أثناء قضائي لعطلة عيد الشكر في واشنطن اتصل بي أحد الزملاء من لندن قائلا هل ‏قرأت ما كتبه عنك الأستاذ عبده النقيب، قلت له لا لم أقرأ، هل كتب سلبا أم إيجابا ؟ ‏فقال لقد تحدث عنك سلبا أو )هكذا فهم صاحبي( وعندما دخلت إلى موقع " التغيير" وقرأت



ما كتبه الأستاذ النقيب وجدت أنه تعامل في نقده ‏بكل احترام، ولم أجد أي شئ سلبي لأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
والذي أعجبني في المقال أن الناطق باسم حركة " تاج" لم يعد يتحرج من الدخول في ‏نقاش مع شخص من شمال اليمن وهذا تطور نوعي يستحق عليه الثناء لأن تبادل ‏الرأي قد يفضي في النهاية إلى التوصل إلى قواسم مشتركة تخدم أبناء الجنوب ‏والشمال والشرق والغرب. وأتفق مع الأستاذ النقيب في أن هناك في اليمن من يتحرج من استخدام التوصيفات ‏الجغرافية وكأن ذكر كلمة " جنوب" تابو محرم ولكني شخصيا ليس لدي حساسية ‏من الجنوب ولا من ذكر كلمة الجنوب، ولا تمثل بالنسبة لي " تابو" كما هي في نظر ‏البعض، بل أنادي دوما بإنصاف الجنوب حفاظا على نوب والشمال.
كما أن إيماني بحرية كل شخص في التعبير عن رأيه جعلني أتردد في التعليق على ‏ما ورد في مقال الأستاذ النقيب لولا خشيتي من أن يتصور أبناء الجنوب اليمني أن ‏ماورد في مقاله عن آرائي حقيقة مسلم بها، في حين أني من المهتمين جدا بآراء أبناء ‏الجنوب وتهمني مصلحتهم قدر الذي تهمني مصلحتي الشخصية المباشرة، وأعتبر ‏أن حالة التململ وعدم الرضى التي تعتري أبناء الجنوب اليمني لها ما يبررها وتمثل ‏شوكة مؤلمة في خاصرة الوحدة اليمنية يجب مداواتها قبل فوات الأوان.
الشئ الذي قد لا يعرفه عني الأستاذ النقيب هو أني منذ دخولي معترك ‏مهنة الصحافة قبل 17 عاما لم أبدل رأيي مطلقا، وظلت قناعاتي ثابتة لا تعبر عن ‏الحكم ولا تعبر عن المعارضة ولا تعبر عن الإدارة الأميركية ولا الإدارة الفلبينية ‏وإنما تعبر عما أؤمن به أشد إيمان. ولا يعني انتقادي للأوضاع القائمة في اليمن ‏عدم إيماني بأهمية وحدة الأرض اليمنية، مثلما أن إيماني بالوحدة لا يقلل من قناعتي ‏بضرورة تصحيح مسارها الأحادي.
ورغم أني لم أنتم إلى أي حزب معارض حتى الآن لا في الداخل ولا في الخارج ‏حفاظا على استقلاليتي في الرأي إلا أني ألاحظ كمراقب أن المعارضة الجنوبية تريد ‏من معارضي الشمال أن يناضلوا من أجل استقلال الجنوب، كما يطالب المعارضون ‏الشماليون من إخوانهم الجنوبيين يتناسوا مشكلات الجنوب ويتظاهرون ضد الفساد ‏والاستبداد وهم قاعدون.
وفي رأيي الشخصي أن تشخيص المشكلة هو الطريق الأسلم لحلها فإذا كان ‏التشخيص خاطئ لا بد أن يكون العلاج خاطئ وربما يموت المريض بسبب ذلك إذا ‏ما استمر تعاطيه دواء غير سليم، وهذا هو حال المعارضة المتمثلة في حركة تاج
من خلال قراءتي لما يكتبه المنتمون لتاج توصلت إلى نتيجة أنهم شخصوا مشكلة ‏اليمن بشكل خاطئ وأصبحوا مقتنعين تماما أن أبناء الشمال متخلفون ويصعب ‏التعايش معهم والحل الوحيد هو الانفصال عنهم وربما إقامة سور عازل فيما بعد على ‏شاكلة السور الشاروني!
