ان شَهر رمضان شهرَ الخْير والإقْبال على الله سبحانَهُ وتعالى، فكان -صلى الله عليه وسلم- إذا دَخل رجب دعا الله أنْ يبْلغهُ شهر رمضان فيقول: "اللهُم بَارك لنا في رَجب وشَعبان وبَلِّغنا رمضان"؛ وذلك حُبًّا وكرامةً لرمضان.
وكان من هَدْيه -صلى الله عليه وسلم- أنْ يسْتقبل كل شهر إذا رأى الهٍلال بالدًعاء والتوجُه إلى الله؛ ففي الحديث الصَحيح عن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن جدّه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أنهُ كان إذا رأى الهلال يقول: "اللهُم أهلَّهُ علينا باليمن والإيمان والسلامةِ والإسلام، ربي وربُك الله".
ومن دُعائه كذلك إذا رأى الهِلال أن يقول: "هلال خير ورشد، هلال خير ورشد، آمنتُ بالله الذي خلقك "ثلاث مرات" الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا "ويذكره" وأتى بشهر كذا "ويذكره".
ومن جاءهُ رمضان، عليه كذلك أن يشمِّر عن ساعِد الجد والاجتهاد وأنْ يُعلن التوبة لرب العباد؛ لقوله تعالى: "وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون".
والتوبة واجبة من كل ذنبٍ في كل وقت، وهي في رمضان أوْجب وأْولى؛ حتى يدخل الشهر وقد عزِم على ترك المعاصي وندِم على تفريطه وما أضَاع من عُمره وُيؤَكد عدم العودة إليها، فيسْتفيد من هذا الشهر المبارك فيحسن فيه العمل، ويحْتسبَ فيه الصيام لربِّه عساهُ أن يكون ممن قَبِلهم الله وأعتقهم من النار، وغفر لهم ما تقدم من ذنبهم.
وعلى المسلم الذي أساء وفرَّط في بعض عمره ألا َيْيئس من قبول توبتِه، فإن الله أكرم من أن يَرُدَّ سائله، فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله تعالى يبْسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من َمغْربها".
ويقول الشاعر:
إنَّ رمضانَ مزرعـةُ العِبـادِ ........... لتطهير القلوبِ مِنَ الفَسـادِ
فَـَأِّد حقوقَـُه قَـولاً وفِعْـلاً ........... وزَادُك فاتَّخِذْهُ إلى المَـعـادِ
فَمَنْ زَرَعَ الحُبوبَ وما سَقاهـا ........... تَأَوَّه نَادِمًـا يومَ الحصــادِ
فخيْر الزاد ليوم القيامة أنْ يتوب المرءُ من خطاياه، وأنْ يعِزم على الخير، ويقدم على ربه بقلبٍ سليم، ويستفيد من صيام هذا الشهر وقيامه؛ رغبةً بثواب الله وخوفًا من عقابِه.
والصيام فُرِض على المسلمين قبل الجِهاد، وما ذلك إلا ليكون المقدمة لتعويد النفس على الصبر والاحْتساب، وتوطيِنها على المجاهدة والاجتهاد، ففيه يصوم المُؤمن عن المفطرات المادية وَيكبح جماح النفْس الرَديّة، ويخْذل عدو الله الشيطان ومن والاه، فإن سابه أحد أو نال منه أو انتقصَه قال له رادِعًا "إني صائم"، وخاطب نفسهُ مُخلصًا "إني صائم"؛ فيفوز بتمام الصوم ويكسب جزيل الأجر.
وشهر رمضان يزهو بفضائِله على سائر الشهور، فهو شهر الصبر والمصابرة، والجهاد والمجاهدة، وهو يُرمض الذنوب ويحرقُها فلا يُبقي لها أثرًا، وفيه تَكتحِل أعين العابدين بالسهر ِلنيل خيره، والظفر بجزيل ثواب أيامه وقيامه، يضرعون إلى الله فيه؛ لأن أبواب الرحمةِ فيه مفتوحة، والشياطين ومردة الجن ُمصفدة، كل خير فيه يفضل مثله في غيره.
فيه ليلة خير من ألف شهر، المحروم من حرم خيره، وتركه وودَّعه ولم يُغْفر له، والسعيد من صامه إيمانًا واحتسابًا؛ فكانت المغفرة ختامًا له، جزاء حبس النفس عن الهوى والشَهوة، وصبرها على ألم الجوع وحرْقة العطش.
منقولـــ للإستفــاده ان شـــاء الله ....
Bookmarks