إن ما تعيشه الشعوب العربية والإسلامية اليوم من الهزائم والنكبات دفعها دائما إلى تمجيد من لا يستحق التمجيد والتسارع في إضفاء الألقاب والالتفاف حول أناس لا تاريخ ولا سيرة لهم ذات ملامح واضحة .. واصبح كل من يملك في عالمنا العربي والإسلامي اليوم لسان يتقن اختيار الكلمات ورص العبارات ويسمع الناس ما يشتهون .. بطلا ومخلصا يحمل على الأكتاف ويخط اسمه بحروف من نور ..
في حين أن البطولة تفوق بكثير القدرات الخطابية والعبارات الرنانة .. إنها أعمال وإنجازات تشكل الواقع وتغير من صورته إلى الأفضل .. هذا فقط ما يشكل البطولة الحقيقية والجادة التي يستحق أصحابها أن تحفر أسمائهم بالذهب في صفحات التاريخ .. لأنهم بأعمالهم فقط يستطيعوا أن يغيروا من مسار التاريخ ووجهته ..
جمال عبد الناصر .. إن هذا الرجل الذي استطاع أن يجمع الشعوب العربية حول شخصه وان يحي فيها الحماسة والروح القتالية .. والقائل بأنه سيلقي بإسرائيل في البحر .. أصاب الأمة العربية جمعاء بالخيبة والحسرة .. ورأينه يدخل حربا لم يخطط لبدايتها ولا نهايتها .. مرسلا الجنود والمقاتلين إلى حتفهم دون رؤية واضحة ولا تخطيط جاد ومتعقل .. وكأن تلك الأرواح التي بعث بها إلى ساحة القتال لا تساوي شئ .. وعلمنا بعدها بأننا أضفينا ألقاب البطولة على رجلا داس بقدميه على كل من أوصلوه إلى سدة الحكم على أكتافهم والتي قدموها له طواعية ..
صدام حسين .. القائد العربي الذي اجتمع حوله العرب وتحصنوا بجيشه الذي دفعوا له من دمائهم ليكون مفخرة وحصن للعالم العربي بأسره .. والذي تغنى به الجميع وتنافس أصحاب الأقلام لرفعه إلى عنان السماء .. ذلك البطل الذي رفع خنجرا ظننه سيضرب به صميم إسرائيل فإذا به يطعن العروبة في قلبها الذي مازال يدمي حتى هذا اليوم .. بكل خسة ودناءة نفس .. وعلمنا عندها بان ذلك الخنجر لطالما كان ملطخا بالدماء وان الدماء العربية ليست أولها .. وأدركنا كم كنا ساذجين ومغفلين عندما آزرناه في حربه الظالمة ضد إيران .. واكتشفنا جرائمه الوحشية والمخزية بحق إخواننا الأكراد .. وانكشف عندها قناع البطولة المزيفة التي هللنا لها كثير ..
وأنا عندما أتحدث هنا لا أتحدث سوى بلسان الشارع العربي فقط .. لان حكوماتنا العربية لطالما علمت بكل تلك الجرائم المخزية لهؤلاء الأبطال المزيفين .. ورغم هذا تسترت عليها بل وعملت على خدع شعوبها وإخفاء الحقيقة عنهم .. لحساب مصالح سياسية غالبا لا تتحقق .. وهنا تكمن المشكلة الكبرى في عالمنا العربي والإسلامي .. الكذب وتزوير الحقائق والتستر على المجرمين وتحويلهم إلى أبطال دون تمحيص ومعرفة .. لقد أصبحت البطولة لقبا رخيص الثمن يستطيع حتى الصعاليك والرعاع الحصول عليه .. في ظل زعماء ميتي الضمير والخلق وشعوب محبطة غارقة في الذل والهوان تتبع كل مفوها دون دليل ولا برهان ..
مشكلتنا يا ساده .. بأننا شعوب قهرت واستعبدت حتى غدت مستعدة لمنح الألقاب لمن فقط يلوح لها بأنه ينوي أن يخلصها مما هي فيها .. إن ما نقاسيه من تردي وضعف جعلنا مستعدين لتنصيب الكاذبين والمخادعين والأغبياء والمدعين أبطالا حتى قبل أن يثبتوا انهم أهلا لذلك .. ببساطة إننا لم نعد نختار ونرشح إننا فقد نمجد ونهلل بلا وعي على أمل أن نكون على حق هذه المرة ..
Bookmarks