هذا التشخيص يؤكده الأستاذ النقيب نفسه في عبارته القائلة " ما ذنبي أنا الجنوبي ‏الذي سلمت دولة بمؤسساتها وكوادرها وثرواتها إلى من يحتاج إلى مائة عام قادمة ‏حتى يفكر بأشياء كهذه".. في رأيي الشخصي أننا في اليمن موحدون بالتخلف ولا يقل ابن الجنوب تخلفا عن ابن ‏الشمال وإن اختلفت مظاهر التخلف. وهناك منطقة محدودة جدا في الجنوب تمتعت ‏بوجود الاستعمار البريطاني خصوصا مدينة عدن الكبرى وما جاورها حيث تعلم ‏أبناؤها قليلا من قشور الحضارة، وهم بالمناسبة ينتمون إلى خليط متنوع من كافة مناطق اليمن الجنوبية ‏والشمالية على حد سواء وما عداهم لم تصلهم خيرات الاستعمار للأسف، وقد ينتقدني ‏كثيرون بسبب ترحمي على الاستعمار البريطاني ولكن هذه قناعتي ولا أخجل من ‏المجاهرة بها فأنا على قناعة أن الاستعمار أرحم ..
المشكلة القائمة حاليا تكمن في عدم وحدة الجنوب لأن الجنوب اليمني لو كان موحدا ‏لكانت الوحدة اليمنية قوية ولكن ضعفها عائد لضعف الجنوب وانقسامه، ويوضح ‏قولي هذا صديق جنوبي من أبناء مدينة عدن بقوله " نحن لا نريد أن نتحرر من ‏الاحتلال الشمالي لأننا -والكلام وليس لي- سوف نعاني مجددا من هيمنة مديرية أو ‏مديريتين في الضالع. ويقول آخر من أبناء الضالع " نحن نريد أن نبقى على الوضع ‏الحالي مهما كان سيئا لأن ذلك أفضل من هيمنة أبناء أبين علينا، وقد يقول قائل من ‏أبين " لا نريد أن يستقل الجنوب لأننا سنعود للتضحية بأبنائنا وأنفسنا في سبيل قلة ‏قليلة من حضرموت تتمتع بالحكم".
أنا لا أحاول المبالغة بإيراد مثل هذه الأمثلة ولكن الغرض من ذلك هو الإيضاح بأن ‏الجنوب اليمني مازال يعاني من الفرقة المناطقية بين أبنائه وعدم الاتفاق، ولهذا يتعرض اليمن ‏الكبير للتدمير والنهب شمالا وجنوبا بلا استثناء. ولن أبالغ إن قلت إن حرب 1994 ‏لم تكن الية جنوبية بل حرب قائمة بين أبناء الجنوب أنفسهم وكانت امتدادا لصراع ‏يناير 1986.
ويمكن النظر إلى الذين اقتحموا العند واقتحموا عدن وفتحوا كل التحصينات في حرب 1994 فسنجد أن أهم طلائعهم من أبناء ‏الجنوب، ولم تكن قبائل الشمال إلا قوى مساندة، ولولا القيادات الجنوبية لاقتصر ‏طموح القيادات الشمالية على إلقاء الجيش الجنوبي خلف مدينة البيضاء لعودة لإعلان ‏الجمهورية العربية اليمنية.
