بقلم / عبدالرحيم محسن

تعز المدينة التي بناها سلاطين بني رسول ورثة بني أيوب لم تعد تنتمي إلى بني رسول، رغم أن هؤلاء السلاطين أسسوا نظاماً إدارياً متقدماً لم تعرفه المناطق المجاورة، ولم تعد تنتمي إلى بني أيوب أو الزريعيين والصليحيين والأئمة الزيود فهي دائم التجدد كخلية ترفض أن تموت وترفض العيش على الهامش الديمغرافي والسياسي كبقية البنادر والمدن، وقد حاول بعض السلاطين استبعادها من المتن إلا أن الإمام الزيدي أحمد بن يحيى حميدالدين اختارها مركزاً سياسياً لسلطنته والأهم من ذلك رفض سكان المدينة إبقاء مدينتهم خارج الفعل الاقتصادي والثقافي والسياسي النشط والأكثر حيوية.
وتعز المنطقة الممتدة من عدن وحتى رأس نقيل سمارة التي مزقتها أطماع السلاطين والأئمة والأتراك والانكليز مازالت محافظة على ألقها الإنساني وتراحمها الاجتماعي رغم ماقيل من بعض الكتاب بأنها منطقة "نقائل" لإثبات هويات سكانها.. تعز المنطقة بحكم الموقع الجغرافي الهام والمناخ الجاذب قبلة للطامعين وقبلة للزائرين المؤقتين والدائمين.. إنها تعز الزراعية بلد الفلاح الجاد والمثابر.. بلد التاجر والصناعي المتحدي لعقلية التخلف وعقلية النهب والجباية.
تعز بمفهوم النمو والتطور الطبيعي خلية لايمكن إيقاف تجددها وحضورها الاقتصادي والثقافي والسياسي على النطاق المجاور وعلى النطاق الاقليمي والعالمي وبإمكان أي باحث معرفة هذا الحضور القوي، ففي أمريكا سوف تسمع عن جرّاح القلب عبدالجبار نعمان والطبيب علي سيف الأغبري وغيرهما من النجوم اللامعة في مجالات اختصاصية دقيقة وفي أوروبا سوف تسمع عن وليد السقاف وغيره ولن تتوه إذا فتشت عن مبدعي تعز في كندا وأستراليا والصين وكوريا الجنوبية والنرويج وأوروبا وغيرها من بقاع العالم.
إنها هوية تعز العامة التي تمنحك الفخر والاعتزاز بصرف النظر عن السلبيات المصاحبة لهذا الفخر والاعتزاز.. ولكي نتأكد من ذلك التاريخ النجومي علينا فقط حسن اختيار الأحداث والنجوم ومن الأمثلة:
استطاعت تعز، المدينة والمنطقة، احتضان المدنية التي حملها تجار تعز ابتداء من نهاية النصف الأول من القرن العشرين، حيث تمكن هؤلاء التجار من صناعة مجد مميز لمنطقة تعز رغم الظروف الاستبدادية القاسية لحكم الأئمة الذي جثم منذ أكثر من أربعة قرون ونصف على الصدور.
وتوسعت المدنية في تعز الكبرى الممتدة من عدن مروراً بجعار ولحج وردفان والضالع وإب وحتى المخا غرباً والمسماة "اليمن"، حيث المناطق التي تقع شمالها لم تأخذ هذا الاسم سوى في وقت متأخر حينما اختار الإمام يحيى اسماً لمملكته "المتوكلية اليمنية" لكي يصبغ على وحشية غزوه واحتلاله الشرعية أو الهوية التي تفتقدها المنطقة القبلية الجبلية ومازالت تفتقدها حتى الآن بعد شيوع التعليم الحديث الذي احتضنته المدارس الأهلية والحكومية في عدن وجعار ولحج وإب وتعز وبعض الأرياف، وذلك بحق ما أهل تعز لتكون مركزاً للإشعاع الثقافي ومعملاً لإنتاج نجوم الثقافة والسياسة والاجتماع ومازالت تنتج هؤلاء تباعاً رغم مستجدات وفساد واستبداد الطغمة العسقبلية خلال(52) سنة عجافاً.
واستطاعت تعز الخلية المتجددة البقاء في المتن تصنع الممانعة والمقاومة والتحدي خاصة حينما أراد الطغاة المستبدون تصدير تخلف وجلافة المنطقة القبلية الجبلية، وحينما أراد هؤلاء إحداث تغيير في التركيب السكاني والبنية الاجتماعية والثقافية.. لقد قبلت تعز التحدي بالممانعة والمقاومة ليس فقط بالهجرة بل بسرعة التجدد الاجتماعي والثقافي الداخلي عبر بوابة التجارة والتعليم ونقل أدوات ووسائل المدنية إلى الأرياف قبل المدينة.
وعبرت تعز عن إصرارها في مقاومة الاحتلال الانكليزي عبر المنظمات الاجتماعية والثقافية والسياسية والنقابية التي نشأت في عدن، والذي لايعرف نجوم تعز في عدن خلال النصف الأول وبداية النصف الثاني من القرن الماضي عليه التوقف ملياً أمام عديد من الأسماء: محمد علي المقطري – عضو مجلس تشريعي، سالم علي عبده، محمد سالم علي عبده، أحمد الأصنج وعبدالمجيد الأصنج، عبدالله عبدالمجيد الأصنج، سعيد علي الحكيمي، محمد علي الأسودي، هائل سعيد أنعم، أحمد هائل سعيد أنعم، علي محمد سعيد، عبده الدحان، عبدالقادر أمين القرشي، وغيرهم ممن خاضوا غمار الكفاح المسلح في إطار الجبهة القومية وجبهة التحرير والذي لايستطيع أي من رواد ثقافة الكراهية الانتهازيين الغوغائيين إنكار نجوميتهم.