في الديمقراطيات الناشئة تحتاج الشعوب لقادة يتجاوزن مصالحهم السياسية المشروعة إلى موازين التدرج المتعقل وترويض الواقع على تقبل ذلك المنطق.. وتلك معادلة لا تخلو من تضحية، إذ لا تكون الديمقراطية محل رضى المعارضة وإقرارها مالم تستهدف الحاكم على نحو ما نراه اليوم.. بينما يتخفف الباحثون عن السلطة من تبعات الديمقراطية ومشروعية منطقها الصارم متى اقتضت مصالحهم ذلك كما هو حاصل الآن في ..

لهذا يخطئ من يعتقد أن السلطة وحدها مناط التغيير ومركز التحكم في صياغة وجدان المجتمع..

وحين يكون الصراع على السلطة لذاتها مجرداً من أهداف عليا وبرامج ممكنة التحقيق على أرض الواقع فإن ذلك وحده يعكس اضطراب بنية المجتمع وغياب جوهر السلطة ووظائفها عن توجهات أطراف الصراع، وفي مثل هذه الحالة لا يكون ثمة فارق جوهري عميق بين التغيير عن طريق الانقلاب أو التغيير عبر استدراج العواطف وتوظيف سلبيات الحاكم في سبيل الوصول إلى ذات النتيجة التي يتضمنها البيان الانقلابي الأول بصرف النظر عن دوافعه وأهدافه..

إننا إذ نذهب باتجاه صناديق الاقتراع في ظل نظام سياسي يقوم على التعددية الحزبية وفقاً للدستور فإن الحالة الطبيعية تقتضي تنافساً بين سلطة ومعارضة يقابلهما اصطفاف ثالث يمثل المستقلين ممن يشكلون نحو 50% من إجمالي الناخبين غير أن الذي يحدث تنافس حزبي خارج القاعدة الدستورية لنظام الحكم..
إذ تعجز أحزاب اللقاء المشترك عن معالجة تناقظاتها وتتهرب من مسئوليتها في تجذير مرمى المشرع من ربط النظام السياسي بالتعددية الحزبية فتختار مرشحاً يخوض غمار المنافسة بصفتين تنفي إحداهما الأخرى..! وبذلك تكون المعارضة أول من يلحق الضرر الفادح بالتجربة الديمقراطية من ثلاث زوايا.. فلو كانت قضيتها عادلة.. وتوجهها موضوعياً ما قبلت التفريط بهوية النظام السياسي التعددي وقبلت الذهاب خارج أطرها الحزبية وتجيير مخاوفها على حساب شخصية اجتماعية مستقلة لم تجد في تجربة أحد أحزاب اللقاء المشترك ما يسترعي انتباهها أو يغلب ميلها للانخراط في عضويته..
وفي الجانب الآخر بأي صفة يمكنها التعامل مع المرشح حين يصل إلى الحكم.. هل على قاعدة البرنامج الانتخابي أم بصفته مندوباً عنها ومحل ثقتها أم بهذه الاعتبارات مجتمعة وهنا تكون المعارضة قدمت مثالاً صارخاً لاختيار الفرد بدلاً عن المؤسسة وإعادة إنتاج نموذجه الصارخ مقابل ما تزعمه نضالاً ضد نظام الفرد..
تماماً كما أنها إذ تقبل منه التماهي في صورة مزدوجة الهوية تكون قد وضعت التجربة الديمقراطية في مرمى الاستهداف الذي يتيح إمكانية تغيير هوية النظام السياسي واختزاله بمجموعة ذوات بدلاً عن تعددية أحزاب تأسيساً على سابقة اللقاء المشترك..
لقد كان بمقدور المعارضة أن تقدم في هذا الموسم الانتخابي الهام نموذجاً أفضل وتجربة سياسية أزكى وأقوم لكنها انقادت لزمام أزمة وآثرت القاء حمولات الماضي وضغائنه وثاراته على كاهل التجربة الديمقراطية التي تقتضي الحاجة رعايتها وتطويرها لا تقويض اركانها وإجهاض مسيرتها..

أليس من مظاهر الجدب أن تخوض المعارضة حملتها الانتخابية اعتماداً على برنامج تم استخدامه وإعادة تسويقه غير مرة في أقل من ستة أشهر وكأنه الوصفة الوحيدة لإدامة الاستمتاع بأحلام اليقظة.. لكنه العناد عندما يستحوذ على وعي المعارضة فلا تجد مانعاً من تحويل الأفكار أو البرامج الموضوعة على مائدة الحوار مع الحزب الحاكم إلى برامج انتخابية..