اَلحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى اَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَآَلِهِ وَاَصْحَابِهِ وَمَنْ وَالَاهُمْ وَبَعْدُ، فَاِنَّنَا نَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ الْمُشَارَكَةِ عَنِ الْقَسَمِ فِي الْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ بَعْضَ الْاَمْثِلَة، نَعَمْ اَخِي: وَالْقَسَمُ هُوَ الْحَلِفُ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اَقْسَمَ فِي الْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ بِمَخْلُوقَاتٍ كَثِيرَةٍ؟ لِيَلْفِتَ انْتِبَاهَنَا اِلَى سِرِّ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الْاُمُورِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهَا، فَاَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى مَثَلاً بِالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَاَقْسَمَ بِالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَاَقْسَمَ بِالْوَقْتِ، وَبِالضُّحَى، وَاللَّيْلِ اِذَا سَجَى، وَاَقْسَمَ اَيْضاً بِذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ مُعَلِّماً رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ اَحَقٌّ هُو، قُلْ اِي وَرَبِّي(نَعَمْ اَخِي: وَكَلِمَة اِي بِمَعْنَى نَعَمْ فِي لُغَةِ بَعْضِ الْقَبَائِلِ الْعَرَبِيَّة، فَاِذَا اَرَادَتْ اَنْ تَقُولَ نَعَمْ، فَاِنَّهَا تَقُولُ اِي، وَالْقُرْآَنُ الْكَرِيمُ رَاعَى لَهَجَاتِ الْقَبَائِلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلِذَلِكَ عَلَّمَ رَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اِذَا اسْتَنْبَؤُوا وَاسْتَخْبَرُوا وَاسْتَعْلَمُوا مِنْهُ عَنِ الَّذِي يَدْعُوهُمْ اِلَيْهِ هَلْ هُوَ حَقٌّ؟ فَقُلْ{اِي وَرَبِّي اِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَااَنْتُمْ بِمُعْجِزِين(نَعَمْ اَخِي: وَفِي الْآَيَاتِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي اَوَاخِرِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ، وَهِيَ تَحْتَاجُ مِنَّا فِي هَذِهِ الْمُشَارَكَةِ اِلَى تَفْسِير، وَكَلِمَةُ تَفْسِيرٍ لَيْسَتْ بِالْاَمْرِ الْهَيِّنِ؟ لِاَنَّ التَّفْسِيرَ يَحْتَاجُ اِلَى وَقْتٍ طَوِيلٍ، وَدِرَاسَةٍ عَمِيقًةٍ مُتَاَمِّلَة، وَلَايَكْفِي اَنْ نَمُرَّ عَلَيْهِ مُرُورَ الْكِرَامِ اِذَا احْتَاجَ الْمَقَام، نَعَمْ اَخِي: وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآَيَات{فَلَا اُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَاِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، اِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لَايَمَسُّهُ اِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِين(نَعَمْ اَخِي{فَلَا اُقْسِمُ(وَكَلِمَةُ لَا فِي هَذِهِ الْآَيَةِ، هَلْ هِيَ لَا نَافِيَة؟ اَمْ لَاصِلَة جَاءَتْ لِتَاْكِيدِ الْمَعْنَى؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هُنَا اِلَى رَاْيَيْن؟ اَلرَّاْيُ الْاَوَّلُ قَالَ عَنْ كَلِمَةِ لَا هُنَا: اَنَّهَا جَاءَتْ لِتَاْكِيدِ الْمَعْنَى، كَمَا تَقُولُ مَثَلاً اَخِي لَا وَاللهِ لَاَفْعَلَنَّ كَذَا، فَاَنْتَ هُنَا اَخِي حِينَمَا نَطَقْتَ بِلَا، لَاتُرِيدُ اَنْ تَنْفِيَ مَاسَتَفْعَلُهُ، وَاِنَّمَا تُرِيدُ اَنْ تُثْبِتَهُ وَتُؤَكِّدَ عَلَيْه، نَعَمْ اَخِي: وَكَاَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حِينَمَا يَقُولُ {لَااُقْسِمُ( اَيْ اُؤَكِّد، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا الرَّاْيُ الثَّانِي، فَهُوَ رَاْيُ الَّذِينَ قَالُوا: اِنَّ لَا هُنَا نَافِيَة، اَيْ تَنْفِي وُقُوعَ الْحَدَثِ، وَنَقُولُ لَهُمْ لِمَاذَا؟ وَكَيْفَ يَتَّفِقُ ذَلِكَ وَيَسْتَقِيمُ فِي مَعْنَى الْآَيَة؟ قَالُوا: اَلْاَمْرُ لِوُضُوحِهِ لَايَحْتَاجُ اِلَى قَسَمٍ فِي مِصْدَاقِيَّةِ هَذَا الْقُرْآَن، وَلِذَلِكَ{فَلَااُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُوم(نَعَمْ اَخِي: اَللهُ تَعَالَى يُقْسِمُ بِمَاشَاءَ، وَاَمَّا نَحْنُ فَلَايَجُوزُ لَنَا اَنْ نَحْلِفَ اِلَّا بِاللهِ، اَوْ بِاسْمٍ مِنْ اَسْمَائِهِ، اَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، فَمَثَلاً حِينَمَا نَقُولُ وَاللهِ، تَااللهِ، بِااللهِ، فَهَذِهِ اَحْرُفُ الْقَسَمِ، وَهِيَ الْوَاوُ، وَالتَّاءُ، وَالْبَاء، نَعَمْ اَخِي: وَقَدْ تُحْذَفُ هَذِهِ الْاَحْرُفُ، فَنَقُولُ مَثَلاً: اَللهِ لَاَفْعَلَنَّ كَذَا، بِمَعْنَى وَاللهِ لَاَفْعَلَنَّ كَذَا، نَعَمْ اَخِي: رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يُقْسِمُ بِمَاشَاءَ، وَاَمَّا نَحْنُ فَلَا نُقْسِمُ اِلَّا بِاللِه، اَوْ بِاسْمٍ مِنْ اَسْمَائِهِ: كَاَنْ تَقُولَ مَثَلاً وَالْحَكِيمِ الْخَبِيرِ لَاَفْعَلَنَّ كَذَا، نَعَمْ اَخِي: اَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ : كَاَنْ تَقُولَ مَثَلاً وَعِزَّةِ اللهِ، وَحَيَاةِ اللهِ، وَقُدْرَةِ اللهِ، لَاَفْعَلَنَّ كَذَا، فَهَذِهِ الْعِزَّةُ، وَهَذِهِ الْقُدْرَةُ، وَهَذِهِ الْحَيَاةُ، هِيَ صِفَاتٌ مِنْ صِفَاتِ اللهِ، نَعَمْ اَخِي: اَلْعِزَّةُ هِيَ صِفَةٌ، وَاَمَّا الْعَزِيزُ فَهُوَ اسْمٌ مِنْ اَسْمَاءِ الله، نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ يُقْسِمُ الْمُؤْمِنُ بِهَذِهِ الْاُمُور، نَعَمْ اَخِي: وَقَدْ بَعَثَ اِلَيَّ اَحَدُ الْاِخْوَةِ بِرِسَالَةٍ يَقُولُ فِيهَا: هَلْ يُسْتَحَبُّ الْقَسَمُ؟ اَمْ يُكْرَهُ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: حَسَبَ الْاَحْوَالِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْقَسَمَ قَدْ يَكُونُ وَاجِباً عَلَيْكَ، فَاِذَا طَلَبَ مِنْكَ الْقَاضِي اَنْ تُقْسِمَ، فَعَلَيْكَ اَنْ تُقْسِمَ، وَاِذَا لَمْ تُقْسِمْ، حَكَمَ عَلَيْكَ بِالنُّكُولِ؟ لِاَنَّ الَّذِي يَنْكُلُ(يَتَخَلَّفُ اَوْ يَرْفُضُ اَوْ يُضْرِبُ(عَنِ الْيَمِينِ، كَاَنَّهُ يَعْتَرِفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَمِنْ اَجْلِ اَنْ تُبْعِدَ الشُّبْهَةَ عَنْكَ، وَاَلَّا تُوصَفَ بِشَيْءٍ اَوْ تُتَّهَمَ بِشَيْءٍ لَمْ تَفْعَلْهُ، هُنَا الْوَاجِبُ عَلَيْكَ اَنْ تُقْسِمَ بِاللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، نَعَمْ اَخِي: كَذَلِكَ فِي الْاُمُورِ الْهَامَّةِ، فَحِينَمَا يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اَنْ يُؤَكِّدَ حَقِيقَةً مِنَ الْحَقَائِقِ، فَاِنَّهُ يُؤَكِّدُهَا بِاُسْلُوبِ الْقَسَمِ، فَمَثَلاً[وَاللهِ لَايُؤْمِنُ! وَاللهِ لَايُؤْمِنُ! وَاللهِ لَايُؤْمِن!(فَهُنَا اَخِي جَاءَ التَّاْكِيدُ بِاُسْلُوبَيْنِ، اَوَّلاً بِاُسْلُوبِ الْقَسَم، ثَانِياً بِاُسْلُوبِ التَّكْرَار، فَكَرَّرَ الْقَسَمَ هُنَا ثَلَاثَ مَرَّات، نَعَمْ اَخِي: فَالْقَسَمُ بِحَدِّ ذَاتِهِ يُفِيدُ التَّاْكِيدَ وَلَوْ لَمْ يُكَرِّرْهُ، وَلَكِنْ جَاءَ التَّكْرَارُ؟ لِيُفِيدَ مَزِيداً مِنَ التَّاْكِيدِ عَلَى هَذَا الْقَسَمِ؟ مِنْ اَجْلِ اَنْ يَلْفِتَ انْتِبَاهَكَ اَخِي اِلَى هَذَا الْاَمْرِ الْهَامِّ الَّذِي يَجِبُ اَنْ يَتَنَبَّهَ اِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَاَلَّا يَغِيبَ عَنْ فِكْرِهِمْ اَبَداً[وَاللهِ لَايُؤْمِنُ! وَاللهِ لَايُؤْمِنُ! وَاللهِ لَايُؤْمِن! قِيلَ مَنْ يَارَسُولَ الله؟ قَالَ الَّذِي لَايَاْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَه(وَيَعْنِي بِذَلِكَ الَّذِي يُؤْذِي جَارَهُ، وَالْبَوَائِقُ هِيَ الشُّرُورُ وَمِنْهَا الْاَصْوَاتُ الْمُزْعِجَة، نَعَمْ اَخِي: مُجَرَّدُ الْاَصْوَاتِ الْمُزْعِجَةِ الَّتِي تُزْعِجُ بِهَا جَارَكَ، اَنْتَ عِنْدَ ذَلِكَ اِيمَانُكَ فِي خَطَرٍ عَظِيم[وَاللِه لَايُؤْمِنُ! وَاللِه لَايُؤْمِنُ! وَاللِه لَايُؤْمِن! قِيلَ مَنْ يَارَسُولَ الله؟ قَالَ مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ(نَعَمْ اَخِي: وَقَدْ كَانَتِ الْاَمَانَةُ وَالصِّدْقُ تَعْمَلُ عَمَلَهَا فِيمَا مَضَى، فَاِذَا كَانَ اِنْسَانٌ مَا جَائِعاً فِعْلاً وَحَقِيقَةً، كَانَ يَاْتِي وَيَسْاَل، وَكَانُوا لَايَسْاَلُونَ اِلَّا اِذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ فِعْلاً، فَاِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجاً، لَمْ يَسْاَلْ كَالشَّحَّادِينَ الَّذِينَ يَسْاَلُونَ فِي اَيَّامِنَا وَقَدِ اتَّخَذُوا مِنَ الشَّحَادَةِ وَالتَّسَوُّلِ بَاباً مِنْ اَبْوَابِ الرِّزْقِ؟ لِلِاسْتِيلَاءِ عَلَى اَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِل، وَلِذَلِكَ جَاءَ بَعْضُ الْجِيرَانِ اِلَى بَعْضِ الصَّالِحِينَ، فَطَلَبَ مِنْهُ اِعَانَةً، وَقَالَ وَاَنَا مُنْذُ ثَلَاثَةِ اَيَّامٍ بِحَاجَةٍ اِلَى ذَلِكَ، فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْاِنْسَانِ الصَّالِحِ اِلَّا اَنْ اَخْرَجَ وَاَعْطَاهُ مَاطَلَبَ وَاَخَذَ يَبْكِي وَيَبْكِي وَيَبْكِي! فَقَالَتْ لَهُ امْرَاَتُهُ لِمَاذَا تَبْكِي وَقَدْ اَعْطَيْتَهُ؟ فَقَالَ يَااَمَةَ اللهِ ثَلَاثَةُ اَيَّامٍ تَمْضِي وَجَارِي بِحَاجَةٍ وَاَنَا لَااَشْعُرُ بِهِ، نَعَمْ اَخِي: هَذَا هُوَ الْمُجْتَمَعُ الْاِنْسَانِيُّ الْمُسْلِمُ الْعَظِيم، نَعَمْ اَخِي: فَالرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُقْسِمُ اِذَا كَانَ الْاَمْرُ هَامّاً، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا اَنْ تَاْتِيَ وَتَقُولَ مَثَلاً اُقْسِمُ بِاللهِ الْعَظِيمِ لَآَكُلَنَّ الْيَوْمَ كَذَا، فَالرَّسُولُ بَعِيدٌ عَنْ هَذِهِ التَّفَاهَاتِ، بِمَعْنَى اَنَّهُ لَايُعَرِّضُ اسْمَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِاَمْرٍ هَزِيلٍ اَوْ ضَعِيفٍ اَوْ اَمْرٍ سَخِيف؟ لِاَنَّكَ اَخِي حِينَمَا تُقْسِمُ بِاللهِ، يَجِبُ اَنْ تَسْتَحْضِرَ فِي مُصَوِّرَتِكَ اَوْ مُخَيِّلَتِكَ عَظَمَةَ مَنْ تُقْسِمُ بِهِ، نَعَمْ اَخِي: تَرَاهُ وَتَسْمَعُهُ يَقُولُ بِالْفَمِ الْمَلْآَنِ! اُقْسِمُ بِاللهِ الْعَظِيمِ! وَاللهِ الَّذِي لَا اِلَهَ غَيْرُهُ! عَلَى اُمُورٍ تَافِهَةٍ لَاتُقَدِّمُ وَلَاتُؤَخِّرُ! فَمَابَالُكَ اَخِي اِذَا كَانَتْ كَاذِبَة؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي اِذَا كَانَتْ كَاذِبَةً، فَهَذَا هُوَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ الَّذِي يَغْمُسُ صَاحِبَهُ فِي الْاِثْمِ، ثُمَّ يَغْمِسُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَخَاصَّةً عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ اَعَاذَنَا اللهُ تَعَالَى( اِلَّا مَنْ تَابَ نَصُوحاً مِنَ التَّوْبَةِ، وَرَدَّ الْحُقُوقَ اِلَى اَصْحَابِهَا( نَعَمْ اَخِي فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَوْ كُنْتَ صَادِقاً حَقّاً، لَايَجُوزُ لَكَ شَرْعاً اَنْ تُقْسِمَ اَوْ تَحْلِفَ، فَمَابَالُكَ اِذَا حَلَفْتَ كَاذِباً؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: هَذِهِ مِنَ الْكَبَائِرِ بِدَلِيل[ثَلَاثَةٌ لَايَنْظُرُ اللهُ اِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ! وَلَايُكَلِّمُهُمْ! وَلَايُزَكِّيهِمْ!(نَعَمْ اَخِي: مَاذَا بَقِيَ لِهَؤُلَاءِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ لِمَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؟ نَعَمْ اَخِي: وَالْاَدْهَى وَالْاَمَرُّ هُوَ الْآَتِي[وَلَهُمْ عَذَابٌ اَلِيم( نَعَمْ اَخِي: وَمِنْ هَؤُلَاءِ رَجُلٌ اَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ وَاللهِ الَّذِي لَا اِلَهَ غَيْرُهُ قَدْ اُعْطِيتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ لَمْ يُعْطَ بِهَا ذَلِك(نَعَمْ اَخِي لِمَاذَا بَعْدَ الْعَصْرِ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي؟ لِاَنَّ اللَّيْلَ يَكَادُ اَنْ يَقْتَرِبَ، وَيُرِيدُ اَنْ يَذْهَبَ اِلَى زَوْجَتِهِ وَاَوْلَادِهِ؟ لِيَاْخُذَ مَعَهُمْ قِسْطاً مِنَ الرَّاحَةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي اَيَّامِهِمْ كَمَا فِي اَيَّامِنَا وَسَائِلُ جَذْبٍ وَاِغْرَاءٍ وَطَرِيقَةُ عَرْضٍ رَائِعَةٍ لِجَلْبِ الزَّبَائِنِ الْمُشْتَرِينَ مِنْ اَجْلِ اَنْ يُنْفِقَ الْبَائِعُ مَاعِنْدَهُ مِنَ السِّلَعِ، فَكَانُوا لَايَجِدُونَ الِاَّ الْيَمِينَ الصَّادِقَةَ اَوِ الْكَاذِبَةَ الْغَمُوسَ! مِنْ اَجْلِ اَنْ يُنْفِقُوا مَاعِنْدَهُمْ مِنَ السِّلَعِ وَيَبِيعُوهَا بِاَسْرَعِ وَقْتٍ مُمْكِنٍ قَبْلَ اَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، وَنَقُولُ لِهَؤُلَاء: نَعَمْ رُبَّمَا يَكُونُ بَيْعُكُمْ رَابِحاً فِي الظَّاهِرِ، لَكِنَّ الْيَمِينَ الَّتِي تَحْلِفُونَهَا صَادِقَةً اَوْ كَاذِبَةً مُنْفِقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ صَحِيح، نَعَمْ اَخِي الْبَائِع: مِنَ الْجَائِزِ اَنْ تَخْدَعَ النَّاسَ وَتَبِيعَهُمْ مَاشِئْتَ بِهَذِهِ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، لَكِنْ هَلْ سَتُفْلِتُ مِنْ قَبْضَةِ اللهِ عَاجِلاً اَوْ آَجِلاً؟ نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ الْخِدَاعُ فِي الْبَيْعِ لَايَجُوزُ شَرْعاً حَتَّى وَلَوْ كَانَ بِذِكْرِ الله! تَرَاهُ يَاْخُذُ ثَوْباً مِنَ الْقُمَاشِ لِيَعْرِضَهُ اَمَامَ النَّاسِ! وَلَايَمَلُّ مِنْ ذِكْرِ اللهِ وَلَا الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ بِقَوْلِهِ يَاجَمَالِ النَّبِي فِي هَذَا الثَّوْبِ مِنَ الْقِمَاشِ فِي خِيَاطَتِهِ وَزَرْكَشَتِهِ وَتَصْمِيمِهِ! مَاشَاءَ اللهُ كَانَ! لَا اِلَهَ اِلَّا الله! نَعَمْ اَخِي: فَيَاْتِي بِمِثْلِ هَذِهِ الْاَذْكَارِ! لِيَخْدَعَ الْمُشْتَرِي، وَكُلُّ هَذِهِ اَسَالِيبُ مَاكِرَةٌ؟ لِاَنَهُ اسْتَعْمَلَ مَاهُوَ رَاقٍ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَذِكْرِ اللهِ فِيمَا هُوَ دَنِيءٌ وَكَذِبٌ وَالْعَيَاذُ بِاللِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، نَعَمْ اَخِي: فَهَؤُلَاءِ اَيْمَانُهُمُ الْغَمُوسُ تُورِدُ بِهِمْ اِلَى نَارِ جَهَنَّم، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا الْاَمْرُ الْهَامُّ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ، وَالْاَفْضَلُ اَلَّا تُعَوِّدَ لِسَانَكَ عَلَى ذَلِك، نَعَمْ اَخِي: يَاْتِي بَعْضُ النَّاسِ لِيَحْكِيَ لَكَ قِصَّةً بَسِيطَةً وَاَنْتَ لَاتُنْكِرُ عَلَيْهِ بَلْ تَسْتَمِعُ لَهُ مَصَدِّقاً وَلَسْتَ بِحَاجَةٍ وَلَيْسَ هُوَ بِحَاجَةٍ اَيْضاً اِلَى اَنْ يُصَادِقَ اَوْ يُؤَكِّدَ عَلَى كَلَامِهِ بِالْيَمِينِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَاتَسْمَعُ مِنْهُ اِلَّا اُقْسِمُ بِاللهِ كَذَا! وَاللهِ الْعَظِيمِ كَذَا! فَيُقْسِمُ عَشْرَةَ اَيْمَانٍ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ اَحَدٌ يَمِيناً عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِحَاجَةٍ اِلَى التَّاْكِيدِ! فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ الْاِيمَانِ عِنْدَ هَذَا الْاِنْسَان، وَلِذَلِكَ جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى{وَلَاتُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِين(وَلَمْ يَقُلْ سَبْحَانَهُ حَالِف؟ بَلْ قَالَ حَلَّاف! وَهُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا، نَعَمْ اَخِي: وَالْحَالِفُ هُوَ الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى اُمُورٍ مُهِمَّةٍ، وَاَمَّا الْحَلَّافُ فَهُوَ بِمَعْنَى اَنَّهُ كَثِيرُ الْحَلِفِ عَلَى الْمُهِمِّ وَغَيْرِ الْمُهِمّ{مَهِين(لِمَاذَا مَهِين؟ لِاَنَّهُ لَايَشْعُرُ بِالثِّقَةِ بِنَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ هُوَ يُرِيدُ اَنْ يَسْتُرَ هَذَا الضَّعْفَ بِالْاَيْمَانِ الْكَاذِبَة، نَعَمْ اَخِي: وَحَتَّى وَ لَوْ كَانَتْ صَادِقَة، فَاِذَا لَمْ تَكُنْ لِاَمْرٍ هَامٍّ، فَلَايَجُوزُ ذَلِكَ شَرْعاً، نَعَمْ اَخِي: وَنَاْتِي الْآَنَ اِلَى تَفْسِيرِ اَوَاخِرِ سُورَةِ الْوَاقِعَة، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يُقْسِمُ بِظَوَاهِرَ كَوْنِيَّةٍ لِمَاذَا؟ حَتَّى نَلْتَفِتَ اِلَى مَافِيهَا مِنْ اَسْرَار، نَعَمْ اَخِي: وَلَقَدْ بَرَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي عِلْمِ الْفَلَكِ وَالتَّنْجِيمِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِالتَّنْجِيمِ الَّذِي بَرَعُوا فِيهِ اَبْرَاجَ الْحَظِّ وَالطَّالِعِ الْمَعْرُوفَةِ فِي اَيَّامِنَا، فَهَذَا لَايَجُوزُ شَرْعاً، وَاِنَّمَا التَّنْجِيمُ هُوَ عِلْمُ النُّجُومِ وَعِلْمُ الْفَلَك، فَبَرَعُوا فِيهَا وَلَاسِيَّمَا فِي عَصْرِ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّة، فَبَرَعُوا فِي هَذِهِ الْعُلُومِ، وَاَمَّا الْآَنَ فَالْمُسْلِمُونَ نَامُوا وَغَيْرُهُمُ اسْتَيْقَظَ، وَاَصْبَحَ الْقُرْآَنُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ لِلْبَرَكَةِ فَقَطْ مِنْ اَجْلِ اَنْ يُسَهِّلَ اللهُ لَهُمْ اَمْرَهُمْ كَمَا يَزْعُمُون، وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ: اَللهُ يُسَهِّلُ لَكُمْ اُمُورَكُمْ نَعَمْ؟ لَكِنْ بِاتِّبَاعِهِ، وَلَيْسَ بِتِلَاوَتِهِ فَقَطْ ، نَعَمْ اَخِي{فَلَااُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُوم(وَالْمَوَاقِعُ جَمْعُ مَوْقِع، وَالْمَوْقِعُ هُوَ مَوْقِعُ الْمَنْزِلِ اَوْ مَوْقِعُ الْمَنَازِلِ الَّتِي تَسِيرُ فِيهِ النُّجُوم{فَلَااُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُوم(وَقَرَاَ حَمْزَةُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ{فَلَااُقْسِمُ بِمَوْقِعِ النُّجُوم(بِالْمُفْرَدِ بَدَلَ الْجَمْعِ، نَعَمْ اَخِي: وَقِرَاءَةُ مَوْقِع، وَالْقِرَاءَةُ الْاُخْرَى مَوَاقِع، كِلَاهُمَا قِرَاءَتَانَ صَحِيحَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَوَاتِرَتَان، نَعَمْ اَخِي: وَمِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ تَصِحُّ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ اَيْضاً، فَحِينَمَا نَدْعُو لِاثْنَيْنِ اَوْ ثَلَاثَةِ اَمْوَاتٍ فِيصَلَاتِنَا عَلَى جَنَازَتِهِمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً بِقَوْلِنَا اَللَّهُمَّ اَبْدِلْهُمْ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِمْ، فالْمَعْنَى هُنَا اَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اجْعَلْ لَهُ يَارَبُّ دَاراً، نَعَمْ اَخِي: وَمِنَ الْجَائِزِ اَنْ نَقُولَ اَيْضاً: اَللَّهُمَّ اَبْدِلْهُمْ دِيَاراً خَيْراً مِنْ دِيَارِهِمْ بِالنَّظَرِ اِلَى الْمَجْمُوع، نَعَمْ اَخِي: بِالنَّظَرِ اِلَى الْجِنْسِ اَيْضاً كُلُّ وَاحِدٍ لَهُ دَارٌ خَاصَّةٌ بِهِ{فَلَااُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَاِنَّهُ(اُنْظُرْ اَخِي اِلَى التَّاْكِيدِ فِي كَلِمَةِ اِنَّهُ، فَاِنَّ تُفِيدُ التَّاْكِيدَ فِي الْقَسَم(وَاِنَّهُ لَقَسَمٌ(وَاللَّامُ اَيْضاً اَخِي فِي كَلِمَةِ لَقَسَمٌ تُفِيدُ التَّاْكِيد{وَاِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم( يَالَطِيف! اُنْظُرْ اَخِي اِلَى هَذَا الْاُسْلُوبِ الْقُرْآَنِيِّ الْعَجِيبِ، وَاِلَى هَذِهِ التَّوْكِيدَاتِ الْبَلَاغِيَّة، نَعَمْ اَخِي: اَبْلَغُ النَّاسِ وَاَفْصَحُهُمْ! رُبَّمَا يَحْتَاجُ اِلَى اَنْ يَكْتُبَ صَفْحَةً كَامِلَةً! لِيَجْلِبَ اَمْثَالَ هَذِهِ التَّاْكِيدَات! فَانْظُرْ اَخِي اِلَى الْقُرْآَنِ وَكَيْفَ جَلَبَهَا بِآَيَةٍ مُوجَزَةٍ وَآَيَاتٍ قَصِيرَةِ الْفَوَاصِل{فَلَااُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَاِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم(نَعمْ اَخِي: اَلْقَسَمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ شَيْءٌ عَظِيمٌ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ النُّجُومَ فِيهَا فَوَائِدُ، وَكُلُّ مَافِي الْكَوْنِ فَوَائِدُهُ تَعُودُ اِلَى مَنْ اَخِي؟ وَاَقُولُ لَكَ اِلَى الْاِنْسَان، وَقَدْ يَسْتَعْمِلُ الْاِنْسَانُ الشَّيْءَ وَيَسْتَفِيدُ مِنْهُ وَهُوَ لَايَعْلَمُ بِجُزْئِيَّاتِهِ، نَعَمْ اَخِي: وَنَحْنُ نَسْتَفِيدُ مِنَ النُّجُومِ، وَمِنَ الْجَائِزِ اَنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَايَعْلَمُ مَاهِيَّةَ النُّجُومِ وَطَبِيعَتَهَا، وَنَحْنُ اَيْضاً نَسْتَفِيدُ مِنَ الْمَاءِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَايَعْلَمُ اَنَّ الْمَاءَ يَتَكَوَّنُ مِنْ ذَرَّتَيْنِ مِنَ الْهِدْرُوجِين وَذَرَّةٍ مِنَ الْاُوكْسِجِين وَمَعَ ذَلِكَ نَشْرَبُهُ وَنَسْتَفِيدُ مِنْهُ، نَعَمْ اَخِي: وَنَحْنُ اَيْضاً نَسْتَعْمِلُ الرَّادْيُو، وَنَسْتَعْمِلُ التِّلْفَازَ، لَكِنْ لَانَفْهَمُ جُزْئِيَّاتِ الرَّادْيُو وَالتِّلْفِزْيُونِ اَوِ الْهَاتِفِ الثَّابِتِ اَوِ الْمَحْمُول، نَعَمْ اَخِي: فَالْاِنْسَانُ قَدْ يَنْتَفِعُ بِالشَّيْءِ دُونَ الْعِلْمِ بِجُزْئِيَّاتِهِ وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْنَا لِمَاذَا؟ لِاَنَّنَا مَعَ النَّاسِ سَنَقَعُ فِي حَرَجٍ شَدِيدٍ اِذَا لَمْ نَسْتَطِعِ اسْتِعْمَالَ الرَّادْيُو وَالتِّلْفَازِ وَالْهَاتِفِ اِلَّا اِذَا دَرَسْنَا مِمَّا تَتَرَكَّبُ وَمِمَّا تَتَاَلَّفُ وَكَيْفِيَّةَ الْاِرْسَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَكَيْفِيَّةَ الْبَثِّ مِنَ الْاِذَاعَةِ اِلَيْهَا عَبْرَ الْهَوَاءِ مُبَاشَرَةً، وَاِلَّا فَلَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْاَشْيَاءِ اِلَّا الْقِلَّةُ الْمُخْتَصُّونَ بِهَا، نَعَمْ اَخِي: فَاَنْتَ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْكَ تَسْتَفِيدُ مِنْ شَيْءٍ، وَمَعَ ذَلِكَ لَاتَعْرِفُ جُزْئِيَّاتِ هَذَا الشَّيْء{فَلَااُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَاِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم(نَعَمْ اَخِي: وَالْاَصْلُ فِي هَذِهِ الْآَيَةِ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى{وَاِنَّهُ لَقَسَمٌ عَظِيم(فَجَاءَ سُبْحَانَهُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ{لَوْ تَعْلَمُونَ(فَمَاذَا تُسَمَّى هَذِهِ الْجُمْلَة؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اِنَّهَا جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ اعْتَرَضَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ، وَهُمَا كَلِمَةُ لَقَسَمٌ، وَكَلِمَةُ عَظِيمٍ، لِمَاذَا؟ لِاَهَمِّيَّةِ الْاَمْرِ، وَالْمَعْنَى: اَنْتُمْ بِحَاجَةٍ اِلَى اَنْ تَعْلَمُوا وَاَنْ تُدْرِكُوا قَدْرَ طَاقَتِكُمْ سِرَّ خَلْقِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذَا الْكَوْنِ، وَلِذَلِكَ{وَاِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم( وَطَبْعاً هُوَ عَظِيمٌ، وَلِذَلِكَ اَخِي الَّذِينَ قَالُوا اِنَّ لَا تُفِيدُ التَّاْكِيدَ وَلَيْسَتْ نَافِيَةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {لَااُقْسِمُ(قَالُوا؟ لِاَنَّهُ قَسَمٌ اَقْسَمَهُ اللهُ تَعَالَى وَحَصَلَ فِعْلاً مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَسَماً مُؤَكَّداً بِهَذِهِ الظَّوَاهِرِ الْكَوْنِيَّة، نَعَمْ اَخِي: اَحْيَاناً تَرَى الْكَلِمَةَ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لَايَكُونُ لَهَا مَعْنىً وَاحِدٌ وَاِنَّمَا تَاْتِي بِعِدَّةِ مَعَانِي وَهَذَا مَايُسَمَّى بِالْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ، بِمَعْنَى اَنَّ لَفْظاً وَاحِداً يَشْتَرِكُ فِي عِدَّةِ مَعَانِي، وَلِذَلِكَ اَخِي: اِذَا اَرَدْتَّ اَنْ تَعْرِفَ مَعْنَى كَلِمَةِ نَجْمٍ، فَاَوَّلُ مَايَنْصَرِفُ ذِهْنُكَ اَخِي، يَنْصَرِفُ فَوْراً اِلَى نُجُومِ السَّمَاء، لَكِنِ اعْلَمْ اَخِي: اَنَّ النَّجْمَ كَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى النَّبَاتِ الَّذِي يَنْجُمُ مِنَ الْاَرْضِ وَلَاسَاقَ لَهُ وَلَاجِذْعَ مِثْلَ نَبَاتِ الْهَنْدُوبِي الْمَعْرُوف وَالْخِبَّيْزِي الْمَعْرُوف، فَهَذِهِ الْهِنِدْبِي وَالْخِبَّيْزِي تُسَمَّى نُجُوماً؟ لِاَنَّهَا تَنْجُمُ(تَنْبُتُ وَتَخْرُجُ( مِنَ الْاَرْضِ وَلَاسَاقَ وَلَاجِذْعَ لَهَا، نَعَمْ اَخِي: وَحِينَمَا يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ(فَالنَّجْمُ هُنَا يُطْلَقُ عَلَى نَجْمِ السَّمَاءِ، وَيُطْلَقُ اَيْضاً بِمَعْنىً آَخَرَ عَلَى مَايَنْجُمُ(يَنْتُجُ اَوْ يَخْرُجُ( مِنَ الْاَرْضِ مِنْ نَبَاتٍ، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ صَحِيحَان(بِمَعْنَى اَنَّ الْكُلَّ يَخْضَعُ لِقَوَانِينَ وَنَوَامِيسَ وَضَعَهَا اللهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْكَوْن، نَعَمْ اَخِي: وَقَدْ يُطْلَقُ النَّجْمُ عَلَى الْجُزْءِ مِنَ الْقُرْآَن ِ،فَنَقُولُ مَثَلاً: نَزَلَ الْقُرْآَنُ مُنَجَّماً اَيْ مُفَرَّقاً، بِمَعْنَى اَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، تَشْبِيهاً لِلْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ بِالنُّجُومِ الْمُتَنَاثِرَةِ فِي السَّمَاءِ، وَالَّتِي تُضِيءُ اللَّيْلَ اِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ صَحْواً وَاِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ غُبَارٌ وَلَااِشْعَاعَاتٌ كَمَا فِي اَيَّامِنَا، نَعَمْ اَخِي: وَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِيمَا مَضَى فِي اَيَّام زَمَان، يَنْظُرُونَ اِلَى النُّجُومِ، وَيَرَوْنَهَا ظَاهِرَةً وَاضِحَةً مُتَلَاْلِئَةً فِي عَنَانِ السَّمَاء، وَاَمَّا فِي اَيَّامِنَا، فَهَلْ اَصْبَحَتْ اَبْصَارُنَا ضَعِيفَةً بَعْدَ اَنْ كَبِرْنَا وَلَمْ نَعُدْ نَرَى هَذِهِ النُّجُومَ جَيِّداً؟ هَلْ اَصْبَحَ الَّذِينَ يَضَعُونَ نَظَّارَاتٍ طِبِّيَّةً اَوْ مُقَرِّبَةً اَوْ مُبَعِّدَةً لَايَرَوْنَهَا جَيِّداً! لَا يَااَخِي نَحْنُ لَانَرَاهَا جَيِّداً؟ بِسَبَبِ التَّجَارِبِ الَّتِي تَحْدُثُ وَالْغَازَاتِ الَّتِي حَجَبَتْ عَنَّا رُؤْيَةَ هَذِهِ النُّجُوم، نَعَمْ اَخِي: وَقَدْ كُنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلَ اَنْ تَحْدُثَ هَذِهِ التَّجَارِبُ، نَجْلِسُ فِي الصَّيْفِ، وَنَرَى النُّجُومَ تَتَرَاقَصُ فِي السَّمَاءِ الزَّرْقَاء، نَعَمْ اَخِي: تَشْبِيهُ الْقُرْآَنِ بِالنُّجُومِ، فِيهِ رَفْعٌ لِشَاْنِ هَذَا الْقُرْآَن ِالْعَظِيمِ الَّذِي يَتَلَاْلَاُ فِي ظُلُمَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ؟ لِيُبَدِّدَهَا، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْقُرْآَنُ نَجْماً، نَعَمْ اَخِي: حَتَّى النَّاسُ الْمَشْهُورُونَ مِنَ الرَّاقِصِينَ وَالْمُغَنِّينَ فَيُسَمُّونَهُمْ اَيْضاً نُجُوم! وَاَمَّا نَحْنُ فَنُسَمِّي الْعُلَمَاءَ وَنَقُولُ عَنْهُمْ اَنَّهُمْ نُجُومٌ فِي كُلِّ اَنْوَاعِ الْعُلُومِ الَّتِي يُفِيدُونَ الْمُجْتَمَعَ مِنْهَا، فَهَؤُلَاءِ نُجُوم، نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ يُقَالُ فُلَانٌ اَفَلَ نَجْمُهُ، بِمَعْنَى غَابَ وَرَاحَتْ وَذَهَبَتْ اَيَّامُهُ، نَعَمْ اَخِي: وَالْخُلَاصَةُ اَنَّ كَلِمَةَ نَجْمٍ، تُسْتَعْمَلُ لِعِدَّةِ مَعَانِي، نَعَمْ اَخِي: فَحِينَمَا اسْتَعْمَلَ سُبْحَانَهُ مَوَاقِعَ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ، ذَكَرَ الْقُرْآَنَ الْكَرِيمَ، فَاَقْسَمَ بِالنُّجُومِ، فَمَاهُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: هُوَ الْقُرْآَنُ، وَلِذَلِكَ حَصَلَ تَنَاسُبٌ بَيْنَ الْقَسْمِ وَ بَيْنَ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ، بِمَعْنَى اَنَّ الْقَسَمَ جَاءَ مُنَاسِباً لِلْمُقْسَمِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{فَلَااُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَاِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم، اِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيم(نَعَمْ اَخِي: وَكَلِمَةُ قُرْآَن فِي الْآَيَةِ الْكَرِيمَة، هِيَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى مَقْرُوء، اَيْ يُقْرَاُ اِلَى قِيَامِ السَّاعَة، وَلِذَلِكَ اَخِي تَرَى اَنَّهُ كُلَّمَا تَقَدَّمَ الزَّمَنُ، شَاعَتْ تِلَاوَةُ الْقُرْآَنِ اَكْثَرَ فَاَكْثَرَ رَغْماً عَنْ كُلِّ مَنْ يُحَارِبُهُ، نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ تَرَى فِي اَيَّامِنَا كُلَّ الْجَبَهَاتِ اَوْ اَكْثَرَهَا مُتَّجِهَةً لِمُحَارَبَةِ الْقُرْآَن ِالْكَرِيمِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَاِنَّكَ تَرَى فِي الرَّادْيُو اِذَاعَاتٍ خَاصَّةً لِلْقُرْآَن ِ،وَفِي التِّلْفَازِ اِذَاعَاتٍ خَاصَّةً