الصراع القائم في الجنوب يعود إلى ما قبل عام 1986 وكان هناك تنافسا مناطقيا ‏مقيتا ومكبوتا بين المحافظتين الثانية والثالثة أدى إلى مآسي دفع ثمنها الآلاف من ‏أبناء الجنوب. ولعبت الأنانية دورا كبيرا في إيقاد الصراع الذي لم ينته إلى يومنا ‏هذا.‏ إنني وأنا من ابناء الشمال أشعر بالرضا عندما أرى في حركة تاج الانفصالية ‏أشخاصا مثل اللواء أحمد الحسني يعملون جنبا إلى جنب مع إخوان لهم من أبناء لحج ‏والضالع. وهذا هو الأسلوب الأمثل للمضي قدما نحو خطوة أخرى أكثر شمولا وهي الاقتناع بالوحدة ‏الكبرى ، وفي نظري أن العلاج الأمثل لمشكلة اليمن الموحد هو تبني نظام الحكم المحلي ‏الموسع أو الفيدرالية التي تتيح لسكان كل إقليم أو محافظة أن يديروا شؤونهم بالأساليب ‏التي لا يتحمل سكان المناطق الأخرى اللوم في فشلهم. وعلى العكس ستخلق الفدرالية ‏نوعا من التنافس بالأقاليم وهي السبيل الأمثل للحفاظ على وحدة البلاد لأننا قد ‏نغرق في الوحدة إلى درجة التفتت في حين أن اللامركزية الحقيقة هي الضمان ‏الوحيد للحفاظ على البلاد من التفتت ولا نقول الانفصال.‏ وكلامي عن الفيدرالية ليس جديدا إذ أنني أعلنت تأييدي لها على صفحات صحيفة الوحدة الحكومية بعد أن طرحها الأستاذ سالم صالح محمد عام 1993 في ذروة أزمة الاعتكاف السياسية التي مرت بها البلاد قبل اندلاع الحرب، وتسببت الحرب في تغيير مسار الوحدة السلمي.

ولن يتمكن أبناء الجنوب من فرض وحدة مرضية لهم ما لم يبدأوا بالتوحد فيما بينهم ‏ونسيان جراح الماضي. وأنا لو كنت جنوبيا وكان هدفي الانفصال فسوف أصل إلى ‏هدفي عن طريق الوحدة، فوحدة الجنوب يمكن أن تقرر مصيره سلبا أو إيجابا، أما استمرار الأنانية والتفرق فلن يحل مشكلة الضم والإلحاق مطلقا. ‏
الجنوب اليمني غني بقواه وقياداته ولكنها قوى متفرقة لا تثق ببعضها فكيف يمكنها أن ‏تثق بمعارضي الشمال. ولو كنت أنا زعيما جنوبيا لاستفدت من كل القوى بلا استثناء ‏ومن جميع الأفراد بلا استثناء بمن في ذلك المخبرين التابعين للنظام الحالي لأن ‏المعارضة الحقيقية قوية أصبحت في زمننا الحالي تعمل في العلن ولا يضيرها ‏اختراق المخبرين لها سواء كانوا مخبرين حقيقيين أم تصور لنا أذهاننا الأنانية أنهم ‏مخبرون!
وعودة إلى ما قاله الأستاذ النقيب في مقاله فهناك نقطة تحتاج إلى إيضاح وهي ما ‏ذكره عن تصريحات المسؤولين الأميركيين، وهو للأسف يبدو وكأنه استقى رأيه من ‏صحيفة الشموع اليمنية وهي صحيفة لها عذرها أما الأستاذ النقيب فلم أكن أظن أنه لا ‏يعرف بديهيات عمل المراسل الصحفي في مدينة مثل واشنطن تعرف عليها عن ‏قرب. ولذلك أحب أن أطمئنه أني لا يمكن أن أغامر بسمعتي المهنية لأغراض ‏سياسية زائلة، ولا يوجد أي مراسل في واشنطن يمكن أن ينسب للبيت الأبيض أو ‏الخارجية الأميركية أو أي جهة رسمية ما لم يصدر من هذه الجهات فعلا. ومن يقم بذلك إنما ينتحر ‏مهنيا، وهذه مؤسسات محترمة تقرأ وتترجم وتراقب، وعلاقتنا معها علاقة تعاون ‏واحترام ويهمنا كصحفيين الحفاظ على هذه العلاقة قبل أن تهمنا الحكومة اليمنية أو ‏المعارضة اليمنية. ولو خسرت أوراق اعتمادي في واشنطن فلن تدفع الحكومة اليمنية ‏راتبي ولا المعارضة، ولهذا فأنا حريص أشد الحرص على تحري الصدق كل ‏الصدق في كل ما أكتبه من واشنطن، وليس هناك أقسى على أي صحفي هنا من أن ‏يكذبه البيت الأبيض أو الخارجية. أما مسألة الموقف الأميركي من النظام القائم في ‏اليمن فعليكم في المعارضة الاعتبار من الموقف الأميركي من الرئيس الإيراني أو ‏من الرئيس السوري، أو من الرئيس الكوبي فأميركا في النهاية لا تملك قدرات إلهية لتغيير الأنظمة القائمة، ‏ولكن إذا وجدت قوى معارضة حقيقية قادرة على التأثير فربما تفكر في التعامل ‏معها. أما في الوقت الحالي فالإدارة الحالية لديها مانع من الاستماع لي ولك ‏وللرئيس صالح ولن يتعدى الأمر أكثر من الاستماع، وعندما تحتاج للتعامل على ‏الأرض لن تجدني ولن تجدك وإنما ستجد الرئيس صالح بحرسه الجمهوري وأمنه ‏السياسي وبنكه المركزي، وليس لدي أنا ولا أنت أي شئ من ذلك!
