لا شك في أن يخرج يمنياً من هذه البقعة المنسية في خارطة بلدان العالم، خاصة عند الحديث عن مجال إنساني - عصري يكون رصيدنا الاجتماعي فيه تحت درجة الصفر وهو ما لا يمكن المغالطة فيه كما اعتدناه في حياتنا اليومية في الأمور والمجالات الأخرى، كأن نلوك أنا بلد ديمقراطي والديمقراطية هي أصل حضارتنا القديمة، أو نظهر بإنجازاتنا التنموية أو تطور نظم التعليم في اليمن بما يجعلها معاصرة ومقاربة - رغم أن البعض يقولها مماثلة - لتلك المعمول بها في البلدان المتقدمة، وبالطبع نظمنا التعليمية تخرج كوادر لا يقلون مستوى عن غيرهم في البلدان الأخرى... إلخ. أن يخرج صوتاً معلناً بوصوله لعلاج مرض الموت المحتم- الإيدز- الحاصد لمئات الآلاف من البشر سنوياً أو يزيد.

هذا غير الواقعين في صفوف الحصاد اللاحق من كل سنة منصرمة بأعداد تتزايد سنوياً.. لهو شيء مفرح وبرفع من سمعة اليمن وأبنائه.. خاصة نحن الأكاديميون العاجزون عن تقديم أية إفادة للبشرية - علمية - تحت فعل الغياب المطلق للاهتمام الحكومي بالعلم وكذلك الاحترام الاجتماعي للعلم، هذا غير النقمة المطلقة تجاه رجل العلم إذا ما كان ذا عقل ناقد أو تحليلي محايد.. هذا الفخر الذي نشعر به نحن الاختصاصيون - البسطاء- غير الفخر الذي يشعر به العامة من ذوي الوعي الاعتيادي - الخرافي أو ما يشعر به أنصاف المتعلمين أو أنصاف المثقفين المؤسسين وعيهم عبر الإعلام المرئي أو المسموع أو المرئي المسموع، والذي هو وعي سطحي لا يدرك عمق المعرفة (العلمية) - لكون الإعلام لا يقدم إلا ثقافة شفاهية لا تخرج عن دورها في التاريخ من كونها بدائية وسطحية في تأسيس المعرفة.. ولكن راهنا بمستوى هذه الوسيلة.. عصرياً، والتي رغم تطور إدارتها إلا أنها لن تقدم علماً أو تصنع مفكراً أو مثقفاً عميقاً أو اختصاصياً في أي مجال.. مقارنة بما يصنعه التعليم المنهجي علمياً أو ما يصنعه الكتاب أو ما تصنعه حركة الأبحاث العلمية أو ما يصنعه التدريب التخصصي المجالي ...الخ- حيث أن هؤلاء الأنصاف وعامة الناس يكون شعور الفخر لديهم "مرضياً " لكون شعورهم هذا ليس منتجاً عن طبيعة معرفية بقدر ما هو منتج عاطفي تعويضي عن الشعور بالنقص، فهم لا يعرفون عن الإيدز أكثر مما يعرفه طفل العاشرة في بلد يمثل العلم رافعة لتقدم المجتمع والحياة - وهذا أخطر مرض عربي مورث حتى يومنا هذا، لكون أن عقلنا العربي ما زال متحكماً عليه الطبيعة العاطفية - كعقل عاطفي وانفعالي... وهو حقل أكثر حميمية لتطويع ذات الأفراد للفكر الخرافي أو الفكر المأسور بالطبيعة الأبوية أو هذا ما أدى إلى تلاشي آثار حضارتنا السابقة وحدوث حالة انقطاع تأريخي لنا عن مسار التقدم والتطور البشري وهو ما جعل تتلمذنا الأكاديمي التخصصي مع ما هو متعامل به في البلدان المتطورة ليس أكثر من أداة نقل للمعاصرة - وهو حال غالبية حملة الشهادات العليا (اليمنية والعربية).

إن إعلان الزنداني لا يمكن إلا أن يكون مصدر فخر لنا ولكن حتى لا نكون كالعامة وأولئك الأنصاف من المتعلمين والمثقفين السياسيين... كمروجين للوهم أو عدائيين لمجرد العداء الشخصي أو الأيديولوجي نحتاج للطرح العلمي الدقيق (إعلامياً) لهذا المنجز، حيث أن حملة الإشهار - «لهذا الفتح الكوني والسبق أمام عقدين من الزمن وظفت كل الإمكانيات والاهتمامات بالعلماء والبحث العلمي من قبل البلدان ذات مراكز الأبحاث العصرية المتطورة ولم تصل بعد إلى علاج مضمون وفعلي لإنقاذ البشرية من الإيدز»..

