا هي آثار الأشراف دائما..يقتدى بها..وإن رحل أصحابها..



فـ يـــــا حـــــامل الشمعـــــــة
وراءك سير طويل..وفي عنقك أنفس جمة..
الركب يجب أن يصل.. والنور يجب أن ينتشر.. وإلا..
فمـــــا أديت الأمــــــــانة..

فإياك وإياك والغفـــــــــــلة..
فمثلك ما كان ليغفل..
وإنها الظلمة تتربص كل آونة بالقافلة..
أحط الشمعة بذراعيك من كل صوب..فهبة ريح بسيطة تصيبها
قد تخمد النور الذي عليه تسير القافلة و يجتمع الحشد..



وعلى هذا الطريق كن واحـــــــــــــدا .. أنت أنت.. لا تغير ولا تبدل..
فليس الموضع موضع هـــزل..
وانحراف الدلـــــيل..هو لانجــراف التــابعــين .. أقصــر سبيل..
إن استرسلت النفس أو تمادت..فازجرها وانهــرها..
واعلم أنك متى ما غفلت عن هذا الزجر والنهر..طاشت النفس من بين يديك..وعاثت..
ولن تستيقظ إلا على دوي الظلمة في كل زاوية..

واعلم بأنك تمر على أقوام..فتوقد لهم..وتنادي فيهم مــــادا يديك:
أن اركــبــوا معنــــا..
فيلوون رؤوسهم ويعرضون..أو لعلهم يضحكون ويسخرون
فلا تحزن ..ولا تكن باخع نفسك عليهم..
أولــئك أقوام طال مكوثهم في الظلمة..حتى ألفتها أعينهم واستأنست بها..
فما عادت ترغب بالنور..لأنهــــــــا لا تــــــقوى علـــــــــيه..



يا حامل الشمــــــعة
وإن طال الطريــــــــق..
وإن شـــــح الزاد..
وإن عـــــز الناصــــر
أو قل الرفيــــق..
فتشبث باليقــــين ولا تحـــــزن



تأمل جمـــوع الواصليـــن النـــاجين..
تجدهم بين مطارد من أهله..
وجــــائع شد الحجر على بطنه..
وفقير لا يجد ما يستر به نحول بدنه..
ومكلوم ..ومريض....
ولكنها نفس المؤمن.. شجــــاعة استحقت الشجاعة بصبــر ســـــــــــاعة..
فانقادت لها نواصي الخطوب والملـــمات..



يـــا حــــامل الشمعــــــــــة
اليــوم شمعة ودمعة..حرقة وعبرة..عمل وعنـــــــاء..
وغـــــدا..النــــــــور يمشي بين أيديهم وبأيمانهم..
صراط منــير.. وجنان زاهية..
فلا تزل القدم .. ولا يعرف الهم.. إلا قيلا سلاما سلاما..



يا حامل الشمعــــــة
النعيم غدا تحت ظل العرش..
فأنعم بالنــــور في ذاك المقـــــام..






يتبع إن شاء الله