عدن .. المنطقة الحرة أكذوبة أطلقت كستار للنهب ! (بقلم لطفي شطارة)

--------------------------------------------------------------------------------



Sunday, June 11-

" التغيير" ـ لطفي شطارة ـ خاص: قبل أربع سنوات استقليت طائرة الخطوط الجوية البريطانية من لندن والمتجهة إلى الكويت أنا وصديق لي
صحافي بريطاني يدعى كريس فوستر ، وقتها كنت الصحافي العربي الوحيد الذي يرافق إمبراطور الإعلام الأمريكي سومنر رديستون صاحب كبرى شركات الإنتاج التلفزيوني والسينمائي والذي يملك أشهر قناة موسيقية شبابية في العالم وهي " ام تي في " ، واستغربت أن بقاءنا في الكويت لن يزيد عن 24 ساعة فقط ، وبعدها سننتقل بصحبة الوفد الأمريكي دبي حيث ستستمر زيارة رديستون ثلاثة أيام ، ولكن أحد المرافقين الذين كانوا بصحبتنا قال لي أن زيارة رديستون للكويت هي لغرض اللقاء شركاؤه في الخليج وسيكون هناك متسع من الوقت ليتمكن الشيخ محمد بن راشد وزير دفاع دولة الإمارات العربية المتحدة سابقا ونائب حاكم مدينة دبي وقتها من العودة إلى الإمارة قاطعا زيارة خاصة له كان يقوم بها في لندن ، وذهلت عندما وجدت نفسي في اليوم الذي وصلنا فيه إلى دبي قادمين من الكويت في قصر محمد بن راشد في منطقة " زعبيل " ، الذي كان مهتما في أن يكون هو المرافق الشخصي لضيفه الأمريكي ، فالرجل يعرف تماما أن لديه مشروعا للمستقبل يحول به صحراء دبي إلى مدينة عالمية ، وهو يعلم أنه لن يتحقق حلمه إذا لم يسهر على طمأنة رؤوس الأموال التي جذبتها أفكار الحملة الترويجية التي قام بها شباب إماراتي متقد حيوية لديه رؤية للمستقبل في ظل قيادة رجل لا يحتكر لنفسه اتخاذ القرارات الإستراتيجية لبناء حلم " مدينة دبي العالمية " ، بل يستنير بأفكار الشباب ، وحوله طاقم من خبراء أجانب أيضا يساعده على تنظيم الأمور وفتح أفاق واقعية للتطبيق .
في تلك الزيارة قاد الشيخ محمد بن راشد ضيفة سومنر رديستون بسيارته الخاصة وكنت وزميلي كريس في سيارة مرافقة تسير خلفهم ، لم أشاهد عسكريا واحدا او أي مظاهر للسلاح التي تنفر المستثمرين ولا تبعث في قلوبهم ونفوسهم الراحة أو الشعور بالأمن في أي بلد يقدمون للاستثمار فيه ، كانت نصف دبي في ذلك العام صحراء ، وحوض اليخوت أو القوارب الخاصة برجال الإعمال والتي يطلق عليها " المارينا " قيد الحفر والتشييد ، بل تعمد الشيخ محمد بن راشد أن يمر بجانب أعمال التشييد تلك ليبرهن لضيفه خطط دبي في أن تكون مدينة للمستقبل ويتعايش فيها الجميع وتتنافس فيها الشركات .
كيف قفزت دبي اليوم وكيف تحولت ، لدرجة أنني لم أصدق أن كل ما كان يطرحه نائب حاكم الإمارة الشيخ محمد بن راشد لضيفه ، وما قاله لنا محمد العبار رئيس شركة أعمار التي كانت تتولى أعمال التشييد والبناء ، ومحمد القرقاوي رئيس مشاريع مدينة دبي للإعلام والتكنولوجيا في لقائنا بهم أثناء تلك الزيارة ، لم تكن شطحات او محاولة نصب فخ للمستثمرين ليقدموا أولا وبعدها يبدأ ابتزازهم او إجبارهم على الشراكة مع المتنفذين ، بل ذهلت بتحول صحراء الجميرة إلى سلسلة فنادق راقية ، بجانبها تقف مبان شيدت بشكل متناسق وجميل لتتخذ منها كبرى القنوات العربية منها مراكز لها ، وأخرى لكبريات شركات الكمبيوتر في العالم التي تسابقت في حجز مباني لفروعها هناك ، وحوض اليخوت الذين مررنا في أسفله وهو قيد التشييد أصبح اليوم حقيقة واقعة ترتاده أفخم اليخوت التي يمتلكها أغنياء عرب وأجانب .