ومن أجل تغيير الواقع في الميدان أخي النقيب يجب علينا ألا نتقوقع في الجنوب أو ‏في الشمال أو أو في الشرق بل علينا أن نعمل على امتداد اليمن ونستفيد من كل طاقة ‏تشعر بالظلم والاضطهاد وصدق البيت القائل " تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن ‏تكسرت آح ".‏ وسوف تجد أميركا بكل قوتها تسعى إلينا وتخطب ودنا بدلا أن نسعى إليها ونطالبها بتحريرنا من الاستحمار الداخلي. والأمر الآخر هو أن تربط مصلحتك كمعارض بمصالح الآخرين لأن البحث عن ‏المصلحة الضيقة بمعزل عن المصلحة الواسعة إن لم يؤد إلى الفشل فسوف يحتاج ‏منك مائة عام لتحقيق الهدف، ولو أن نائب الرئيس السابق علي سالم البيض ‏طالب بصنعاء وتعز والحديدة لما خسر عدن والمكلا وسيئون.
العصر عصر التكتلات ‏والتجمعات الكبرى وليس عصر الانعزالية والأنانية. وإذا لم ترغب في الخير لي لن ‏تجده لنفسك، فأنا أطمح للتحرر من الاضطهاد بالقدر الذي تطمح فيه أنت للتحرر ‏منه، ولن تتمكن من تقرير مصيرك ما لم أتمكن أنا من تقرير مصيري أيضا، والعكس صحيح أيضا فلماذا لا نقرر مصيرنا سويا ؟.
وإذا اعترضت على الرئيس الحالي لمجرد أنه من الشمال فسوف تعترض على ‏الرئيس القادم لمجرد أنه من حضرموت أو من أبين. ولن يرضيك أي شئ أخي العزيز ‏ما لم تعلن دولة النقيب برئيس واحد وشعب واحد وشخص واحد، هذا إن لم تطالب ‏فيما بعد بالانفصال عن نفسك، فهل نستطيع أن نراجع أنفسنا ونقف وقفة تمعن فيما ‏نحن فيه كي نربط مصلحتنا بمصالح الآخرين لعل وعسى أن نحقق شيئا. ورحم الله ‏الاستعمار البريطاني مرة أخرى الذي كان أبي وجدي يدخلان عدن في ظله بلا خوف ‏ولا رهبة لأن عدن كانت وطنهم ومدينتهم بصدق في حين أصبحت عدن حاليا تضيق بوجود مولودين فيها أبا عن جد. ومن مكاني هذا أدعو الأساتذة النقيب وبن فريد والجفري والأصنج والعطاس والبيض وعلي ناصر، و غيرهم أن يضعوا أيديهم بيد النعمان والحكيمي والقهالي والبيضاني وعبد العالم وغيرهم لما فيه مصلحة بلادهم من صعدة وصولا إلى المهرة، فكلنا أبناء وطن واحد شئنا أم أبينا.
* كاتب ومحلل سياسي يمني مقيم في واشنطن