مُرَافِقَةً اَيْضاً لِلْبَثِّ الْمَرْئِيّ، وَفِي الْاِنْتِرْنِتِّ اَيْضاً وَالْيُوتْيُوب، وَهُنَاكَ اَيْضاً تَسْجِيلَاتٌ صَوْتِيَّةٌ، وَكَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَحْفُوظَاتِ رَغْمَ اَنَّهُ يُحَارَبُ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ رَبَّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يُرِيدُ اَنْ يَتَحَدَّى هَؤُلَاءِ جَمِيعاً بِقَوْلِهِ{اِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَاِنَّا لَهُ لَحَافِظُون(نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ اِذَا رَاَيْتَ خَفِيفَ الْعَقْلِ يَجْمَعُ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَيُحْرِقُهَا اَوْ يَدُوسُ عَلَيْهَا، فَاعْلَمْ اَنَّهُ سَتُطْبَعُ مَلَايِينُ مِنَ الْمَصَاحِفِ عِوَضاً عَمَّا اَحْرَقَهُ اَوْ دَاسَ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ اَخِي: اُنْظُرْ اِلَى عَظَمَةِ هَذَا الْقُرْآَنِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ كَلَامُ اللهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي اَرَادَ لِكَلَامِهِ اَنْ يَبْقَى ثَابِتاً اِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَلِذَلِكَ{اِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيم( نَعَمْ اَخِي: وَالْكَرِيمُ هُوَ الَّذِي لَاحَدَّ لِعَطَائِهِ، وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ اَنْ تَكُونَ اَخِي كَرِيماً يَوْماً ثُمَّ تُصْبِحَ بَخِيلاً فِي يَوْمٍ آَخَر، لَا يَااَخِي فَمَنْ يَتَّصِفُ بِالْكَرَمِ يَبْقَى كَرِيماً، فَمَابَالُكَ اَخِي بِالْكَرِيمِ الَّذِي هُوَ الله، وَمَابَالُكَ بِالْقُرْآَنِ الَّذِي اَكْرَمَنَا اللهُ تَعَالَى بِهِ، نَعَمْ اَخِي: رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، اَكْرَمَنَا بِالْقُرْآَنِ، وَلِذَلِكَ عَطَاءُ الْقُرْآَنِ لَايَكُونُ لِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ فَحَسْبُ، وَاِنَّمَا صَالِحٌ عَطَاؤُهُ لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَان، وَمَعَ ذَلِكَ اَخِي فَاِنَّكَ اِذَا ذَكَرْتَ الْقُرْآَنَ اَوِ الْاِسْلَامَ عَلَى مَسْمَعٍ مِنْ سُفَهَاءِ النَّاسِ، فَاِنَّهُمْ يَنْهَقُونَ كَالْحَمِيرِ بِقَوْلِهِمْ! هَلْ تُرِيدُ اَنْ تُرْجِعَنَا اِلَى اَيَّام زَمَان! وَاِلَى اَيَّامِ النَّاقَةِ وَالْجَمَل! وَنَقُولُ لِهَؤُلَاء! وَمَنْ قَالَ لَكُمْ اَنَّ الْقُرْآَنَ الْكَرِيمَ جَاءَ مِنْ اَجْلِ النَّاقَةِ وَالْجَمَلِ فَقَطْ؟ نَعَمْ نَحْنُ لَانُنْكِرُ اَنَّهُ حِينَمَا نَزَلَ الْقُرْآَنُ، كَانَ هُنَاكَ جَمَلٌ، وَكَانَتْ هُنَاكَ نَاقَةٌ، وَلَكِنَّ مُعْجِزَتَهُ اَنَّ عَطَاءَهُ يَبْقَى مُسْتَمِرّاً اِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَلَيْسَ مَقْصُوراً عَلَى مَاتُغْمِضُونَ فِيهِ اَعْيُنَكُمْ مِنَ النَّاقَةِ وَالْجَمَلِ وَرُبَّمَا بِازْدِرَاءٍ وَقِحٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى{اَفَلَا يَنْظُرُونَ اِلَى الْاِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(وَلَيْسَ مَقْصُوراً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ، وَلِذَلِكَ فَاِنَّ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءَ يُشِيعُونَ بَيْنَ النَّاسِ اَنَّ الْقُرْآَنَ يُرِيدُ اَنْ يُرْجِعَنَا مَعَ عَقَارِبِ السَّاعَةِ اِلَى الْوَرَاءِ لِنَرْكَبَ عَلَى النَّاقَةِ وَالْجَمَلِ وَنَاْبَى الرُّكُوبَ فِي السَّيَّارَةِ وَنَضْطَّهِدَ الْمَرْاَةَ وَنَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا مِنَ التَّخَلُّفِ وَالرَّجْعِيَّةِ اللَّاحَضَارِيَّة، نَعَمْ اَخِي: وَكُلُّ هَذِهِ الْاَرَاجِيفِ يُخَوِّفُونُ بِهَا غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ وَيُحَذِّرُونَهُمْ مِنَ الْاِسْلَامِ وَاَنَّ الْاِسْلَامَ مَاجَاءَ اِلَّا مِنْ اَجْلِ اَنْ يَضْطَّهِدَهُمْ! وَكُلُّ هَذَا كَذِبٌ وَبُهْتَانٌ عَظِيمٌ وَافْتِرَاءٌ عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِمَاذَا؟
Bookmarks