وهو الغفور الودود
في المعاجم ؛ الود هو الحب...
لكن السؤال الدقيق هل الُودّ هو الحب ؟ إذا قلنا نعم فيأتي سؤال وما الفرق بينهما ، وهل في اللغة اسمان مختلفان لمُسمىً واحد ؟ ، أم أنَّ الاختلاف في المبنى دليل اختلاف المعنى؟
لا شك أن هناكَ فرقاً دقيقاً بين الحُب والود ، الحب ما استقر في القلب ، والود ما ظهر على السلوك ، فإن كنت تُحب فلاناً فمشاعر الميل نحوه هي الحب ،وابتسامتك في وجهه هي الود ، وإذا قدمت له هديةً فهي ود أو أعنته في مشكلة فهي ود ، أو عُدته إذا مرض فهي ود أو قدمت له هديةً في زواجه فهي ود أو نصحته فذلك ود
فالمشاعر الداخلية هي الحب ، والمسالك المادية هي الود فكل ودود محب وليسَ كلُ مُحب ودوداً .
والله سبحانه وتعالى يقول " وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ " .
يعني كل هذا الكون تودََدَّ من الله إلى الإنسان
محبة الله عز وجل للمؤمن تعني حِفظه ، وتأييده ، ونصره وإكرامه ، وإنزال الرحمة على قلبه ، وإنزال السكينة ، وإغناءَه بكل ما يحتاج، هذا هو الحب الإلهي أما حُب الإنسان لله عز وجل فيعني الميل فإذا جفاك ربك وأبعدك عن أنواره شعرت بألم لا يطاق .
أسألك بالله عزيزي القارئ ، لو دعاك أحدهم إلى بيته ، ورأيت هذا البيت مُدفَّأً مسبقاً إكراماً لك ، والماء العذب الزلال المُعطّر بماء الزهر والأرائك ، والمشروبات اللذيذة المتقنة و الطعام النفيس العطر ، والورود والهدايا ، ألا تخجل ، ألا تذوب حُباً له ، ألا تشكره من أعماقك، ثم ألا تقول له : والله يا أخي ، فضلت عليَّ ، والإنسان عبد الإحسان ، ولماذا تتحسس إذ أدى إنسان عنك الإجرة في سيارة ؟ طوال الطريق تبقى خجلاً منه : وتقول يا أخي والله خجلتني .. كلها من أجل ليرتين ، أو إن جاءك إنسان مهنئاً ومعه هدية ، تحار كيف تُكرمه ، ولماذا هذا التحسس بفضل الإنسان ؟ وهذا الفضل الإلهي وأوّلُه أنه ؛ خلقك من لا شيء ، ألاّ يستحق منك كامل التحسس ،
هذا الفضل الإلهي من دون تحسس ، ومن دون شكر ، هل قلت من أعماق أعماقك ؟ يا رب لك الحمد على أن خلقتني ، يا رب لك الحمد على أن عرّفتني بذاتك ، يا رب لك الحمد على أن أعنتني على طاعتك ، ثم يا رب لك الحمد على أن نوّرت قلبي بنورك ، و يا رب لك الحمد على أن ألهمتني أعمالاً صالحة ، فالله يقول لك : أنا سأسمع ؛ فقل وتكلّم لأسمعك ، فتقول له سَمِعَ الله لمن حمده ، ألا تفعل هذا في الصلاة ألا تقول سَمِعَ الله لمن حمده ، يعني يا عبدي أنا أسمعك فيما تقول ، ربنا لك الحمد والشُكر ، وهناك من يقول : يا رب لك الحمد والشُكر والنعمة والرضا ، هناك من يقول : يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً بعدد خلقك ، يعني ما نَشَأَ بقلب الإنسان من شعور عميق بالحمد فلله عز وجل ، واذكروا دائماً أنّ كل هذا الكون تودد إليك.
هذا هو المعنى الأول
والمعنى الثاني ؛ أن يكون معنى كونه ودوداً أي يخلُق المودة بين خلقه ، فمن ألقى حُب الأبناء في قلوب الأمهات ؟ ادخلْ مشفى الأطفال فإنك ترى منظراً يُبكّي ، فالأم البدوية تبكي من أجل ابنها ، والسافرة والمثقفة ، والجاهلة ، والمؤمنة المحجبة كلهن يبكين إنه نمط واحد ، فكل هؤلاء الأمهات أودع الله في قلوبهن محبة تجاه أبنائِهنْ .
إذاً ، أحد معاني كلمة : "ودود" ؛ أنه يخلق الود بين عباده ، الأب أب ، والابن ابن ، والأخ أخ ، الزوجة زوجة كلهم يتواددون فيما بينهم .
من خلق هذه المودة ؟ ..
فالمعنى الأول أنَّ الله يودك ، والمعنى الثاني يخلق المودة بين خلقه
المعنى الثالث بمعنى فعول : أي أن الله سبحانه وتعالى يتوددُ عبادُه إليه ،و هو يتودد إلى عباده ، وهو يخلق المودة في قلوب عباده بعضهم لبعض ، فعباده يتوددون إليه ، أي ثلاثة معانٍ دقيقة للود ، من الله إلى عباده ، ومن العباد إلى ربهم وبين العباد فيما بينهم . لهذا يقول عليه الصلاة والسلام :
" رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس " .
قال الخليفة لأحد العلماء عِظْني : فقال له العالم : سأنصحك وسأغلظ عليك ، قال : ولِمَ الغِلظَة يا أخي ، لقد أرسل الله مَن هو خير منك إلى من هو شر مني ؛ لقد أرسل موسى وهارون إلى فرعون ومع ذلك قال لهما : فقولا له قولاً ليناً .. فلِمَ الغِلظَة ؟ من قال لك إن النصح يحتاج إلى غِلظَة ؟.
الإمام الرازي كان من كبار العلماء ، إنه الفخر الرازي ، وله هيبة كبيرة ، وله موكب فخم ، وقد كان في درسٍ من دروسه ، فخرج من المسجد ، ثياب أنيقة ومعه تلاميذه ، ووجهه منير متألق مهيوب ، فرآه يهودي ، عامل مجارير ، فقير مسحوق ، جوعّ على مرض على حرمان على فقر على احتقار الناس له ، فنظر هذا اليهودي إليه وقال له : يا هذا يقول نبيكم الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، فأي سجن أنت فيه وأي جنة أنا فيها ، فقال له الإمام الرازي : يا هذا ما أنا فيه إذا قيس إلى ما أعدَّ الله للمؤمن فأنا في سجن ، وما أنت فيه إذا قيس بما أعد الله للكافر من عذاب فأنت في جنة . يُقال ثم إِنه تفكر ملياً وقال أشهد ألا إله إلا الله ، حقاً إنه جواب مفحم أي ما أنا فيه من هذا العِزّ إذا قيس إلى ما وعدني الله به من جنة عرضها السماوات والأرض فأنا في سجن .
فتقرب للودود أخي العزيز...فما أحوجنا له في هذه الايام...
منقوووووووووووووول
Bookmarks