للأسف لا تفرق عن تلاوة المشعوذين - الدجالين - المروج لهم من قبل أنظمتنا الفاسدة والجاهلة بشكل يومي على صعيد كافة وسائل الأعلام الجماهيري - المقروءة، المرئية المسموعة والمسموعة - كنوع من إشغال الناس عن التفكير بحقيقة حياتهم البائسة وانسداد مستقبلهم - المتطور- وبما يحمله هذا الواقع من مؤشرات السير في اتجاه كارثة شاملة محتمة، فمن جانب اغراقهم المغلق في اجترار التاريخ عاطفياً واصطناع وهم التفوق- كأفضل أمة أخرجت للناس، وإنا صانعو العلم بينما كان الآخرون منغمسين في التخلف .. أما الجانب الآخر من صناعة الوهم (المنظم) ينشأ عن الأول بحيث يصطرع مساندو هذا الوهم المرضي من الناس مع الآخرين غيرهم- منهم كصراع عدائي وآخرون كصراع فكري - وهو ما يقود العقل الجمعي لأناس المجتمع الصراع في مسألة لا وجود لها يؤدي إلى تمزق وحدة المجتمع في ظل واقع سيء يحتاج إلى تقاربهم وتفكيرهم للخروج من مسار الدمار - وهي مسألة موضوعية - فإذا بهم يتجردون عن واقعهم وحقيقته ليعيشوا صراعاً وهمياً لا قيمة له.

إذا كان الشيخ الزنداني صادقاً فيما يروج له نقول له إن لم تكن عالماً فلتعلم أن الجامعات اليمنية فيها العديد من الأكاديميين العلماء - حتى وإن لم يقودوا حركة بحث علمي بفعل العداء المركزي لنظام الدولة تجاه العلم والعلماء والبحث العلمي - ولا تعتقد كالعامة أن الجميع اشترى شهادته أو تحصل عليها بشكل يسير وبتحصيل علمي سطحي.

وليعرف الشيخ الجليل أن العشرات.. بل المئات منهم في مجالات دقيقة معاصرة من علوم البيولوجيا المختلفة- الفسيولوجي والوارثة الجزيئية والهندسة الوراثية والأجنة والأنسجة وغيرها الكثير في الجانب العلمي التطبيقي الصرف أو الجانب المرضي والتطبيبي، هذا غير مجالات الكيمياء والفيزياء المعاصرة والصيدلة وغيرها.

إن إشهار الشيخ بممارسته للعلاج لا يجوز أخلاقياً ولا يقر في التشريعات المدنية ويعد ذلك جرماً.

إن حملة الإشهار للفتح الزنداني العلمي يؤذي سمعة الشيخ الجليل ويضر بالناس بل ويستبيحهم جسدياً كحيوانات تجارب، ويشيع وعياً وهمياً وصراعاً فكرياً يخدر الناس عن إدراك واقعهم وجعلهم سلبيين، هذا غير الإضرار بسمعة اليمن كبلد فقير بالوعي الرفيع وتوسيمه بالوعي الشعوذي إلى جانب الخرافي، فلا تظهر إلا بلداً متخلفاً بصورة شاملة ومطلقة بما فيه إنسانها (النومي ذا الوحي المنظم).

ليقنعنا الشيخ أولاً كمتخصصين أكاديميين، وليناقشنا علمياً من أية مجالات وزوايا درس المرض حين وصل للعلاج؟؟!! ولا داعي للتعذر بالخوف من سرقة اكتشافه فليحتفظ بتركيبته (السحرية) - إنه إن تكشفت مصداقية ما وصل إليه بصورة علمية فليطمئن الشيخ بأننا سنكون دروعاً كافية لهذا الفخر الوطني على الصعيد الإنساني بل إننا سنقود العالم ليس إلى الاعتراف فقط بإنجازه العلمي بل وإلى حفر اسمه في التاريخ البشري إلى جانب أعظم العلماء والمفكرين - النادرين - الذين جاد الله بهم للبشرية لإنقاذها وتكريم مكانتها.

