الرجل الذي وهب وطنه الكثير من الهبات بما في ذلك بعض شريانات قلبه، لازال يتحمل الشيء الكثير، وبدلاً من أن يخلد إلى راحة البال والقلب، ها هو ينبرى دونما ترد للأمساك بدفة القيادة لبلد مهدد بالغرق في رواسبه، ومشاكله، وما تحدق به من مؤامرات لا ينكرها الاّ مكابر أو مصاب بداء عمى الألوان..
كنت قبل أيام واحداً ممن يصغون بأهتمام وتأمل للمشير عبدربه منصور هادي، القائد الذي قبل بشجاعة توافقنا عليه بكل -أطيافنا وتياراتنا- ليتسلم دفة القيادة لبلد مهدد بأكثر من عامل انهيار، من الاقتصاد إلى انحسار الدولة وافلاسها، إلى الانزلاق في حرب أهلية، إلى التذمر الشعبي من الانفلات المتشعب ورداءة الخدمات الأساسية الخ.
في تلكم الكلمة التي توجه بها إلى الشعب اليمني عبر القيادات السياسية والاجتماعية المختارة في العاصمة صنعاء يوم 12/2/2012 تحدث بلهجة الصادق بما يدعو كل فرد في المجتمع اليمني أن يستشعر مسؤوليته والدور المطلوب منه للإسهام في تجنيب الوطن الوقوع في منزلق من منزلقات الانهيار..
بعد ان اشار بوضوح إلى معاناة الناس من الأوضاع الأمنية في العاصمة وغيرها من المدن، وإلى ما يتجشمون من متاعب جراء أعمال التخريب وتفجير أنابيب النفط والغاز، وقطع اسلاك الكهرباء، وفوضى الممارسات الغير مسئولة التي تعكس نفسها في أمور كثيرة آخرها تهديد العاصمة صنعاء بكارثة بيئية جراء تكدس القمامة والفضلات في شوارعها وأسواقها، بما فيها مخلفات الموارد التي تدخل الصناعات الكيميائية في تركيباتها.
بعد أن اشار إلى تلكم المعاناة والمخاطر، دعا الجميع إلى الصبر والتحمل، حتى لا تهوي البلاد إلى المجهول، ونتائجه الخارجة عن الحسبان..
إذا ما كان المشير عبدربه منصور هادي النائب الأول لرئيس الجمهورية قد اشار في الكلمة إياها إلى أن فخامة الرئيس علي عبدالله صالح والقوى السياسية في الساحة قد اسهموا بتجنيب اليمن ذلكم المنزلق الرهيب بالذهاب إلى الرياض والتوقيع على وثيقة المبادرة الخليجية حفاظاً على اليمن ووحدته وأمنه ودماء أبنائه.. فإن الشارع اليمني لن ينسى ما اسهم به المشير هادي على أكثر من صعيد، سياسي وعسكري واجتماعي، وكيف تحمل المسئولية الأولى في غياب الرئيس للعلاج وكان على مسافة واحدة من كل الأطراف.. والحكيم الذي تعامل بحنكه ورويه مع كل ما يستفز ويهدد ما تبقى من شرايين قلبه الكبير الذي استوعب كل اليمن.
عندما يدعونا المشير هادي إلى الصبر والتحمل من أجل الوطن وأبنائه وأجياله، فنحن من يرى فيه القدوة على التحمل والمقدرة على الصبر وأن بلغ درجة الايذاء، كما هو حاله عندما يصبر على قطع الطريق المؤدي إلى منزله، والاعتصامات أمام منزله، دونما مراعات لحقوقه كمواطن لا كمسئول وقائد.. وكيف يتحمل تصرفات من لا يفرقون بين الاعتصام والصخب أمام منزل وسكن عائلي وبين الاعتصام في ساحة أو أمام منشأة رسمية حكومية..
يتضايق وينفعل المرء منا عندما يجد الطريق إلى مقر عمله أو منزله مقطوعة من قبل مطالبين بشيء ما، فما بالنا لوجاء من يعتصم أمام منزله (سكنه العائلي) ماذا سيكون رد فعله.. ويكفي المشير هادي مضايقته بمثل تلك التصرفات..
ان الشارع اليمني يقول له: معك سنصبر ونتحمل، ومعك سنحمي اليمن ونبنيه، وبجانبك نريد حكومة أئتلاف حقيقي.. تبدأ بما هو جاد وقانوني ويقود إلى حكومة مدنية.. فالأمور ببداياتها كما قالت العرب.


عباس الديلمي