كنت أتألم في كل زيارة أقوم بها لدبي على مصير عدن التي بدأت بوعود قيام المنطقة الحرة أهدافها سياسية وليس اقتصادية ، وعود وقرارات كانت تؤكد بأن على تحويل عدن الى مدينة اليمن الاقتصادية وعاصمتها الشتوية .. انتعشت أمالنا وحلمنا متوهمين بأن معالم عدن ستتغير بتشييد أبراج عملاقة للشركات.. أعتقدنا أن فنادق راقية ستتنافس على مواقع ساحلية جذابة ، بل تخيلنا صورا لمراسي واسعة للحاويات تضاهي في قدرتها الاستيعابية مراسي في مدن قامت على موانئ مثل هونغ كونغ وسنغافورة تمتد على طول المساحة المقابلة لميناء المعلا .. تخيلنا لوحة لمطار عدن وهو يعج بالطائرات التجارية لمختلف الشركات العالمية ، وطائرات رجال الأعمال وأخرى للشحن الجوي وهي تقترب الواحدة تلو الأخرى من مدرج مطار خور مكسر ، مع خروج ودخول السفن العملاقة التي تحمل ألاف الحاويات من المراسي التي تخيلنا أنها ستشيد لتكون عدن بالفعل مركزا عالميا لتجارة الحاويات الذي يزدهر ويتوسع سنويا ، اعتقدنا كالسذج أن عدن ستستعيد سمعة مينائها الشهير في أوج نشاطه في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، بل اعتقدنا أيضا انه سيجدد بأحدث الوسائل الفنية التي ستجعله مركزا لائقا للسمعة التاريخية التي أكتسبها أثناء الحكم البريطاني ، والموقع الاستراتيجي الذي أوهب الله عدن به على خط الملاحة الدولية ، ناهيك بأن الميناء محمي طبيعيا من هيجان البحر وتقلبات أمواجه عندما وهب الله عدن أيضا جبل شمسان الشامخ ككاسر طبيعي للأمواج بما يجعل الميناء هادئا طوال العام .
حلمنا كالأطفال أن عدن أضحت على مرمى حجر من تحقيق الحلم ، والانطلاق بها الى العالمية ، تخيلنا أن هذه المدينة الجميلة ومينائها الشهير وهي تبتلع طوابير العاطلين عن العمل ليس من ابناء المدينة ، بل من كل شباب اليمن شرقا وغربا وجنوبا او شمالا .
مرت 16 عاما منذ أن تحدث الساسة بأن عدن ستكون وستكون وستكون ايضا .. واليوم وبعد مرور هذه الفترة الزمنية الطويلة من عمر شباب اعتقدوا ان أحلامهم ستتحقق عبر هذه المدينة والمشروع الحلم الذي سينفذ فيها .. مرت السنين الطويلة وتحول الحلم الى كابوس .. أصبحت عدن مدينة تئن حزنا بعد أن تناهشتها ذئاب جائعة .. فعوضا من الاستفادة من كوادرها كعاصمة للدولة الجنوبية التي توحدت مع الدولة الشمالية تحول أكثر من نصف كوادرها إلى بطالة مقنعة ورميت بخبراتها ومؤهلاتها الى بيوتها ورمت لهم " دولة الوعود " معاشا تافها لا يسمن ولا يغني من جوع .. وشبابها يتسكعون في الشوارع اعتقدوا أن الشركات ستستوعبهم .. وتبدلت فكرة الفنادق الراقية الى لوكندات تنتشر بين الأزقة والأحياء الشعبية .. انتشرت الملاحم وأكشاك الاتصالات والباعة المفرشين على الطرقات كمفهوم حقيقي للدولة عن الاستثمار .. أغلق المطار وتحولت رحلاته الى صنعاء وتكررت أساليب الكذب والمراوغة في اتباع بدعة الأجواء المفتوحة من مطار لا تشغل منه الشركة الوطنية رحلات دولية ، فكيف سيشغل الغير منه اذن ؟ .. أصبح الميناء موزع كفيد للمتنفذين بين مجموعة هائل التي تملكت رصيفا باسمها ومجانا ، واستولى على بقية رصيف المعلا شركاء النهب والسلب في عدن من الحباري الى الرويشان الى فاهم ، فأستقطع كل واحد منهم جزء مقابل مشاركته في تدمير عدن لتحويلها الى " قرية حرة " وليس " منطقة حرة " كما اعتقدنا .. او هكذا كذبوا علينا طيلة 16 عاما .. مدينة بدون مستشفيات، وأقصد إهمالا متعمدا في جعلها خالية من تقديم العلاج والدواء للمرضى.. أراضيها اغتصبت واستبيحت وتملكها من لا يملك ومن لا ينتمي لهذه المدينة.. بسطوا أياديهم على أراضي المنطقة الحرة لرفع أسعارها على المستثمرين.. وأخيرا أرادوا بيع ما تبقى فيها من الميناء والمطار وصيانة السفن .. وكأنهم يودعون مدينة خرج سكانها لاستقبال الوحدة فرحين بالحدث وآملين في التغيير قبل 16 عاما .. وبعد مرور هذه المدة تبين أن الوعود ما هي إلا أكاذيب لتبرير النهب والسلب .. عينوا عسكريا رئيسا للمنطقة الحرة في عدن ( درهم نعمان ) لفترة تكريس الأكذوبة والبسط على أراضي المنطقة الحرة للمقربين والعسكريين.بعد أن استولى هو على ما أستولى عليه من أراض في المدينة .. حتى مبنى ادارة المنطقة الحرة في عدن تملكه وأصبحت الدولة تدفع له إيجارا على مبنى لم يبنيه بل أحتله بالقوة . ثم ذهب بعد أن أنهى فترة تقزيم الحلم .. واستبدل برجل أخر ( د. محمد الودن ) الذي جاء ليؤكد أن الكذبة أصبحت واقعية ، وأنه يجب علينا أن نتعايش مع الواقع القائم وفقا لنظرية ما بعد 22 مايو1990 وتر سخت بعد حرب 1994 والتي تعتمد على نظرية ( قلبوا أياديكم ) .. فالرجل كما يقال ساهم وبكفاءة في إفلاس بنك التسليف الزراعي ، ونظرا لهذا المؤهل عين رئيسا للمنطقة الحرة في عدن ، فاستولى أولا على سيارة أحد الخبراء الأجانب في الإدارة ، ثم بعث لي أحد العاملين في إدارة المنطقة الحرة بعدن ما نصه ( هل تعلم أن الودن مسئول المنطقة الحرة بعدن قد استولى على دار الضيفة المبني حديثاً في مدينة الشعب وتكلفته 300 مليون ريال، وكان هذا المشرع قد اقترح من واحد طيب على أساس تخفيف المصاريف عند قدوم الضيف (وهم كثر) إلى عدن من الداخل او الخارج ، ولكن غياب النظام والقانون جعل واحد من مطلع(المناطق الشمالية) يستولي بالقوة على هذا المبنى الحكومي دون أن تتخذ أي جهة ضده الإجراءات القانونية.. تصور لو واحد من عدن قام بهذا العمل ماذا سيحصل سيظهر النظام والقانون من العدم ) .. هذه رسالة توضح وتختصر ما أردت أن أوضحه في هذا الموضوع بأن الكذبة تحولت الى حقيقة .. وأن حلم المنطقة الحرة تحول الى كابوس ..
