* إنسانية الفن والزواملي
لاشك أن ارتباط الزامل بالأفق الحياتية الاجتماعية المختلفة يعني تجذره في الضمير الإنساني البشري، وتوغله في الخصوصيات الفردية بالقدر الذي يجعله جزءً من عرف مجتمع القبيلة في اليمن ، وتقاليدها ، وطقوسها - وربما من نسيجها اليومي أيضا.
فالزامل أمسى في حالات كثيرة مسئولا عن إشعال فتيل حرب ضروس، أو إطفاء سعير أخرى كادت تلتهم اليابس والأخضر.. ولعل الباحث في أمر كهذا من شأنه الوقوف على خزين هائل لنماذج تسببت بإطفاء حرب ، أو إنقاذ روح بشرية في زمن يغوص حتى ذروته بنزعة الثار والانتقام.
فقد روى بعض المعمرين أن شابا قتل صديقه الحميم بالخطأ ، فما كان من الأب إلا أن يتوجه بابنه إلى والد المقتول. وحال الوصول إليه أنشد زاملا يقول فيه:
· يشهد علي الله وتشهد ساحته وأهل البلد ... ما ودي أتنهد ولا ودي ولدكم يقتلوه
ما غيرها زلّة ولا يسلم من الزلات حد ... والآن رايك في الذي قد مات والحي أنت أبوه.

ورغم هول المصاب ، كان الزامل يفرض آدابه الاجتماعية كجزء يجسد العرف العام، لذا رد والد المقتول:
· يامرحبا يعتد ياضيفان جو من كل حد … مفهوم زاملكم وما تبغوه منا فاطلبوه
ما سلفنا نفس ولا نبخل على ما إحنا نجد ... وجيهكم شلت دم المقتول قبره نصبوه.

وهذا زامل آخر لرجل قتل أحد أقاربه خطأ، فسلم نفسه لأهل المقتول مخاطبا إياهم:
· سلام ياعزي ويا خيرة بني العم ...يا ضلع قاسي للزحام
والحرق هو فيني وفيك وانت الحكم …وحنا وصلنا والسلام.

والحقيقة ان الزامل اقترب كثيرا جدا من الوصف بت "لغة وثقافة عصره"، اذ أن أعراف ( التحكيم) كانت تجد في الزامل منطقا أبلغ في التعبير من لغة النثر الدارجة. وأن التجارب أكدت لأهلها تلك الحقيقة ، وباتت تترجم قناعاتها عمليا في جعل الزامل شريكا في صنع الفعل انساني، لدرجة أن الشيخ محمد مسعد القردعي عندما قرر القيام بمبادرة لحل مشاكل قبيلة ( مراد) مع مشائخ آخرين لم يكتف بوجاهته الذاتية الرفيعة، بل لجأ إلى الزامل لتأكيد النتائج المتوخاة، فقدم عليهم منشداً زاملاً يقول فيه:
· وادي سبأ يا موطن الآباء وعالين البنأ
واخوه واحبه والصبا هزت لصفاي القلوب
من الألف للياء ولا تجهل كتابك بالغبا
ولا عسل يصبح جنا في عازته من غير نوب

ولو تحولنا إلى محور آخر لوجدنا الزامل يلامس الوجدان الإنساني بحس مرهف للغاية، تتفاعل داخله كل الهواجس والانفعالات والمشاعر الإنسانية المكنونة خلف الضلوع، بحيث أن أحدهم لم يجد بداً من عزف أحزانه على أوتار الزامل بعد فقدانه أخيه، والوقوع بين فكي الاغتراب والإحساس بالوحدة، فردد:
· ياحسين بلدان الجماعة مريفه ... واللي بين الأجناب كنه على نار
والطير بالجنحان محلا رفيفه ... ولا انكسر أحد جناحيه ماطار
ويمنى بلا يسرى تراها ضعيفة ... ورجل بلا ربع على الغبن صبار

حتماً أن الزامل الذي توغل في خصوصية الفرد إلى ذلك المستوى لا بد أن يكون مفعماً بالقيم والمثل الأخلاقية والأدبية ليكون قادراً على معايشة كل ظروف بيئته ، وعناصر جريان الحياة فيها.
إذن كان الزامل يستمد أسباب بقائه من ثقافة المجتمع ، ومن تميزه في ترويج الفضيلة الإنسانية ، والتشبث بصورها الواقعية- كما هو الحال مع أحد الشعراء الذي روج للولاء الوطني من خلال استنكاره الخيانة:
· يا حصننا المغدور بالعيبة ... لاجلك بذلنا دمنا الغالي
ما همناشي من فتح جيبه ... باع الوطن بالندق الآلي

أما حين يدخل الزامل مضمار الفلسفة الروحية ، فمن المؤكد أنه يرسخ القناعة بقدراته الحركية، ومهاراته الفنية التي تؤهله للنمو والتطور على خطوط موازية للنمو الفكري للعقلية اليمنية، ومديات توسع مداركها، فمثل هذا التطويع العصري للزامل لمحاكاة الحاجات النفسية من الفلسفة العقائدية الدينية المهذبة للسلوك البشري، والمطهرة لنبضات الروح ونزواتها، من الممكن اعتبارها يقينا حيا لإنسانية الفن الزواملي ، وغزارة مناهله الثقافية والفكرية التي تمنحه قدرة التعايش والنمو والتطور مع حياة الإنسان..
وهكذا نجد في الزامل نماذجا غاية في الإبداع بمدلولاتها الفلسفية - كما هو الحال مع الزامل التالي:
· سلام من شيخ القبيلة .. ون شيخنا ما قبل حيله
وبرايكم غربة طويلة نطلب السمحان
يابن أدم نفسك حقيره .. خفف من أحمال الثقيلة
قبل منكر ونكيرة رجح الميزان.

