اَحْيَاناً نَسْمَعُ حَدِيثاً يَذُمُّ الرَّاْيَ وَيَقْدَحُ فِيهِ وَيَعْتَبِرُهُ اتِّبَاعاً لِلْهَوَى, ثُمَّ نَسْمَعُ حَدِيثاً آَخَرَ يَمْدَحُ الرَّاْيَ! فَلِمَاذَا هَذَا التَّنَاقُضُ بَيْنَ حَدِيثَيْنِ صَحِيحَين؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لَاتَنَاقُضَ وَلَاتَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ؟ لِاَنَّ الرَّاْيَ الْمَذْمُومَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ, هُوَ الَّذِي يُعَارِضُ نَصّاً مِنَ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ, كَاَنْ يَاْتِيَ اِنْسَانٌ مَا مَثَلاً, ثُمَّ يَقُولُ عَنِ الْقُرْآنِ اَنَّهُ قَالَ كَذَا وَعَنِ السُّنَّةِ اَنَّهَا قَالَتْ كَذَا, لَكِنَّ رَاْيِي خِلَافَ ذَلِكَ مِمَّا قَالَا, فَهَذَا هُوَ الرَّاْيُ الْمَذْمُوم, نَعَمْ اَخِي, وَاَمَّا الرَّاْيُ الَّذِي يُسْتَنْبَطُ مِنَ النُّصُوصِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ فَهَلْ يَكُونُ مَمْدُوحاً اَوْ مَذْمُوماً؟ بَلْ يَكُونُ مَمْدُوحاً يَااَخِي, نَعَمْ اَخِي, وَحِينَمَا اَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّاً كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ اِلَى بَعْضِ الْمَنَاطِقِ, فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ يَارَسُولَ الله, هَلْ اَكُونُ كَالْحَدِيدَةِ الصَّمَّاءِ الْقَاسِيَةِ؟ اَمْ كَالْحَدِيدَةِ الْمُحَمَّاةِ اللَّيِّنَة؟ بِمَعْنَى هَلْ آَخُذُ النُّصُوصَ الْقُرْآنِيَّةَ وَالنَّبَوِيَّةَ عَلَى ظَاهِرِهَا كَالْحَدِيدَةِ الصَّمَّاءِ (كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْمُتَشَدِّدِينَ الْحَرْفِيِّينَ فِي اَيَّامِنَا) اَمْ اَنْظُرُ اِلَى رُوحِ النَّصِّ وَاُلَيِّنُهُ كَمَا يُلَيِّنُ الْحَدَّادُ الْحَدِيدَ بِالنَّارِ اِلَى دَرَجَةِ تَمْيِيعٍ غَيْرِ مُتَسَيِّبٍ فَوْضَوِيٍّ مُسْتَهْتِرٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اَحْكُمُ بِنَاءً عَلَى رُوحِ النَّصّ؟ نَعَمْ اَخِي, وَاَضْرِبُ لَكَ مَثَلاً فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ اَوْ صَدَقَتِهَا حَتَّى تَفْهَمَ مَعْنَى كَلَامِ الْاِمَامِ عَلِيٍّ فِي النَّصِّ الَّذِي يَحْتَاجُ اَنْ نَنْظُرَ اِلَى رُوحِهِ كَمَا نَنْظُرُ اِلَى حَرْفِيَّتِهِ الصَّارِمَة, فَمَثَلاً نَحْنُ نَعْلَمُ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ اَنَّ الْحَنَفِيَّةَ بِالنِّسْبَةِ اِلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ نَظَرُوا اِلَى رُوحِ النَّصِّ النَّبَوِيِّ الَّذِي يُحَدِّدُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنَ الْقَمْحِ اَوْ مِنَ الشَّعِيرِ اَوْ مِنَ الزَّبِيبِ اِلَى غَيْرِ ذَلِكَ, وَبَعْضُهُمْ قَالَ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَد, نَعَمْ اَخِي, وَغَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ فِي اَيَّامِنَا هُوَ الرُّزُّ اَوِ الْقَمْحُ اَوِ الْبُرْغُلُ اَوِ الْعَدَسُ اِلَى غَيْرِ ذَلِك, نَعَمْ اَخِي, فَالْحَنَفِيَّةُ نَظَرُوا اِلَى رُوحِ النَّصِّ الَّذِي يُحَدِّدُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ بِهَذِهِ الْاَشْيَاءِ فَقَالُوا: حِينَمَا يَقُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام[اَغْنُوهُمْ عَنِ الْمَسْاَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْم(وَهُوَ يَوْمُ عِيدِ الْفِطْرِ السَّعِيدِ الَّذِي لَايَنْبَغِي اَنْ يَظْهَرَ فِيهِ فَقِيرٌ يَتَسَوَّل( فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: اَنَّ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ يُشِيرُ اِلَى اَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لَيْسَ التَّحْدِيدُ بِهَذِهِ الْاَشْيَاءِ بِعَيْنِهَا اَوْ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ, وَاِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُوَ الْاِغْنَاء, نَعَمْ اَخِي, وَالْاِغْنَاءُ قَدْ يَكُونُ بِهَذِهِ الْمَوَادِّ التَّمْوِينِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام, وَقَدْ يَكُونُ الْاِغْنَاءُ بِالنُّقُودِ اَيْضاً وَخَاصَّةً فِي اَيَّامِنَا هَذِهِ فِي الْمُدُن, فَحِينَمَا اَخِي تُعْطِي الْفَقِيرَ مِنَ الْاَرُزِّ مَثَلاً, فَرُبَّمَا هُوَ لَيْسَ بِحَاجَةٍ اِلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ التَّمْوِينِيَّةِ, فَيَذْهَبُ لِبَيْعِهَا, فَيَلْقَى هَذَا الْفَقِيرُ مِنْ جَشَعِ التُّجَّارِ وَطَمَعِهِمْ وَاسْتِغْلَالِهِمْ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ كَانُوا فِيهَا مِنَ الزَّاهِدِينَ مَاهُوَ بِغِنَى عَنْهُ, نَعَمْ اَخِي, فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَمَسَّكُونَ بِحَرْفِيَّةِ النَّصِّ الصَّارِمَةِ, اَضَرُّوا بِالْفَقِيرِ, وَرُبَّمَا لَايُفْتُونَ لِمَصْلَحَةِ الْفَقِيرِ فِي فَتَاوِيهِمْ اَبَداً, وَاَمَّا رُوحُ النَّصِّ, فَتَاْبَى عَلَى الْفَقِيرِ ذَلِكَ؟ عَمَلاً بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام [لَاضَرَرَ وَلَاضِرَار(وَهُوَ قَاعِدَة شَرْعِيَّة مَعْرُوفَة(نَعَمْ اَخِي وَرُوحُ النَّصِّ تَقْتَضِي مِنْكَ اَنْ تَقْضِيَ حَوَائِجَ هَؤُلَاءِ, وَاَنْ تُغْنِيَهُمْ عَنِ السُّؤَالِ, وَكَمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْمَوَادِّ التَّمْوِينِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا رَسُولُ اللهِ, فَاِنَّهُ يَكُونُ كَذَلِكَ بِالنُّقُود, فَانْظُرْ اَخِي اِلَى رُوحِ النَّصِّ وَمَايَجْلِبُهُ اِلَى الشَّرِيعَةِ السَّمْحَاءِ مِنَ الْمُرُونَةِ! فَاِنِ احْتَجَّ عَلَيْنَا الْمُتَشَدِّدُونَ الْحَرْفِيُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى{اِنْ يَكُنْ غَنِيّاً اَوْ فَقِيراً فَاللهُ اَوْلَى بِهِمَا(فَاِنَّنَا نَقُولُ لَهُمْ: اِنَّ اللهَ ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ فِي مَعْرِضِ الْعَدْلِ, وَذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي مَعْرِضِ الْاِحْسَانِ وَالْاِغْنَاء, نَعَمْ اَخِي, وَلِذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ يَارَسُولَ الله, هَلْ اَكُونُ كَالْحَدِيدَةِ الصَّمَّاءِ؟ اَمْ كَالْحَدِيدَةِ اللَّيِّنَة؟ نَعَمْ اَخِي, حِينَمَا تُحَمِّي الْحَدِيدَ عَلَى النَّارِ, فَاِنَّكَ تَسْتَطِيعُ اَنْ تُطَوِّعَهُ وَمَعَ ذَلِكَ يَبْقَى حَدِيداً, وَكَذَلِكَ النَّصُّ الْقُرْآَنِيُّ اَوِ النَّبَوِيُّ, فَاِنَّكَ تَسْتَطِيعُ اَنْ تُطَوِّعَهُ لِمَا يُرْضِي اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَعَ ذَلِكَ يَبْقَى نَصّاً, وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ بَلْ كُنْ كَالْحَدِيدَةِ الْمُحَمَّاةِ؟ حَتَّى يَبْقَى هَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ بِنُصُوصِهِ الْقُرْآَنِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّةِ, صَالِحاً لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَان(وَنَحْنُ هُنَا نَتَكَلَّمُ عَنْ بَعْضِ فُرُوعِ الدِّينِ لَا عَنْ اُصُولِهِ مِنَ الْعَقَائِدِ وَغَيْرِهَا, فَلْيَحْذَرِ جَمِيعُ الْاِخْوَةِ اَنَّهُ مَانَبِيٍّ اَرْسَلَهُ اللهُ اِلَى قَوْمِهِ اِلَّا قَالَ لَهُمُ اعْبُدُوا اللهَ مَالَكُمْ مِنْ اِلَهٍ غَيْرُهُ, فَلَا مَجَالَ هُنَا اَبَداً لِتَطْوِيعِ عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ اِلَى مَايُرْضِي الصُّلْبَانَ الْخَنَازِيرَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ عَقِيدَةِ التَّثْلِيثِ الْبَاطِلَةِ وَغَيْرَهَا مِنَ الْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ وَالْعَيَاذُ بِالله) نَعَمْ اَخِي, فَاِنِ احْتَجَّ عَلَيْنَا الْحَرْفِيُّونَ الصَّارِمُونَ الْمُتَشَدِّدُونَ بِاَنَّهُمْ لَيْسُوا بِحَاجَةٍ اِلَى اَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ وَلَا اَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَاَنَّهُمْ يَكْتَفُونَ بِقَوْلِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاَنَّهُمْ بِغِنَى عَنْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْاَقْوَالِ مُسْتَدِلّينَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى{اَلْيَوْمَ اَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَاَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاِسْلَامَ دِيناً(فَاِنَّنَا نَقُولُ لَهُمْ: اِنَّ هَذَا مِنَ الْمُضْحِكِ الْمُبْكِي؟ لِاَنَّ كَلَامَكُمْ حَقُّ اُرِيدَ بِهِ بَاطِلٌ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ الَّتِي تُرِيدُونَ الِاسْتِغْنَاءَ بِهَا عَنْ غَيْرِهَا مِنَ الْاَقْوَالِ, هَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَفْهَمُهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا؟ فَمَا هِيَ الْفَائِدَةُ اِذاً؟ وَمَاهُوَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{فَاسْاَلُوا اَهْلَ الذّكْرِ اِنْ كُنْتُمْ لَاتَعْلَمُون( نَعَمْ اَخِي, اَنَا اَقْرَاُ الْقُرْآَن, وَاَنْتَ تَقْرَاُ الْقُرْآَن, وَهُنَاكَ اَيْضاً مِنَ الْاُمِّيِّينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلَى اللِه مَالَايَعْلَمُونَ وَيَقْرَؤُونَ الْقُرْآَن! وَهُنَاكَ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَايَعْلَمُونَ وَيَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ, وَمَعَ ذَلِكَ فَنَحْنُ نَرِيدُ اَهْلَ الِاخْتِصَاصِ فِي كُلِّ عِلْمٍ مِنَ الْعُلُوم, فَنَحْنُ حِينَمَا نَتَحَدَّثُ فِي مُشَارَكَاتِنَا عَنْ آَرَاءِ الْفُقَهَاءِ, فَهَلْ آَرَاءُ الْفُقَهَاءِ تَتَعَارَضُ مَعَ هَذِهِ النُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّة وَهَذِهِ نَاحِيَة؟ وَمِنَ النَّاحِيَةِ الْاُخْرَى, فَاِذَا تَعَارَضَتْ هَذِهِ الْآَرَاءُ مَعَ هَذِهِ النُّصُوصِ, فَلَاحُجَّةَ لِلْمُتَشَدِّدِينَ الْحَرْفِيِّينَ هُنَا اَيْضاً لِمَاذَا؟ لِاَنَّ كُلَّ اِمَامٍ مِنَ الْاَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ, كَانَ يَقُولُ لِتِلْمِيذِهِ: اِذَا رَاَيْتَ رَاْيِي يُخَالِفُ النَّصَّ الْقُرْآنِيَّ اَوِ النَّبَوِيَّ, فَاضْرِبْ بِهِ عُرْضَ الْحَائِطِ وَاعْمَلْ بِالنَّصّ(اِيَّاكَ اَخِي اَنْ تَقُولَ عَرْضَ الْحَائِطِ كَمَا يَنْطِقُهَا مَنْ يَحْمِلُ شَهَادَةَ الدُّكْتُورَاه الْمُخْزِيَة فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّة! بَلْ قُلْ عُرْضَ الْحَائِطِ بِمَعْنَى وَسَطِ الْحَائِط( نَعَمْ اَخِي فَلَاحَجَّةَ لِهَؤُلَاءِ الْحَرْفِيِّينَ الصَّارِمِينَ اَبَداً لِمَاذَا؟ لِاَنَّ رَسُولَ اللهِ اَقَرَّ الْقِيَاسَ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ, بِدَلِيلِ قَوْلِ مُعَاذ اَجْتَهِدُ رَاْيِي وَلَا آَلُو (وَلَااُقَصِّر( وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ, بَلْ ضَرَبَ فِي صَدْرِهِ رِضاً بِمَا يَصْنعُ, فَبِاللهِ عَلَيْكُمْ اَيُّهَا الْمُتَشَدِّدُونَ الْحَرْفِيُّون, مَنْ هُوَ جَدِيرٌ؟ وَمَنْ هُوَ اَهْلٌ لِهَذَا الْقِيَاس؟ وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ اَنْ نَعْتَمِدَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْقِيَاس؟ هَلْ نَضْرِبُ بِآَرَاءِ الْفُقَهَاءِ الْقِيَاسِيَّةِ عُرْضَ الْحَائِطِ ثُمَّ نَاْتِي اِلَى الْعَوَامِّ لِيَقِيسُوا لَنَا اُمُورَ دِينِنَا الْاَصْلِيَّةِ اَوِ الْفَرْعِيَّةِ وَيَخِيطُوهَا وَيُفَصِّلُوهَا عَلَى هَوَاهُمْ وَبِمَا يَقُولُونَ عَلَى اللِه مَالَايَعْلَمُون؟ نَعَمْ اَخِي, وَاِنَّكَ لَتَعْجَبُ اَشَدَّ الْعَجَبِ مِنْ وَقَاحَةِ بَعْضِ الْحَرْفِيِّينَ الْمُتَشَدِّدِينَ فِي قَوْلِهِمْ: هَاتُوا لَنَا حَدِيثاً صَحِيحاً عَنْ رَسُولِ اللهِ يُلْزِمُنَا بِاتِّبَاع ِاَبُو حَنِيَفَةَ اَوِ الشَّافِعِيِّ اَوْ مَالِك اَوْ اَحْمَد اَوِ الْاَوْزَاعِيِّ اَوْ غَيْرِهِمْ! وَنَقُولُ لِهَؤُلَاء: فِعْلاً كَلَامُكُمْ صَحِيح, فَلَايُوجَدُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ يَاْمُرُنَا بِاتِّبَاعِ هَؤُلَاءِ, وَلَكِنَّ كَلَامَكُمْ حَقُّ اُرِيدَ بِهِ بَاطِلٌ لِمَاذَا؟ لِاَنَّنَا مَاْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ الْعُلَمَاءِ سَوَاءً كَانُوا اَحْنَافاً اَوْ شَافِعِيَّةً اَوْ مَالِكِيَّةً اَوْ حَنْبَلِيَّةً اَوْ وَهَّابِيَّةً اَوْ تَيْمِيَّةً اَوْ سَلَفِيَّةً اَوْ خَلَفِيَّة, وَنَحْنُ نَدُورُ مَعَ الْحَقِّ كَيْفمَا دَارَ حَتَّى وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَقُّ مَعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالشِّيعَةِ اَوِ الصُّوفِيَّةِ! فَاِنَّنَا مَاْمُورُونَ بِاتِّبَاعِهِ لَا اتِّبَاعِهِمْ وَلَااتِّبَاعِ عَقَائِدِهِمُ الْبَاطِلَة بِدَلِيل{وَلَاتَبْخَسُوا النَّاسَ اَشْيَاءَهُمْ( نَعَمْ اَخِي, فَنَحْنُ مَاْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَفْهَمُونَ النُّصُوصَ وَيَسْتَنْبِطُونَ مِنْهَا الْاَحْكَامَ, فَهَلْ يَجُوزُ لَكَ شَرْعاً اَخِي اَنْ تَاْتِيَ اِلَى اَيِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ ثُمَّ تَقُولَ لَهُ اَنَا اخْتَرْتُكَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ جَمِيعاً لِتَسْتَنْبِطَ لِيَ الْاَحْكَامَ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّة؟ هَلْ يَقُولُ بِذَلِكَ عَاقِلٌ يَخَافُ اللهَ يَااَخِي؟ اَمْ هَذَا ضَلَالٌ مُبِين؟ نَعَمْ اَخِي, فَحِينَمَا تَشْتَكِي مِنْ وَجَعٍ فِي عَيْنَيْكَ مَثَلاً, فَهَلْ تَاْتِي اِلَى اِنْسَانٍ لَايَفْقَهُ شَيْئاً فِي طِبِّ الْعُيُونِ لِيُعَالِجَ لَكَ الْاَلَمَ اَوْ يُصَحِّحَ لَكَ بَصَرَكَ الضَّعِيفَ بِسَبَبِ انْحِرَافٍ اَوْ غُبَاشٍ اَوْ مَاءٍ زَرْقَاءَ فِي الْعُيُونِ اَوْ مَرَضٍ فِي شَبَكَيَّةِ الْعُيُونِ اَوْ مَرَضٍ فِي قَرْنِيَّتِهَا؟ اَمْ تَاْتِي لِتَسْاَلَ عَنْ اَطِبَّاءِ الْعُيُونِ لِيُقَالَ لَكَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ مِنَ النَّاسِ؟ لِتَسْاَلَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ جَدَارَتِهِمْ؟ لِيَخْتَارَ لَكَ النَّاصِحُونَ مِنَ النَّاسِ اَمْهَرَهُمْ, نَعَمْ اَخِي فَاِذَا اَتَيْتَ اِلَى اِنْسَانٍ لَايَفْقَهُ شَيْئاً فِي طِبِّ الْعُيُونِ؟ لِيُجْرِيَ لَكَ عَمَلِيَّةً جِرَاحِيَّةً فِي الْعُيُونِ, فَرُبَّمَا يُعْمِيكَ اَكْثَرَ فَاَكْثَرَ حَتَّى تَخْسَرَ نَاظِرَيْكَ, وَكَذَلِكَ اِذَا اَتَيْتَ اِلَى اِنْسَانٍ لَايَفْقَهُ شَيْئاً فِي دِينِكَ؟ فَرُبَّمَا يُعْمِي قَلْبَكَ اَكْثَرَ فَاَكْثَرَ حَتَّى تَسْتَسْلِمَ لِلشَّيْطَانِ وَتَخْسَرَ دِينَكَ وَاِيمَانَكَ, فَانْظُرْ اَخِي اِلَى دِعَايَةِ هَؤُلَاءِ الْخُبَثَاءِ الْحَرْفِيِّينَ الْمُتَشَدِّدِينَ وَالْقُرْآنِيِّينَ اَيْضاً وَمَا جَلَبُوا اِلَى هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ مِنْ هَدْرٍ لِثَقَافَتِنَا وَهَدْرٍ لِمَا جَاءَ بِهِ تُرَاثُنَا الْاِسْلَامِيُّ الرَّائِعُ الَّذِي وَرِثْنَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ مِنْ كُنُوزٍ فِقْهِيَّةٍ عَجِزَ عَنِ الْمَجِيءِ بِهَا كِبَارُ فَلَاسِفَةِ الْيُونَانِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبُلْدَانِ قَدِيماً وَحَدِيثاً, نَعَمْ اَخِي, وَلَايَخْفَى عَلَى كُلِّ ذِي لُبٍّ وَعَقْلٍ وَفَهْمٍ وَبَصِيرَةٍ وَاُفُقٍ وَاسِعٍ, اَنَّ هُنَاكَ اُمُوراً مُسْتَجِدَّةً طَارِئَةً فِي هَذَا الْعَصْرِ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ وَتَحْتَاجُ اِلَى اجْتِهَادٍ! لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً آَنَذَاكَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ اِلَى فَتْرَةٍ طَوِيلَة, فَجَاءَ عُلَمَاءُ الْفِقْهِ الْاِسْلَامِيِّ؟ لِيَقِيسُوا الْاَشْبَاهَ عَلَى النَّظَائِرِ مِنْ هَذِهِ الْاُمُورِ الْمُسْتَجَدَّةِ, ثُمَّ يُصْدِرُونَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ بِحَقّهَا, وَلِذَلِكَ اَخِي حِينَمَا نَاْخُذُ مِنَ الْفِقْهِ مَانَحْتَاجُهُ مِنْ اَحْكَامٍ, فَلَابُدَّ لَنَا مِنَ الرُّجُوعِ اِلَى كُتُبِ الْفِقْهِ لَا اِلَى الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَالَايَعْلَمُون, وَحِينَمَا نُرِيدُ اَنْ نَاْخُذَ مِنَ الْحَدِيثِ, فَاِنَّنَا نَرْجِعُ اِلَى كُتُبِ الْحَدِيث, وَحِينَمَا نَحْتَاجُ اِلَى التَّفْسِيرِ, نَرْجِعُ اِلَى كُتُبِ التَّفْسِيرِ, وَهَكَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلُّغَةِ اَيْضاً اِلَى كُتُبِ اللُّغَة, وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَاْخُذُ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ حَسَبَ اخْتِصَاصِه, وَاَمَّا اَنْ نَاْتِيَ اِلَى اِنْسَانٍ عَادِيٍّ مِنَ النَّاسِ غَيْرَ مُتَخَصِّصٍ! وَلَايَعْرِفُ شَيْئاً عَنْ شُرُوطِ الِاجْتِهَادِ! وَرُبَّمَا لَايَعْرِفُ الْمَنْصُوبَ مِنَ الْمَجْرُورِ! وَلَا الْفَاعِلَ مِنَ الْمَفْعُولِ! وَلَايَعْرِفُ الْمَجَازَ مِنَ الْحَقِيقَةِّ! وَلَايَعْرِفُ الْمُطْلَقَ مِنَ الْمُقَيَّدِ! وَلَا الْمُجْمَلَ مِنَ الْمُفَصَّلِ! وَلَا النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ! وَلَايَدْرِي شَيْئاً عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا! اِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُصْطَلَحَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الْفِقْهِيَّةِ الضَّرَورِيَّةِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِ اَنْ يَتَعَلَّمَهَا رَغْماً عَنْهُ! فَبِاللهِ عَلَيْكَ اَخِي! هَلْ هَذَا نَقُولُ لَهُ خُذْ مِنْ كِتَابِ اللهِ بِنَفْسِكَ وَمِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ وَلَا حَاجَةَ لَكَ اِلَى اَنْ تَاْخُذَ مِنْ فِقْهِ الْاِمَامِ الْاَعْظَمِ اَبُو حَنِيفَةَ وَلَا مِنْ فِقْهِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي فَاضَتْ بِحَارُ الْاَرْضِ وَاَنْهَارُهَا مِنْ عُلُومِهِ هُوَ وَشَيْخُهُ مَالِكٌ وَتِلْمِيذُهُ اَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل وَلَا مِنْ شَيْخِ الْاِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَلَا مِنَ الشَّيْخِ الْآَخَرِ لِلْاِسْلَامِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ(وَلَانُزَكِّي عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ اَحَداً مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا غَيْرَهُمْ وَلَا اَنْفُسَنَا اَيْضاً) اَمْ نَقُولُ لَهُ بَلْ اَنْتَ بِحَاجَةٍ اِلَى آَرَاءِ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء, نَعَمْ اَخِي فَمَا بَالُكَ اِذَا قُلْتُ لَكَ اَنَّ جَامِعَاتِ الْعَالَمِ الْاِسْلَامِيَّةَ كُلَّهَا تَاْخُذُ بِآَرَاءِ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء؟ فَهَلْ كُلُّ هَذِهِ الْجَامِعَاتِ عَلَى ضَلَالٍ اِلَّا هَؤُلَاءِ الْحَرْفِيِّينَ الْمُتَشَدِّدِينَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ اَنَّهُمْ عَلَى صَوَابٍ فِي تَجَاهُلِهِمْ لِهَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء! ثُمَّ اَيْنَ هَؤُلَاءِ الْحَرْفِيُّونَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{فَاسْاَلُوا اَهْلَ الذِّكْرِ اِنْ كُنْتُمْ لَاتَعْلَمُون( نَعَمْ اَخِي, كَانَ الْاِمَامُ مُحَمَّد عَبْدُهُ رَحِمَهُ اللهُ فَقِيهاً عَظِيماً فِي الْمَدْرَسَةِ الْعَقْلِيَّة, وَلَكِنَّهُ مَعَ الْاَسَفِ كَانَ مُغَالِياً فِيهَا وَمُبَالِغاً كَمَا كَانَ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْ قَبْلِهِ اَيْضاً عَلَى نَفْسِ الْمِنْوَال, وَلَكِنَّ هَذَا لَايَحْمِلُنَا عَلَى تَجَاهُلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَقِّ هَذَا الِاْمَامِ وَاَمْثَالِهِ[لَايَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِناً, اِنْ كَرِهَ مِنْهُ خُلُقاً رَضِيَ مِنْهُ خُلُقاً آَخَر(وَاِنْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ, وَلَكِنَّهُ فِي حَقِّ الْاُخُوَّةِ الْاِيمَانِيَّةِ مِنْ بَابِ اَوْلَى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَعَسَى اَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ(فَبَدَاَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآَيَةِ بِمُبَشِّرَاتٍ مِنَ الْخَيْرِ مِمَّا نَكْرَهُ, وَلَمْ يَبْدَاْ بِمَا نُحِبُّ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ حَقِيقَةَ اِيمَانِكَ اَخِي تَظْهَرُ اَوّلاً فِي مَاتَكْرَهُ كُرْهاً صَحِيحاً لِلشَّرِّ, وَكُرْهاً خَاطِئاً مُحَرَّماً لِلْخَيْرِ الَّذِي تَحْسَبُهُ شَرّاً لَكَ, قَبْلَ اَنْ تَظْهَرَ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ فِي مَا تُحِبُّ حُبّاً صَحِيحاً مِنَ الْخَيْرِ, وَحُبّاً خَاطِئاً مُحَرَّماً لِلشَّرِّ الَّذِي تَحْسَبُهُ خَيْراً لَكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ(فَبَدَاَ سُبْحَانَهُ هُنَا بِكُرْهِكَ لِلطَّاغُوتِ وَكُفْرِكَ بِهِ وَعَدَاوَتِكَ لَهُ, قَبْلَ اَنْ يَبْدَاَ بِمَحَبَّتِكَ لِلهِ فِي قَوْلِهِ{وَيُؤْمِنْ بِالله( نَعَمْ اَخِي وَالْكُرْهُ وَالْمَحَبَّةُ هُنَا صَحِيحَان, وَاَمَّا الْكُرْهُ وَالْمَحَبَّةُ هُنَاكَ فِي قَوْلِهِ{وَعَسَى اَنْ تَكْرَهُوا {وَعَسَى اَنْ تُحِبُّوا( فَهُمَا خَاطِئَانِ غَالِباً نَعَمْ اَخِي, فَجَاءَ رَجُلٌ اِلَى مَجْلِسِ الْاِمَامِ مُحَمَّدٍ عَبْدُهُ, فَقَالَ لَهُ: اَنْتُمْ تَقُولُونَ اَنَّ الْقُرْآَنَ يَحْتَوِي عَلَى كُلِّ شَيْء! فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ اِنَّهُ شَرِيعَةٌ مُتَكَامِلَةٌ فِيهَا كُلُّ شَيْء, فَقَالَ لَهُ: اُرِيدُ اَنْ اَسْاَلَكَ سُؤَالاً عَنْ قَفّيزٍ(كَمِّيَّةٍ( مِنَ الْحِنْطَةِ اَوِ الطَّحِينِ كَمْ اُقَّةُ(رَغِيفِ(خُبْزٍ يَسْتَطِيعُ الْعَجَّانُ اَنْ يَصْنَعَ مِنْهُ خُبْزاً؟ فَرَفَعَ الْاِمَامُ سَمَّاعَةَ الْهَاتِفِ وَطَلَبَ الْفَرَّانَ لِيَسْاَلَهُ! فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: سَاَلْتُكَ اَنْتَ شَخْصِيّاً وَلَا اُرِيدُ اَنْ اَسْاَلَ الْفَرَّانَ! اَلَسْتَ تَزْعُمُ اَنَّ الْقُرْآَنَ شَرِيعَةٌ كَامِلَةٌ فِيهَا كُلُّ شَيْء؟ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ فِيهَا كُلُّ شَيْءٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{فَاسْاَلُوا اَهْلَ الذّكْرِ اِنْ كُنْتُمْ لَاتَعْلَمُون(فَهَذِهِ الْآَيَةُ تُثْبِتُ اَنَّ الْقُرْآَنَ يَحْتَوِي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؟ لِاَنَّهَا تَاْمُرُنَا اَنْ نَبْحَثَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْمُسَمَّيَاتِ الَّتِي عَلَّمَهَا اللهُ لِآَدَمَ وَكَانَتْ تَجْهَلُهَا الْمَلَائِكَةُ بِقَوْلِهَا{سُبْحَانَكَ رَبَّنَا لَاعِلْمَ لَنَا اِلَّا مَاعَلَّمْتَنَا( فَقَالَ لَهُ: وَلَكِنَّ اللهَ عَلَّمَ آَدَمَ الْاَسْمَاءَ كُلَّهَا وَنَحْنُ اَبْنَاؤُهُ, فَمَا حَاجَتُهُ وَحَاجَتُنَا اِلَى الْقُرْآَن؟ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ عَلَّمَهُ الْاَسْمَاءَ كُلَّهَا, وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ بِحَاجَةٍ اِلَى كَلَامِ اللهِ مِنَ الْقُرْآَنِ وَغَيْرِهِ بِدَلِيل{وَلَقَدْ عَهِدْنَا اِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ, فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمَا(نَعَمْ اَخِي, وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ الْاِمَامُ: اَنَا لَا اَدْرِي شَيْئاً عَنِ الْقَفِّيزِ وَكَمْ يَصْنَعُ مِنْ اَرْغِفَةِ الْخُبْزِ اِلَّا اِذَا سَاَلْتُ اَهْلَ الِاخْتِصَاصِ وَهُمُ الطَّحَّانُونَ وَالْعَجَّانُونَ وَالْخَبَّازُونَ والْفَرَّانُون, وَالْقُرْآَنُ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً عَنِ الطَّحِينِ وَلا الْعَجِينِ وَلَا كَمْ يَسْتَطِيعَانِ اَنْ يَصْنَعَا مِنْ اَرْغِفَةِ الْخُبْزِ, وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُمَا فِي قَوْلِهِ {فَاسْاَلُوا اَهْلَ الذِّكْرِ(وَالْقُرْآَنُ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً عَنْ تَحْرِيمِ الْوَشْمِ, وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ تَحْرِيمَهُ فِي قَوْلِهِ{مَاآَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ, وَمَانَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( نَعَمْ اَخِي, وَحِينَمَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً(فَهِمَهُ عُمَرُ فَهْماً, وَفَهِمَهُ عَلِيٌّ فَهْماً آَخَرَ, فَنَزَلَ عُمَرُ عَلَى فَهْمِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا, نَعَمْ اَخِي, فَاِذَا كَانَ عُمَرُ مِنْ كِبَارِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَيَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْاَمْرُ! فَمَا بَالُنَا بِالنَّاسِ الْعَادِيِّين؟ هَلْ نَاْمُرُهُمْ اَنْ يَبْحَثُوا بِاَنْفُسِهِمْ عَنِ الْعَقَائِدِ وَالْاَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ دُونِ الرُّجُوعِ اِلَى عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَاَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَاَتْبَاعِهِمْ اِلَى يَوْمِنَا هَذَا اِلَى قِيَامِ السَّاعَة؟ هَلْ بَحَثَ عُمَرُ بِنَفْسِهِ عَنِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَمْلِ وَالْفِصَالِ وَالسَّبْعَةِ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى وَاحِدٍ فَقَتَلُوهُ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْاَةِ اللَّذَيْنِ رَآَهُمَا يَزْنِيَانِ بِاُمِّ عَيْنَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ كَثِيرَةٍ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ مُتَجَاهِلاً وُزَرَاءَهُ وَحَاشِيَتَهُ مِنَ الصَّحَابَة؟ مَاذَا لَوْ بَحَثَ وَلَمْ يَجِدْ بُغْيَتَهُ؟ نَعَمْ اَخِي, اِنَّهُ لَجَهْلٌ مُرَكَّبٌ لَامَثِيلَ لَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْحَرْفِيِّينَ وَمَنْ خَدَعُوهُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّاسِ الْبُسَطَاءِ الَّذِينَ قَالُوا لَهُمْ اَنْتُمْ مَاْمُورُونَ بِالْاَخْذِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَقَطْ لَاغَيْر وَمَالَكُمْ وَلِلْفَقِيهِ فُلَان وَلِلْفَقِيهِ الْآَخَر وَلِمَاذَا تُوجِعُونَ رُؤُوسَكُمْ وَتُتْعِبُونَ اَنْفُسَكُمْ فِيمَا لاَطَائِلَ تَحْتَهُ وَلَافَائِدَةَ مِنْهُ؟ وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ: اِنَّهَا كَلِمَةٌ ظَاهِرُهَا الرَّحْمَةُ وَبَاطِنُهَا مِنْ قِبَلِهَا فِيهِ الْعَذَابُ وَالْعَيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى, نَعَمْ اَخِي{يَااَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اَطِيعُوا اللهَ, وَاَطِيعُوا الرَّسُول( نَعَمْ اَخِي, اَطِيعُوا, وَاَطِيعُوا, اِنَّهُ اَمْرٌ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ بِتَكْرَارِ كَلِمَةِ اَطِيعُوا لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الرَّسُولَ اَحْيَاناً يَاْتِي بِحُكْمٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ فِي الْقُرْآَن, وَرَبُّنَا هُوَ الَّذِي اَجَازَ لَهُ اَنْ يَكُونَ مُشَرِّعاً, وَلِذَلِكَ تَكَرَّرَتْ كَلِمَةُ اَطِيعُوا مَرَّتَيْنِ, بِمَعْنَى اَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَايُشَرِّعُ مِنْ عِنْدِهِ اَوْ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ, بَلْ بِاِجَازَةٍ لَا مِنْ جَامِعَاتِ الصُّلْبَانِ الْخَنَازِيرِ الْخَوَنَةِ فِي اُورُوبَّا وَبَارِيسَ وَلَنْدَنْ وَرُوسْيَا, وَاِنَّمَا بِاِجَازَةٍ مِنَ اللهِ سُبْحَانَه, نَعَمْ اَخِي, وَلِذَلِكَ{اَطِيعُوا اللهَ, وَاَطِيعُوا الرَّسُولَ, وَلَاتُبْطِلُوا اَعْمَالَكُمْ( نَعَمْ اَخِي, وَكَمَا نَقُولُ دَائِماً: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَاْخُذُ مِنَ الْقُرْآَنِ حَسَبَ اخْتِصَاصِه, فَمَثَلاً هُنَاكَ مِنْ يُفَسِّرُ تَفْسِيراً عَامّاً قَوْلَهُ تَعَالَى{لَاتُبْطِلُوا اَعْمَالَكُمْ( فَمَثَلاً نَنْظُرُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ, فَنَرَى اَنَّ الْقُرْآَنَ ذَكَرَ لَنَا اَشْيَاءَ تُبْطِلُ ثَوَابَ الْعَمَل, فَمَثَلاً قَوْلُهُ تَعَالَى{يَااَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَاتُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْاَذَى(نَعَمْ اَخِي فَهَذِهِ الْآَيَةُ تَحَدَّثَتْ عَنِ الصَّدَقَة, نَعَمْ اَخِي, بَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّ اَنَّ الصَّدَقَةَ لَاتَكُونُ اِلَّا فِي الْمَالِ فَقَطْ! وَنَقُولُ لِهَؤُلَاء: بَلْ كُلُّ مَعْرُوفٍ مِنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ يُعْتَبَرُ صَدَقَةً عِنْدَ الله, فَاِذَا حَصَلَ فِيهِ الرِّيَاءُ اَوِ الْمَنُّ, بَطَلَ ثَوَابُهُ عِنْدَ الله, وَلِذَلِكَ يَقُولُ سُبْحَانَهُ {لَاتُبْطِلُوا(اَيْ لَاتُفْسِدُوا اَعْمَالَكُمْ وَمِنْهَا صَدَقَاتِكُمْ, اَيْ لَاتُضَيِّعُوا ثَوَابَهَا بِشَيْئَيْنِ: بِالْمَنِّ, وَالْاَذَى, نَعَمْ اَخِي, وَالْمَنُّ هُوَ: اَنْ تَذْكُرَ فَضْلَكَ عَلَى اَخِيكَ وَتَقُولَ لَهُ مَثَلاً: اَنْتَ لَوْلَا اَنَا لَحَدَثَ لَكَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَصَائِب, فَتَجْرَحُهُ وَتَجْرَحُ كَرَامَتَهُ اَمَامَ النَّاسِ اَوْ بَيْنَكَ وَبَيْنَه, نَعَمْ اَخِي, وَقَدْ كُنَّا نَزْرَعُ فِي اَرَاضِينَا الزِّرَاعِيَّةِ نَبْتَةَ الْفُولِ, فَتَاْتِي نَبْتَةٌ اُخْرَى تُسَمَّى الْمَنَّ, فَتُحْرِقُ الْفُولَ الَّذِي نَزْرَعُهُ, مِمَّا يُؤَدِّي اِلَى خَرَابِ مَوْسِمِ الْفُولِ, وَلَايَبْقَى لَنَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْفُولِ لِنَبِيعَهُ؟ لِاَنَّ لَوْنَهُ يَصِيرُ اَسْوَدَ, وَحَتَّى اَيَادِينَا يُصْبِحُ لَوْنُهَا اَسْوَدَ حِينَمَا نَقْطُفُهُ وَنَجْنِيه, وَلِذَلِكَ اَخِي الْاِنْسَان, اِيَّاكَ اَنْ تُخْرِبَ ثَوَابَ عَمَلِكَ مِنَ الصَّدَقَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَعْرُوفِ وَالْعَدْلِ وَالْاِحْسَانِ وَالْجَمِيل, وَاِيَّاكَ اَنْ تُحْرِقَهُ بِالْمَنِّ كَمَا احْتَرَقَ هَذَا الْفُول, الَّذِي كُنَّا نُرِيدُ اَنْ نَبِيعَهُ مَكْيُول, فَذَهَبَ تَعَبُنَا اَدْرَاجَ الرِّيَاحِ وَاَصَابَتْنَا الْحَسْرَةُ وَالْاَلَمُ فِي جِسْمٍ مَعْلُول, فَحَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ اِنَّا اِلَى اللهِ رَاغِبُونَ مِنْ فَضْلِهِ بِالتَّعْوِيضِ الْبَدِيل, مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيل, وَاِنَّا لِلهِ وَاِنَّا اِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل, وَنُفَوِّضُ اَمْرَنَا اِلَى اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ وَهُوَ خَيْرُ مَاْمُول, لَا اِلَهَ اِلَّا اَنْتَ سُبْحَانَكَ اِنَّا كُنَّا مِنَ الظَّالِمِين, رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَاِسْرَافَنَا فِي اَمْرِنَا وَثَبِّتْ اَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ يَارَزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ وَيَا رَحْمَنُ يَارَحِيمُ يَاجَلِيل, نَعَمْ اَخِي{لَاتُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْاَذَى(فَاِذَا فَعَلْتَ اَخِي مَعْرُوفاً مَعَ اِنْسَانٍ مَا! فَلِمَاذَا تُرِيدُ اَنْ تَسْتَعْبِدَهُ؟ وَلِمَاذَا تُرِيدُ اَنْ يَكُونَ رَهْنَ اِشَارَتِكَ فِيمَا لَايُرْضِي اللهَ؟ نَعَمَ اَخِي, كُلُّ ذَلِكَ يُبْطِلُ ثَوَابَ الصَّدَقَة, نَعَمْ اَخِي, وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: مِمَّا يُبْطِلُ الطَّاعَاتِ, ارْتِكَابُ الْكَبَائِر, نَعَمْ اَخِي, وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مَثَلاً: اِنْسَانٌ يَصُومُ وَلَايُصَلّي, وَلَكِنَّهُ يَعْتَقِدُ اَنَّ الصَّلَاةَ فَرْضٌ عَلَيْهِ, وَيَعْتَرِفُ اَنَّهُ مُسْتَهْتِرٌ بِهَا, وَلَكِنَّهُ لَايُصَلّي كَسَلاً, فَهَلْ اِذَا صَامَ قُبِلَ مِنْهُ؟ اَمْ لَايُقْبَل؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: بَلْ يُقْبَلُ, وَلَكِنْ لَاثَوَابَ لَهُ عَلَى الصَّوْمِ, وَاِنَّمَا اَسْقَطَ عَنْهُ فَرِيضَةَ الصَّوْمِ فَقَطْ, دُونَ اَنْ يَكُونَ لَهُ ثَوَابٌ عَلَى صَوْمِهَا(وَكَاَنَّهُ صَامَ رَفْعاً لِلْعَتَبِ كَمَا يُقَالُ(لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً اَبْطَلَتْ ثَوَابَ الصَّوْمِ, اَلَا وَهِيَ تَرْكُ الصَّلَاةِ كَسَلاً, نَعَمْ اَخِي, فَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْكَبَائِرِ اَنَّهَا تُبْطِلُ الطَّاعَاتِ: اَيْ تُبْطِلُ ثَوَابَ الطَّاعَاتِ, نَعَمْ اَخِي, وَكَذَلِكَ الْكَبَائِرُ تُبْطِلُ تَكْفِيرَ السَّيِّآَتِ مِنْ صَغَائِرِ الذُّنُوبِ, وَلِذَلِكَ لَايُكَفّرُهَا, بِمَعْنَى اَنَّ اللهَ لَايَمْحُو صَغَائِرَ الذُّنُوبِ عَنْ مُرْتَكِبِهَا حَتَّى يَتَخَلَّى اَوّلاً عَنْ كَبَائِرِهَا بِدَلِيل{اِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَاتُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيِّآَتِكُمْ(وَاِلَّا{تَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ, وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِهَذَا الْكِتَابِ لَايُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَاكَبِيرَةً اِلَّا اَحْصَاهَا{وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ( وَاَمَّا مَنْ يَتَخَلَّى عَنْ كَبَائِرِ الذّنُوبِ وَيَسْتَغْفِرُ نَصُوحاً وَيَتُوبُ نَصُوحاً نَادِماً, فَاِنَّ اللهَ يُضَاعِفُ لَهُ الْحَسَنَاتِ اِلَى دَرَجَةِ اَنَّهُ{مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ( نَعَمْ اَخِي{وَلَاتُبْطِلُوا اَعْمَالَكُمْ(ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ مُسْتَدِلّينَ بِهَذِهِ الْآَيَةِ اِلَى اَنَّ الْمُتَنَفّلَ اِذَا شَرَعَ فِي النَّفْلِ وَجَبَ عَلَيْهِ اِتْمَامُهُ, نَعَمْ اَخِي, فَالْمُتَنَفّلُ فِي بِدَايَةِ الْاَمْرِ لَيْسَ مُلْزَماً بِالنَّافِلَةِ كَنَافِلَةِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَثَلاً, لَكِنَّهُ مَادَامَ قَدْ بَاشَرَ بِالْاِحْرَامِ بِهِمَا, فَقَدْ اَلْزَمَ نَفْسَهُ, وَعَلَيْهِ اَنْ يُتَمِّمَ مَابَدَاَ بِهِ مِنْ هَذِهِ النَّافِلَة, نَعَمْ اَخِي, وَاسْتَنَدَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِهَذِهِ الْآَيَةِ عَلَى وُجُوبِ اِتْمَامِ النَّافِلَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى{وَلَاتُبْطِلُوا اَعْمَالَكُمْ(بِمَعْنَى اَنَّكَ اَخِي بَدَاْتَ بِعَمَلِ الْخَيْرِ وَلَوْ كَانَ نَفْلاً وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَرِيضَة, فَلَايَجُوزُ لَكَ اَنْ تُبْطِلَهُ, فَاِذَا اَبْطَلْتَهُ, كَانَ وَاجِباً عَلَيْكَ اَنْ تُعِيدَهُ, فَمَثَلاً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: لَوْ اَنَّ اِنْسَاناً صَامَ نَفْلاً يَوْمَ الِاْثْنَيْنِ مَثَلاً, ثُمَّ خِلَالَ النَّهَارِ اَفْطَرَ, فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ هَذَا الْيَوْمِ؟ لِاَنَّهُ بَدَاَ بِهِ, وَاَمَّا قَبْلَ اَنْ يَبْدَاَ بِهِ, فَهُوَ حُرٌّ اِنْ اَرَادَ اَنْ يَتَجَاهَلَ صِيَامَهُ وَلَاشَيْءَ عَلَيْهِ(وَنَحْنُ هُنَا نَتَحَدَّثُ عَنِ النَّافِلَةِ, وَاَمَّا الْفَرْضُ فَلَاحُرِّيَّةَ لَهُ مُطْلَقاً, اِلَّا اِذَا كَانَ مَرِيضاً اَوْ مُسَافِراً اَوْ حَائِضاً اَوْ نُفَسَاءَ, فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ, اِلَّا لِمَنْ لَايَسْتَطِيعُ الْقَضَاءَ, فَعَلَيْهِ الْفِدْيَة( وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مَثَلاً آَخَرَ: حِينَمَا يَبْدَاُ بِصَلَاةِ السُّنَّةِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ اَجْلِ السَّفَرِ, فَجَاءَ الْمُسَافِرُونَ مَعَهُ مِنْ اَجْلِ اَنْ يَسْتَعْجِلُوهُ؟ حَتَّى لَاتَفُوتَهُمُ الطَّائِرَةُ اَوْ يَفُوتَهُمُ الْقِطَارُ مَثَلاً, فَسَلَّم وَخَرَجَ مِنَ الصَّلَاةِ قَاطِعاً لَهَا, فَهُنَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: وَجَبَ عَلَيْهِ اِعَادَتُهَا لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ بَدَاَ بِهَا وَلَمْ يُكْمِلْهَا, فَوَقَعَ فِي الْمَحْظُورِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَلَاتُبْطِلُوا اَعْمَالَكُمْ( فَمَا دُمْتَ اَخِي قَدْ بَدَاْتَ بِفِعْلِ خَيْرٍ, فَيَجِبُ عَلَيْكَ اِتْمَامُهُ, نَعَمْ اَخِي, وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مَثَلاً آَخَرَ: فَلَوْ اَنَّكَ مَثَلاً اَخِي تَقُودُ سَيَّارَتَكَ فِي بَلَدٍ بَعِيدَةٍ اَوْ فِي قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ فِي الْجَبَلِ اَنْتَ مُقِيمٌ فِيهَا مَعَ عَائِلَتِكَ وَاَوْلَادِكَ اَوْ فِي مِنْطَقَةٍ مَقْطُوعَة, فَجَاءَ اِنْسَانٌ فِي وَقْتٍ مُتَاَخِّرٍ مِنَ اللَّيْلِ يَبْحَثُ عَمَّنْ يُوصِلُهُ اِلَى مَدِينَةِ طَرْطُوسَ مَثَلاً, فَالْتَقَيْتَ بِهِ وَاَوْقَفْتَ لَهُ سَيَّارَتَكَ, ثُمَّ عَرَضْتَّ عَلَيْهِ مُتَبَرِّعاً اَنْ تُوصِلَهُ بِالْمَجَّانِ اِلَى مُبْتَغَاهُ, ثُمَّ قُلْتَ لَهُ لَااُرِيدُ مِنْكَ اُجْرَةً بَلْ سَاُوصِلُكَ اِلَى الْمَكَانِ الَّذِي تُرِيدُ لِوَجْهِ الله, ثُمَّ قَطَعْتَ بِهِ بِسَيَّارَتِكَ نِصْفَ الْمَسَافَةِ, ثُمَّ طَرَاَ طَارِىءٌ فُجَائِيٌّ اَحْوَجَكَ اَنْ تَعُودَ اِلَى الْمَكَانِ الَّذِي اَوْصَلْتَهُ مِنْهُ ؟ لِتُغِيثَ مَنِ اسْتَنْجَدَ بِكَ مِنْ عَائِلَتِكَ وَاَوْلَادِكَ عَبْرَ الْهَاتِفِ الْمَحْمُولِ مَثَلاً, فَقُلْتَ لَهُ اَنَا لَااُرِيدُ مِنْكَ اُجْرَةً, وَلَكِنِّي لَنْ اُكْمِلَ مَعَكَ الطَّرِيقَ اِلَى نِهَايَتِهِ, فَانْزِلْ هُنَا عَلَى الرَّحْبِ وَالسَّعَةِ, وَابْحَثْ عَمَّنْ يُكْمِلُ مَعَكَ الطَّرِيقَ اِلَى الْمَكَانِ الَّذِي تُرِيدُ اَنْ تَصِلَ اِلَيْهِ فِي هَذَا اللَّيْلِ الْمُوحِشِ الْبَهِيمِيّ! فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ شَرْعاً؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي السَّائِقُ الْمُتَبَرِّع: لَايَجُوزُ ذَلِكَ شَرْعاً لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ مِنَ الْجَائِزِ اَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ اِلَى هَلَاكِ هَذَا الْاِنْسَان؟ بِسَبَبِ قُطَّاعِ الطُّرُقِ اَوِ الضِّبَاعِ اَوِ الْكِلَابِ الْمَسْعُورَةِ الَّتِي تَنْتَشِرُ بِكَثْرَةٍ فِي اللَّيْل, فَاَنْتَ اَخِي السَّائِقُ بَدَاْتَ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ هَذَا الْاِنْسَانِ, فَوَجَبَ عَلَيْكَ شَرْعاً اَنْ تُتِمَّهُ وَلَوْ لَمْ تَاْخُذْ مِنْهُ اُجْرَةً وَهَذَا رَاْيُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّة, وَاَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: اِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى عَدَمِ اِتْمَامِ الْمَعْرُوفِ ضَرَرٌ يَقَعُ عَلَى اِنْسَانٍ كَهَذَا الضَّرَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَثَلاً مِنْ وُحُوشِ الطُّرُقِ وَقُطَّاعِهَا, فَلَايَجِبُ اِتْمَامُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَة, فَمَثَلاً اَخِي الْفَلَّاحُ فِي الْقَرْيَةِ: اَنْتَ وَعَدْتَّ جَارَكَ مَثَلاً اَنَّكَ غَداً سَتُعْطِيهِ الْمِحْرَاثَ لِيَحْرُثً الْاَرْضَ, فَاعْتَمَدَ جَارُكَ عَلَى وَعْدِكَ لَهُ, وَاَحْضَرَ السَّمَادَ وَالْبِذَارَ وَغَيْرَهَا مِنْ مُسْتَلْزَمَاتِ الزَّرْعِ, فَهُنَا يَجِبُ عَلَيْكَ اَنْ تُوفِيَ بِالْعَهْدِ وَلَوْ كُنْتَ مُتَبَرِّعاً عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّكَ وَعَدْتَّهُ عَلَى ذَلِكَ لِمَاذَا اَيْضاً؟ لِاَنَّكَ اِذَا وَعَدْتَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَخَالَفْتَ الْعَهْدَ اَوِ الْوَعْدَ, اَلْحَقْتَ بِهِ الضَّرَرَ, وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الْاَرْبَعَة حَنَفِيّ وَمَالِكِيّ وَشَافِعِيّ وَحَنْبَلِيّ, لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ مَيَّزُوا فِي نَاحِيَةٍ وَقَالُوا: اِذَا كَانَ الْاَمْرُ اَمْرَ صَلَاةٍ اَوْ صَوْمٍ اَوْعِبَادَاتٍ, وَبَدَاْتَ بِهِ وَلَمْ تُتْمِمْهُ, فَاِنَّهُ لَايَتَضَرَّرَ اَحَدٌ مِنَ النَّاسِ, وَلَايَتَضَرَّرُ الْوَاحِدُ الْاَحَدُ اَيْضاً سُبْحَانَهُ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكَ وَعَنْ عِبَادَتِكَ, وَلَوْ اَنَّكَ لَاتَسْتَطِيعُ اَنْ تَسْتَغْنِيَ اَنْتَ عَنْ شُكْرِهِ بِهَذِهِ الْعِبَادَة, وَلِذَلِكَ فَاِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ: مَيَّزُوا *بَيْنَ التَّبَرُّعِ لِلنَّاسِ بِالنَّافِلَةِ الَّذِي يُؤَدِّي عَدَمُ اِتْمَامِهِ اَوْ اِكْمَالِهِ اِلَى اِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالنَّاسِ ,فَيَجِبُ عَلَيْهِ اِتْمَامُهُ, فَاِذَا لَمْ يُلْحِقْ ضَرَراً بِالنَّاسِ, فَلَايَجِبُ عَلَيْهِ اِتْمَامُهُ, وَ*بَيْنَ التَّبَرُّعِ لِلْخَالِقِ سُبْحَانَهُ بِالنَّافِلَةِ الَّذِي لَايُؤَدِّي وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ وَلَاعَدَمُ اِتْمَامِهِ اِلَى اِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْخَالِقِ وَلَا بِالنَّاسِ, فَلَايَجِبُ عَلَيْهِ اِتْمَامُهُ فِي كُلِّ الْحَالَاتِ وَلَا اِعَادَتُهُ وَلَاقَضَاؤُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ, خِلَافاً لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ اَوْجَبُوا اِتْمَامَهُ فِي كُلِّ الْحَالَاتِ, فَاِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ اِتْمَامَهُ بِسَبَبِ عُذْرٍ قَاهِرٍ, فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عِنْدَهُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَادَاتِ, وَيَجِبُ عَلَيْهِ اِذَا كَانَ مُتَبَرِّعاً لِلنَّاسِ وَخُيِّرَ بَيْنَ ضَرَرَيْنِ لَاحَلَّ وَسَطَ يُرْضِي الْجَمِيعَ بَيْنَهُمَا, اَنْ يَخْتَارَ الضَّرَرَ الْاَخَفَّ, وَيُحَاوِلَ مَثَلاً اَنْ يُؤَمِّنَ مَنْ تَبَرَّعَ لَهُ اِلَى مَدِينَةِ طَرْطُوسَ بِسَيَّارَةٍ اُخْرَى, ثُمَّ يَعُودَ اِلَى الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ مُضْطَّرٌّ اَنْ يَعُودَ اِلَيْهِ بِاَقْصَى سُرْعَةٍ ؟ لِيُغِيثَ مَنِ اسْتَنْجَدَ بِهِ مِنْ عَائِلَتِهِ وَاَوْلَادِهِ عَبْرَ الْهَاتِفِ الْمَحْمُولِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمِثَالِ السَّابِق.. فَبِاللهِ عَلَيْكَ اَخِي, هَؤُلَاءِ الْحَرْفِيُّونَ الْمُتَشَدِّدُونَ الَّذِينَ يَدْعُونَ اِلَى نَبْذِ اَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ! وَاَنْ يَبْحَثَ كُلُّ مُسْلِمٍ فِي الْقُرْآَنِ وَالسُّنَّةِ بِنَفْسِهِ عَنِ الْاَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ! دُونَ الِاسْتِعَانَةِ بِالْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ! هَلْ يَفْهَمُونَ هَذَا الْمَفْهُومَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اَقْوَالِ الْفُقَهَاء؟ هَلْ يَفْهَمُونَ هَذَا الْمَعْنَى مَهْمَا قَرَؤُوا مِنَ الْآَيَاتِ وَالْاَحَادِيثِ الصَّحِيحَة؟ هَلْ يَسْتَطِيعُونَ اَنْ يَكْتَشِفُوا هَذِهِ الْمَفَاهِيمَ مَهْمَا بَحَثُوا وَاقْتَصَرُوا عَلَى تَعَبِهِمْ وَجُهْدِهِمْ؟ وَمَهْمَا زَعَمُوا اَنَّهُمْ رِجَالٌ كَمَا اَنَّ الْفُقَهَاءَ الْقُدَامَى رِجَال؟ نَعَمْ اَخِي, هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءُ الْعِظَامُ, مَاذَا اَسَاؤُوا لَنَا؟ لَقَدْ غَاصُوا بِكَ اَخِي, وَتَعَمَّقُوا مَعَكَ اِلَى اَغْوَارِ هَذِهِ الْآَيَة, بَلْ اِلَى اَغْوَارِ آَيَاتٍ كَثِيرَةٍ, وَاسْتَخْرَجُوا اللُّؤْلُؤَ الْمَكْنُونَ مِنْ اَجْمَلِ الْاَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ الشَّرْعِيَّة الَّتِي تُنَشِّطُ الرِّيَاضِيَّاتِ الذّهْنِيَّةِ فِي عُقُولِنَا, اَلَيْسَ ذَلِكَ خَيْرٌ لَنَا مِنْ اَنْ نَقْضِيَ مُعْظَمَ اَوْقَاتِنَا فِي حَلِّ الْكَلِمَاتِ الْمُتَقَاطِعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ تَوَافِهِ الْاُمُورِ وَسَفَاسِفِهَا فِيمَا لَاطَائِلَ تَحْتَهُ وَلَانَتَيجَةَ وَلَافَائِدَةَ تُذْكَرُ اِلَّا ضَيَاعُ الْوَقْتِ؟ فَكَيْفَ تَاْتِي اَخِي وَتَقُولُ: لَااُرِيدُ اَنْ اَفْهَمَ الْقُرْآَنَ عَلَى فَهْمِ الْفُقَهَاءِ الْاَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ! بَلْ اُرِيدُ اَنْ اَفْهَمَ الْقُرْآَنَ وَالسُّنَّةَ وَحْدِي دُونَ مُشَارَكَةِ اَحَدٍ مِنْهُمْ! وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: هَذَا شَيْءٌ هُرَاءٌ, وَشَيْءٌ فِيهِ ضَلَالٌ وَاِضْلَالٌ وَالْعَيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى؟ لِاَنَّكَ اَخِي لَاتَسْتَطِيعُ مَهْمَا عَلَا شَاْنُكَ, اَنْ تَسْتَغْنِيَ عَنْ خِبْرَةِ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ, كَمَا اَنَّكَ لَاتَسْتَطِيعُ اَنْ تَسْتَغْنِيَ عَنْ خِبْرَةِ الْخُبَرَاءِ فِي اسْتِخْرَاجِ النَّفْطِ فِي بَلَدِكَ الَّذِي اكْتَشَفُوا فِيهِ وَلَوْ حُقُولاً هَائِلَةً مِنَ النَّفْطِ وَالْغَاز, فَهَلْ تَاْتِي وَتَقُولُ: لَاحَاجَةَ لِي بِهِمْ بَلْ سَاَسْتَخْرِجُهُ بِنَفْسِي؟ وَهَلْ تَاْتِي وَتَقُولُ: لَاحَاجَةَ لِي اِلَى خِبْرَةِ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ, بَلْ سَاَسْتَخْرِجُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ مِنَ الْقُرْآَنِ وَالسُّنَّةِ بِنَفْسِي وَدُونَ مَسَاعَدَةِ اَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ اَقْوَالِهِمْ قَدِيماً وَحَدِيثاً؟ وَرُبَّمَا تَكُونُ اُمِّيّاً لَاتَفْقَهُ شَيْئاً فِي دِينِكَ! فَهَلْ هَذِهِ بِدَايَةٌ صَحِيحَةٌ فِي دَرِاسَتِكَ لِلْاِسْلَامِ وَعَقَائِدِه ِوَاَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَاَخْلَاقِه؟ وَهَلْ هَذِهِ هِيَ اَخْلَاقُ الْاِسْلَامِ؟ اَنْ تَتَجَاهَلَ مَنْ اَحْسَنَ اِلَيْكَ بِعِلْمِهِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء{وَهَلْ جَزَاءُ الْاِحْسَانِ اِلَّا الْاِحْسَان(وَهُوَ اَنْ تُحْسِنَ اِلَيْهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ بِنَشْرِ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ عُلُومِهِمْ,اَمَا يَكْفِيكَ اَخِي اَنَّكَ لَا تَدْفَعُ لَهُمْ مِنْ جَيْبِكَ صَدَقَةً جَارِيَة؟ وَاَنَّكَ لَسْتَ وَلَداً صَالِحاً مِنْ اَوْلَادِهِمْ يَدْعُو لَهُمْ؟ فَهَلْ تُرِيدُ اَيْضاً اَنْ يَنْقَطِعَ ثَوَابُ عَمَلِهِمْ اِلَى الْاَبَدِ بِتَجَاهُلِ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ عُلُومِهِمْ؟ اَمَا عَلِمْتَ اَخِي اَنَّ مَنْ اَفْتَى بِغَيْرِ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ(وَلَوْ مِنْ عُلُومِهِمْ[ لَعَنَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى حِيتَانُ الْبَحْرِ( فَانْظُرْ اَخِي اِلَى هَذَا *الْفَهْمِ الْفِقْهِيِّ الرَّائِعِ وَقَارِنْ بَيْنَهُ وَ*بَيْنَ تَفْسِيرِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ مِنْ غَيْرِ الْفُقَهَاءِ... وَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ بِسَبَبِ مَرَضِي فَادْعُوا اللهَ لِي اَيُّهَا الْاِخْوَةُ بِالشِّفَاءِ الْعَاجِلِ وَقُولُوا آَمِين, وَسَلَامُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ مِنْ اُخْتِكُمْ فِي اللهِ غصون, وَآَخِرُ دَعْوَانَا اَنِ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِين
Bookmarks