لقد أكدت لنا السلطة أنها لا تملك مشاريع للتطوير ولا تملك برنامجا للنهوض بمقدرات الوطن والاستفادة من ثرواته .. فعندما كتبت عن مقارنة بين عدن ودبي استهزئ المفلسون بما طرحته .. وسخر الفاسدين والجهلة من طرحي الذي يقوم بأن عدن أفضل من دبي ميناء وطبيعة وموقع إستراتيجي اذا وجدت العقول والإخلاص الذي يميز بين من يقف وراء بناء دبي وبين من يجاهد من أجل تدمير عدن ، فأرادوا بيع عدن لدبي عبر شلة من اللصوص لا يهمهم الا جني فوائد مالية سريعة .. شلة لا تفكر بالوطن لانها منزوعة الانتماء لهذه الأرض ولا يهمها لا تاريخها ولا قيمتها الطبيعية ولا تقدر موقعها الاستراتيجي .. وبالأمس قالها علنا وصراحة السفير الامريكي في صنعاء توماس كراجسكي ،" ان الميناء والمنطقة الحرة في محافظة عدن بإمكانهما تحقيق عائدات بعشرة أضعاف العائدات التي تحققها المنطقة الحرة في جبل علي بالإمارات العربية المتحدة إذا ما توفرت الإدارة الجيد" . ، وهذا ما كنت أقصده عندما تناولت مقالات للمقارنة بين عدن ودبي منذ 2002 وحتى اليوم ، وبرهنت أن درهم نعمان ليس مؤهلا للموقع ، ولم يبعد الا بعد خراب مالطا ..واستبدل برجل يحمل نفس مؤهلات درهم نفسه وكان ذلك إشارة واضحة بأن عدن لن تبنى ولن تقام لها أية قائمة .
اليوم يعلنها السفير الامريكي توماس كراجسكي من عدن وبكل صراحة ، وهو الرجل الذي نهضت دبي في الفترة التي تولى العمل فيها في منصب المسئول والقنصل العام في القنصلية العامة الأمريكية في دبي. وكان عضواً فاعلاً في المجلس الاقتصادي الأمريكي في دبي حيث ساعد أكثر من 350 شركة أمريكية تمتلك مكاتب أو مقرات إقليمية في دبي، العاصمة التجارية لمنطقة الخليج العربي.
إن الدولة تعرف وتعلم تماما أن كراجسكي ما هو الا ممثل لبلاده التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع اليمن .. ولو سعت الدولة الى النهوض بعدن بجدية ( رغم أني اشك ان دولتنا فيها رجل جاد ) أن تلتفت الى ما قاله السفير الأمريكي ، وتعمل معه ولو مرة واحدة في النهوض بمشروع عدن العملاق بعيدا عن ( مكاردة وملاحقة الإرهابيين ) والتي اختصرت الدولة علاقاتها بأمريكا والغرب .. لماذا لا تستفيد الدولة من حنكة الرجل وعلاقاته في جذب الشركات الأمريكية والأوربية الى عدن لقيام مدينة حرة كما نحلم بها ويحلم بها ملايين العاطلين عن العمل على طول وعرض البلاد .. لا مدينة للنهب والنصب كما يريدها مجموعة من المتنفذين والمقربين .. اختبروا نوايا أصدقاء اليمن في مشاريع حقيقية تعود بالنفع للجانبين .. فمن يقرأ سيرة الرجل ( السفير الأمريكي ) في اليمن سيجد أنه شعلة من الحيوية والنشاط في الجوانب الاقتصادية ، ويكفي أنه أستطاع أن يجذب 350 شركة أمريكية الى دبي ومنطقة الخليج ..
اليمن بلد الجميع .. وأصدقاء اليمن الذين يبحثون عن استقرارها يدركون أن الاستقرار يكمن في الخروج من دوامة الفساد وتدارك الانهيار الاقتصادي.. فهل تتجه ( عقول ) الدولة إلى مخاطبة كراجسكي بالالتفات الى عدن وطلب مساعدته المباشرة لوضع برنامجا للنهوض بها كمدينة اقتصادية لليمن تنافس بما تملك من مقومات المنافسة الحقيقية .. أم تصر ( عجول ) السلطة على الاكتفاء بسياسة الكذب والوعود والنهب والتفيد بما تبقى من عدن أمام مرأى ومسمع أبناؤها وكوادرها المجربة الذين يتساقطون الواحد تلو الأخر قهرا وكمدا .
صحافي وكاتب بريطاني – يمني مقيم في لندن
Lutfi_shatara@yahoo.co.uk