· أغراض الزامل
بما أن الزامل هو مرآة الواقع اليمني على مر العصور، وباختلاف الأجيال إذن بات متوقعا أن يجد المرء أنماطا عددية تناسب كل ظرف وحالة، وعليه فإن دراستنا للزامل كشفت عن وجود زوامل مختلفة النظم طبقا للأغراض الي تقوم لأجلها، وهو الأمر الذي يجعلنا نقسم الأنماط الزواملية المعروفة عند اليمنيين على أساس أغراضها، التي هي :

1- زوامل الحرب
سلام للرشاش والمدفع ... والهون ذي للصوت رجاجي
ياحرب لاما المرتزق يرجع ... يصبح مبكر عندنا لاجي

2- زوامل التهديد
سلام منّا صر من سود النخر ... دق الحجر لاما كسر مضبارها
قالها البداع ذي له شاره وشر... مهما انطفت لابد ما يشعل نارها.

3- الزامل السياسي
4- زوامل الفخر

5- زوامل الترحيب
قال الذهب حيا وقيفه رحبت ... ما لشمس لا تلمع في البحر الغريق
عن الذهب جد المذاهب كلها ... لو تقعدوا شهرين ما نفسه تضيق

6- زوامل الأعراس
يا سلامي يا لوجيه الرضية ...عد مزن الصيف هلت رفيه
يسقي القيعان بعد السنين
باركوا مثلي لراعي العنية ...من قلوب مخلصة كل نيه
والزواجه فرض للمسلمين.

7- زوامل الرثاء
ياسلامي حرص للقبر يتخصص ... للذي للمقص مزه برقاصه
جاد وقت الحوص صمم ولا تفرص ... بانألف قصص قانص لقناصة

8- زوامل الهجر ( الدفر)
جينا نزاوركم وندفر عندكم ...يا مكرمين الضيف لبّو ما نقول
لا شي بها دحرة قد اضامتكم ... هذه نزايلنا وخفوا بالحمول

9- زوامل التربع -الانضمام لقبيلة أخرى.
يا شيخ موسى جيت اتربع عندكم ...عن ما لغلب ما يزقر إلا بالمليح
كنت أحسب أني في بيان الناصري ... قل لي لمه سويني على دين المسيح
العبد يحيى كان حامي حدنا .. واليوم ورد في ورا بيتي يبيح

10- زوامل التحكيم
يا قردعي لأجل الوفا حكمتكم ... وارضيت بكم يا لسلاطين الزكان
ما قد حدا سوا المهدش مثلكم ... لو جاء أبن الأحمر عندنا ولا سنان

- 11- زوامل الهجاء
إرحب على ما حركت شوكة وجر ... صفر الجشار ما قد جبر منقارها
لو كنت قد القول ما جبت الهجر ... وارخصت نفسك يا قليل أثمانها

12- زوامل الفلسفة الروحية
سلام من لسني وبالي .. والموت ما منه مجالي
لو أني ورا خبت الرمالي ما معي عذران
يا من يفرقني من حلالي .. ودعتك بيتي ومالي
قد مسكني تحت الصلالي لابس الاكفان

13- الزوامل الاجتماعية
يا مرحبا مرحب يلين قاسي الحديد ... بفرش لك أعياني تمدد كيف ما تريد
في مجمع النظر.. والضيف ما جا لأجل ما جاله في الطعام.
انت الحسب والنسب وثوبي الجديد ... وسلاحي الغالي إذا قدهي على الوريد
باتبعد الضجر.. با أتذكر وافرح وأنا في غاية المنام

14- الزوامل الثورية
يا سلامي على كمن رفيق ... صحبته ما نبا بدأ لها
عند شب الحرايق ما نضيق ... ويش ربي خلقنا إلا لها

( مثال آخر)
يا سلامي سكع صميت كم وزع ... من قذايف رزع من يد حراسه
قل لـ " القليسي، وجوبع " وين با يرجع ... ثورة الشعب قامت على راسه

15- الزوامل الوطنية
واحنا بعون الله يا واحد صمد ...حكيم وحد صفنا بعد افتراق
شئنا وشاء الله، وحده للأبد ... والرأي واحد والأشقاء في عناق

16- زوامل الدعابة ( المرح)
سلام ما عكا وكا واركا زمام المعركة ... ما حن بازوكا وبلجيكا يدكدكها دكوك
ذا قول يحكى في الضنكا متى لاحد شكا ... حيد الوكا لا أركا يفكفها ولو كانت شبوك

( مثال آخر)
صابش الله يامره ما تستحي ... الله يصيبش يا مفرقة الضغون
وكانك شيبتنا الأولي ... واليوم غر الصيد يللي تطردون..

منقول ..