إن حاجة الرئيس إلى تامين نفسه وتوطيد نظام حكمة وفرضه بالحديد والنار وتجاوزه الإرادة الشعبية هي الباب الأوسع الذي يولج منه أهل الثقة الذين لا يتورعون عن تغذية الخوف من فقدان السلطة عند الرئيس وتهويل صغائر الأمور والتشكيك بكل من هو وطني * لكي يزداد تمسكه وتشبثه بهم ومنحهم كافة الصلاحيات والنفوذ حتى أصبحوا هم الحكام الفعلين من وراء الستار.
المعايير والقوانين المتبعة لاختيار أهل الثقة والذين يتكاثروا مع مرور الزمن ليشكلوا طبقة عازلة بين الرئيس والشعب * هذه المعايير هي الولاء والرياء حتى لو انطبقت على جاهل او قبيلي متخلف وكذلك إجادة فنون الخداع وبلاغة التطبيل ولطم الخدود وشق الجيوب والبكاء والنواح في المسرحيات الرئاسية الهزلية والمسبحون بحمد الرئيس صباحاً ومساءاً .
مع تقادم الزمن تحولت الطبقة العازلة إلى ستار حديدي لا يوصل للرئيس إلا ما تريده أن يوصل ولايخرج منه إلا ما تريده أن يخرج * وأضحت الطبقة العازلة هي العين التي يرى من خلالها الرئيس وكذلك الاذن التي يسمع من خلالها وهي التي تملك مقاليد السلطة الفعلية حتى وان مارستها بالباطن * وهي التي تأمر وتنهي باسم الرئيس وتتصرف بكل صغيرة وكبيرة بتفويض مكتوب وغير مكتوب وتحظى بكافة الامتيازات التي توثق روابطها بنظام الحكم *في الجانب الآخر الرئيس شديد الاعتزاز بهذه الطبقة فهي من افرازات وجودة واستمراره * ولا يستطيع التخلص منها وجل ما يستطيع ان يفعله هو التبديل والتغيير بين افرداها وهم يستمدون سلطانهم وقوتهم من الرئيس ويدورون في فلكه دوران الأفلاك حول الشمس .
الفترة الطويلة التي قضاها الرئيس في الحكم ساعدت الطبقة العازلة من تقوية شوكتها بحيث تكونت دولة داخل دولة ثم دويلات تتقاسم السلطة والثروات فيما بينها على حساب مصلحة الوطن وتستخدم في ذلك كل الطرق المشروعة وغير المشروعة حتى وان تطلب ذلك الوقوف إمام الرئيس نفسه (وخير دليل على ذلك انتخاب المحافظين ) .
أطنان من البيانات والقرارات والتصريحات النارية والخطب العنترية للرئيس حول سيادة القانون ومحاربة مراكز القوى ( الطبقة العازلة ) ومحاربة الفساد لم تجد طريقها للتنفيذ وتعرقل من قبل الطبقة العازلة التي قوت شوكتها وأصبح على الرئيس كأمر واقع التعامل بحذر معها حتى يأمن تقلبات الأيام وتعارض المصالح .
إن حقيقة نظرية أهل الثقة والطبقة العازلة قد سطرها التاريخ وهي ليست وليدة اللحظة بل كانت حاضرة في كل مماليك الطغيان وكبار طغاة العالم كهتلر وفرانكو وفرعون وغيرهم فلو ان الرئيس استمد حكمة وسلطته وقوته من الشعب لكان بمقدوره التخلص من ارث الطبقة العازلة ولو انه رضخ في قراراته للإرادة الشعبية لما أمكن لمثل هذه الطبقة أن تولد وان تتكاثر وتتقوى وتنحرف وتطغى * إن الرئيس أصبح مغلق عليه في دائرة الطبقة العازلة ولا يستطيع الفكاك منها وحتماً سيأتي اليوم الذي سيكتوي بنارها ودسائسها .
Bookmarks