من أي جانب وزاوية درس الإيدز والوصول للقضاء عليه؟ هل هو قضاء للفيروس المنعكس المسبب للمرض، فهل مارست الهندسة الوراثية لإحداث التغيير في التراكيب والتموضع الجيني لذات الفيروس، أم أن مادتك العلاجية ذات تأثير سمي على المنظومة الحيوية الكلية أو الجزئية للفيروس مما يجعل مادتك المكتشفة شالة ومدمرة للفيروس أو مضعفة له مما يمكن القضاء عليه لاحقاً. أم أن مادتك مقوية للمناعة البشرية بما يجعل الفيروس هدفاً سهلاً لها للقضاء عليه. وفي أي مكان تجري هذه التقوية المناعية ولأي نوع من المناعة ولأية خلايا منها وكيف تحدث هذه التقوية لهذا الجزء أو ذاك من الجهاز المناعي وعلى أي أساس وهل هي تقوية خلوية أو تأثير كيميائي تنشيطي فعال لدور الإفرازات الكيميائية المناعية المختلفة بصورة مستقلة بذات منها أو بصفة متكاملة الترابط. أم أن مادة الاكتشاف ذات تأثير تغييري للموروثية الفسيولوجية للمنظومة الحيوية - تحديداً منها اللمفي - بحيث تحدث هذه المادة تغييراً وظيفياً أرقى - عما كان قبل- بما يمكنها من الأداء الأفضل والأكثر فعالية لحماية الإنسان وإن كان كذلك فما الذي تحدثه هذه المادة لنشوء هذه المنظومة الوظيفية (الأرقى) وأين بالضبط ينشأ هذا التأثير بصورة مباشرة وفي أي موضوع من المنظومة الحيوية ليكون تأثير هذا الاكتشاف غير مباشر، ولماذا يحدث هذا بهذه الصورة وهناك بتلك الصورة .. ولماذا؟!. أم أن المادة تخلق مانعاً للفيروس في أن يسخر خلايا الإنسان المصاب لإعادة تخليق البروتينات النووية للفيروس بدلاً من بروتينها الخاص؟!

وليثق الشيخ الجليل بالكفاءة الوطنية بقدرتها على محاججة أعلى الهيئات العلمية الدولية إذا ما كان إعلان الزنداني صادقاً بأساس علمي، ولكن ليأخذها مني قاعدة تجنبه صفة الاتجار بالجهل بأن الاعتقاد بإمكانية مزيج من المواد الطبيعية. نباتات وعسل وحبة سوداء ...إلخ.- يمكنها القضاء على مرض الإيدز وفيروسها. فهذه الطريقة ستضحك علينا العالم، حيث أن هذه المنتجات الطبيعية (المستحضرات) أصبح تركيب كل نبات ومحتوياته وآثاره الفسيولوجية معروفة من قرون ماضية وتجدها في الكتب المختلفة من علم النبات أو الحيوان أو علم السموم أو الصيدلة، بل أنه صار معروفاً نسب المواد الكيميائية المختلفة في كل نبات أوسم أو عقار عشبي، ومعروفة النسبة اللازمة من هذه المادة أو تلك (الموجودة في نبات ما مثلاً) لإحداث التأثير الفسيولوجي - الموضعي أو العام - الإيجابي مقارنة بالجرعة الأدنى التي لا تحدث إلا الأثر أو الجرعة المفرطة المسببة للأذى بدلاً من الإفادة.

فهل يعتقد شيخنا بأن هذه المعلومات التي هي في متناول يد الدارسين في التعليم غير العالي يصعب إدراكها في مراكز الأبحاث التخصصية؟ إضافة إلى أن رشيح مواد طبيعية لا تمتلك المقدرة للوصول إلى إعطاء كمية الجرعة اللازمة المحضرة دوائياً، غير ذلك فيما يتعلق باستحالة إمكانية احتواء مادتين طبيعيتين من ذات المادة الفعالة هذا غير أن أي نبات لوحده أو منتج حيواني لوحده لا يحتوي تأثيرات أخرى على الكائن الحي والذي في الغالب تكون آثاراً سلبية، وبالتالي فإن خليط المستحضر الطبيعي بالضرورة يحتوي على مواد ضارة في جانب آخر، كما ويحتوي الخليط على مواد كيمائية ربما تكون متعارضة مع بعضها البعض أو متحدة في نشوء تركيب كيميائي سام أو مضر لا ندركه بقدر تركيزنا على جانب واحد من الأثر، ومن هنا فالتجريب المعملي - الحيواني أو على أنسجة بشرية مزروعة مسألة هامة وقد تظهر علامات إيجابية وهي لا تغني إلا بادئة للتركيز على مواد بعينها يلزم فصلها ومن ثم تطوير مجرى الأبحاث في اتجاهاتها ولا يعني ذلك اكتشافاً إعجازياً.. علمياً، فإن كان كذلك الحادث مع الشيخ فمن الأفضل وقف الإعلان (السخيف).. المضحك، وإلا إن كانت لديه إجابة التساؤلات الأولية المذكورة في المقال فلنتحاور ولن نكون إلا منصفين والمقال لا يتسع أن نذهب أبعد من ذلك!!....



تقييم المقال
:
تصويتات: 3
الرجاء تقييم هذا المقال: