أولاً : مقدمة حول موضوع وأهمية الدراسة

في ظل تنامي الاهتمام العربي والدولي بحقوق الطفل أصبح من الأهمية بمكان أن تكتسب قضايا الطفولة في اليمن حقها من الرعاية والاهتمام سيما وأن التركيبة السكانية تميل لصالح الفتية.
حيث يشكل الأطفال دون سن الخامسة عشرة حوالي 50% من السكان مما سيؤدي إلى ارتفاع نسبة الإعالة العمرية .
كما أن نسبة الخصوبة في اليمن تعد من أكثر النسب ارتفاعا في العــالم والتي تصل إلى(3.7%) وارتفاع معدل النمو السكاني هذا يقابله ضعف في القدرات والتنمية والنمو الاقتصادي وهذا بدوره يساعد على زيادة الفقر في المجتمع ويؤدي إلى تدهور وضع الأسرة اليمنية ، مما يستوجب وضع مشاكل الطفولة ضمن سلم أولويات خطط التنمية في اليمن .
وبالنظر إلى المشكلات التنموية الحالية والمرتبطة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور فإن عملية التنمية لاتلبي احتياجات السكان ويزداد الوضع تعقيداً إذا ربطنا تلك بالمتغيرات الدولية والإقليمية وما أفرزته من تحولات على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي التي رمت بظلالها على الدول النامية ومنها البلدان التي توصف في تقرير التنمية البشرية بالبلدان الأكثر فقراً.
وفي عالمنا المتغير يمكن القول أن التحولات السريعة التي شهدها المجتمع البشري منذ العقود الأخيرة من القرن العشرين سواء على صعيد التطور التكنولوجي أو على صعيد التحولات الاقتصادية باتجاه اقتصاد السوق وعولمة التجارة أدخل العالم مرحلة جديدة من التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأصبح النظام الاقتصادي العالمي قائم على سيطرة الاحتكارات الضخمة . (حيث تتركز قيادة الاقتصاد العالمي بيد شركات متعددة الجنسيات التي أصبحت تسيطر على حركة التجارة العالمية كونها تشكل حالياً القوة الثانية في الاقتصاد العالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية)(هيكل 2002).
إلى جانب التوجه العام الذي يفرضه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على دول العالم بربط القروض والمساعدات بالتوجه الاقتصادي تحت مسميات ما يعرف بالإصلاحات الاقتصادية وإعادة الهيكلة والذي يعني التحول الكامل للقطاعات الاقتصادية التي تملكها الدولة إلى القطاع الخاص مما يؤدي إلى تخلى الدولة عن مسئولياتها الاجتماعية وهو ما أثر بشكل كبير على البلدان المتخلفة وأدى إلى تدهور أوضاعها الاقتصادية والمعيشية وتحولت فئات واسعة من المجتمع إلى طبقة الفقراء ، منها الطبقة الوسطى التي تأثرت بشكل مباشر وأدت هذه التطورات إلى ذوبانها في مصاف الفئات الفقيرة في المجتمع وتوسعت رقعة محدودي الدخل وهو ما يؤدي إلى وجود فئات من المجتمع وخاصة الأطفال محرومة من إشباع احتياجاتهم المادية الأساسية وتعجز أسرهم عن كفالة معيشتهم ورعايتهم وتلبية متطلبات النمو والبقاء أمام الحاجة والعوز وتدهور الحياة المعيشية للفرد والأسرة ما يدفع التوجه بأبنائهم إلى سوق العمل الذي لا يتيح مجالاً للعمل أكان لأسباب متعلقة بالسن القانوني أو بسبب وجود البطالة وضعف التنمية فيتوجه الأطفال إلى الشارع ويصبح الشارع هو الملاذ الأخير والحاضن الأساسي لهم وضمان بقائهم وبقاء أسرهم فهذه الظاهرة مصير حتمي للفقر .
والحديث عن أطفال الشوارع في اليمن لا يمكن تناوله بمعزل عن التغيرات الكونية " في ظل التحولات العالمية نهاية القرن العشرين وفي ظل ما أصبح يتردد عن كون العالم قرية صغيرة بات من العرف ومن الضروري أيضاً عند تحليل اية ظاهرة اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أن يبدأ المرء من تأملها على نطاق العالم ثم ينتقل إلى المستويات الخاصة " (1) .
وظاهرة أطفال الشوارع ظاهرة عالمية ، لكن في العقود الأخيرة توسع انتشارها بشكل مثير للجدل .
وتشير البحوث والدراسات إلى أن عدداً من الدول العربية قد تأثرت بإفرازات هذه الظاهرة لأسباب متعددة منها الفقر والبطالة وعدم المساواة في توزيع الثروة التي تعد الدافع الرئيسي لانتشار عمل الأطفال والانحرافات السلوكية وفقدان الأمان .
وفي هذا السياق تقول أحدى مراجعات البنك الدولي : (حينما يسود الفقر وعدم المساواة في مجتمع ما تتزايد احتمالات انحراف الأطفال بالعمل كما تتزايد مخاطر استغلالهم )(اليونيسيف 1997م ) وفي اليمن نجد هناك ازدياد لأعداد أطفال الشوارع في السنوات الأخيرة وان كانت لا توجد دراسات وإحصائيات دقيقة عن حجم الظاهرة بسبب حداثة تناول الظاهرة فقد تركزت مجالات الدراسة والبحث في السنوات السابقة على النظر لمشاكل الأطفال من روئ قانونية كمنتهكين للقانون بما يعرف بالأحداث المنحرفين والمشردين والمتسولين والذين يقومون بأعمال هامشية ووفق النظرة العامة للمجتمع حيث توجد معايير اجتماعية للسلوك الإنساني منها الأعراف والعادات والتقاليد لكل مجتمع تعبر عن خصائصه وثقافته وأسلوب الحياة .
والإنسان كما يقول عنه " باجوت" حيوان صانع عادات .فطبيعته كإنسان تحتم عليه أن يقيم صرحاً من العادات والمعتقدات ، وهوإذ يفعل هذا إنما يرسي دعائم المجتمع (2) .
وتنتج عن هذه المعايير ضوابط اجتماعية تدخل في إطار السلوك الاجتماعي ما يعرف بالسلوك السوي وغير السوي .
والانحراف " السلوك غير السوي " برأي علماء النفس والاجتماع هو سلوك مضاد للمجتمع وأن انحراف الأحداث يأتي نتاج لما يتعرض له الأطفال من مشاكل وصعوبات حياتية .
والحديث عن أطفال الشوارع قد تناوله عدد محدود من الباحثين والمختصين برؤى متعددة ودراسات مختلفة من حالة الأطفال المشردين والمتسولين والأحداث الجانحين والأطفال بدون مأوى أو إقامة دائمة .
ويصبح من المهم محاولة دراسة مشكلة أطفال الشوارع من ناحية أكثر شمولية وتتواكب مع التطورات الجارية في الواقع اليمني حيث يلاحظ الباحث أو المتابع الارتفاع المضطرد للأطفال المنتشرين في الشوارع بشكل أصبح ملفت للنظر ، ناهيك عن الأطفال المودعين في دور الرعاية الاجتماعية ومراكز الحجز كمخالفين للقانون وهي ظاهرة لم تكن بارزة في سنوات مضت .
هؤلاء الأطفال عدد كبير منهم يسعون للحصول على ما يسد حاجاتهم ومساعدة أسرهم من خلال محاولة الحصول على ما هو ممكن من بيع سلع تافهة أو التسول أو تقديم خدمات معينه للآخرين .يحصل الطفل على مردود مادي من شأنه أن يؤمن لهم البقاء والأمان فأطفال الشوارع هم الأطفال المحرومون من الرعاية الأسرية والحماية ويتعرضون للاستغلال ولا يشعرون بالأمان كما يتعرضون للأمراض والأوبئة والضغوط النفسية مما يؤثر على حياتهم ونموهم الجسمي والنفسي .أن مثل هذه المشكلات لا يجب النظر إليها بسطحية أو التقليل من مضاعفاتها لأن ذلك يقود إلى أن تدخل دائرة الخطورة الاجتماعية عندما تتجاوز حدود الهامشية .
فالأطفال هم مستقبل الأمة والشخصية الإنسانية تتكون وتتحدد مع مراحل النمو الإنساني وبخاصة مرحلة الطفولة والتي تعد من أهم مراحل العمر ففيها تتشكل الشخصية الإنسانية وتحديد طبيعتها وخلال عملية النمو كما يرى علم النفس تتفتح إمكانية الفرد وتبرز في شكل قدرات ومهارات وصفات وخصائص شخصية .
وهناك ترابط بين توفير الاحتياجات الأساسية للطفل وطفل الشارع فعندما لا تحقق مصالح الطفل الفضلى والتي أكدت عليها اتفاقية حقوق الطفل الدولية مادة (3) فإن الأطفال الذين قسى عليهم الزمن وحرموا من الحصول على حق العيش والنمو والبقاء يكون مصيرهم الشارع .
- أهـداف الدارسة :
تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق ما يلي :
1- تشخيص ظاهرة أطفال الشوارع ومعرفة الأسباب الكامنة وراء ظاهرة أطفال الشوارع في اليمن .
2- وصف الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية لأطفال الشوارع وعلاقة ذلك بالأسرة والمجتمع اليمني.
3- معرفة مدى ما يوفره الشارع من احتياجات لأطفال الشوارع الأساسية التي تؤمن استمرار بقائهم .
2- تساؤلات الدراسة :
1- كيف يتوزع أطفال الشوارع في المدن الرئيسية أمانة العاصمة صنعاء ـ عدن ـ تعز ـ الحديدة على أساس العمر ، الجنس ، والمناطق التي قدم منها ؟
2- ماهي الحالة التعليمية لهؤلاء الأطفال ؟
3- ماهي الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها طفل الشارع في اليمن ؟
4- ماهي العوامل التي تدفع بالطفل إلى الشارع ؟
5- ما علاقة طفل الشارع بالحياة العملية ؟
6- كم عدد الساعات التي يقضيها الطفل في الشارع ؟
7- ما مدى كفاية ما يحصل عليه الطفل من دخل العمل في الشارع لسد احتياجاته والضرورية لبقاء حياته ومدى المساعدة التي يقدمها لدعم أسرته ؟
8- ماهي الأسباب وراء انتشار ظاهرة أطفال الشوارع ؟
9- ماهي ابرز المشاكل التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال ؟
10- نوع الاستغلال الذي يتعرض له أطفال الشوارع ؟


لدراسة الظاهرة تم استخدام مناهج البحث التالية :
1- استخدام المنهج الوصفي التحليلي .
2- استمارة الاستبيان :
لغرض البحث الميداني قام الباحث بتصميم استمارة استبيان تحتوي على عدد من الأسئلة المغلقة موجة للأفراد العينة .
وقبل استخدام الاستبيان لجمع البيانات من أفراد العينة المبحوثة تم إخضاع الاستبيان للاختبار من خلال استخدامه في جمع بيانات عن عينة تجريبية حجمها 20 طفلاً وطفلة من أطفال الشوارع مما ساعد على إعادة تقييم الاستبيان وتطويره .
وقد شملت الاستمارة محاور أساسية تناولت بنودها مجموعة من البيانات المطلوبة عن أفراد العينة .
3-منهج دراسة الحالة :
تم استخدام طريقة دراسة الحالة الشاملة والمتعمقة لعدد من الحالات من الأطفال الذكور والإنــــاث .
ولتنفيذ دراسة الحالة تم تصميم " دليل مقابلة شاملة "
4- المنهج الإحصائي:
من خلاله يتم التصنيف والتبويب للمعطيات الكمية وجدولتها واكتشاف العلاقات بينها .
4- عينة الدراسة :
لتحليل الظاهرة المدروسة تم اختيار عينة عشوائية لعدد من الأطفال الذين يتواجدون في الشارع بصورة دائمة وبخاصة في الشوارع الرئيسية والجولات (تقاطع الطرقات) والأماكن العامة في أربع مدن رئيسية يمنية هي (أمانة العاصمة صنعاء ـ عدن ـ تعز ـ الحديدة) بلغ عدد أفراد العينة 140 طفلاً وطفلــــة .
5- حدود الدراسة :
من واقع حياة أطفال الشوارع في اليمن يتضح بأنها ظاهرة منتشرة في مختلف المدن اليمنية .
وحدود دراستنا هذه اقتصرت على المدن الرئيسية في أربع محافظات هي أمانة العاصمة صنعاء محافظة عدن محافظة تعز محافظة الحديدة . وذلك مرتبط بالإمكانيات المادية المتاحة والوقت الذي لا يمكننا من التوسع في الدراسة فموضوع مثل هذا يتطلب إمكانيات كبيرة سيما وأنه من المصطلحات الجديدة في اليمن والوطن العربي والتي دخلت مجالات البحث والدراسة وقد شكلت البحوث والدراسات السابقة المحلية والعربية والأجنبية حول ظاهرة أطفال الشوارع المرجعية لهذه الدراسة واستفاد الباحث منها في المجالين النظري والتطبيقي .
6- المجتمع المدروس :
مجتمع الدراسة يتكون من الأطفال المتواجدين في الشارع من الجنسين (ذكر وأنثى) يقعون بين الفئة العمرية 5-17 سنة وينطبق عليهم تعريف أطفال الشوارع الذي أعتمد ناه في هذه الدراسة( وهو تعريف ورشة العمل الإقليمية التي نظمها المجلس العربي للطفولة والتنمية المنعقدة في القاهرة في سبتمبر 1999م ) ونظراً لأن مثل هذه الدراسات التي تقوم على جمع البيانات و الاحصائات من خلال أطفال الشوارع الذين يتواجدون في مختلف المدن اليمنية ومثل هذا العمل الكبير يكلف مبالغ كبيرة من المال وفترة زمنية طويلة وهذا مالم يتوفر للباحث إلى جانب أن مثل هذا البحث يتطلب مجموعة عمل متميزة وجهد إضافي " نظراً لصعوبة ضبط هذه الفئة من الأطفال بحكم تنقلها المستمر وصعوبة تحديد من هو طفل الشارع من طرف المستجوبين "(3).
فقد تم اللجوء إلى اختيار عينة عشوائية لأطفال الشوارع في كل من المدن الرئيسية أمانة العاصمة صنعاء ، عدن ، تعز ، الحديدة من أجل أن تمثل المجتمع المدروس على مستوى الجمهورية اليمنية .
وقد تم اختيار العينات العشوائية في هذه المدن للاعتبارات التالية :-
• تواجد أطفال الشوارع بما فيهم المشردين والمتسولين يكون في المدن ويرجع لأسباب اقتصادية واجتماعية منها الفقر والهجرة من الريف للحضر وازدياد العشوائيات ومساكن الصفيح في محيط المدن الرئيسية .
• تعد أمانة العاصمة صنعاء من أهم المدن الرئيسية في الجمهورية اليمنية فهي المركز الرئيسي لمختلف الفعاليات في الوطن باعتبارها عاصمة الدولة حيث يزداد الباحثون عن عمل ولسد رمق العيش يلجأون إلى العاصمة للاعتقاد بتوفر فرص أكبر تمكنهم من تحقيق متطلباتهم الحياتية ، وتتفق أغلب الدراسات والتقارير على تزايد عدد الأطفال العاملين في الشوارع بصورة كبيرة في جميع مراكز مدن البلاد الكبيرة وذلك تبعاً لازدياد الصعوبات الاقتصادية .
• في حين يعيش بعض الأطفال المشردين في شوارع المدن الكبيرة وخاصة صنعاء.
• وهناك عدد كبير من النساء والأطفال المتسولين في شوارع صنعاء وغيرهم ينحدرون من الطبقة المعروفة تقليدياً (بالأخدام) ومن العائدين من المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج (4) .
• تحتل كل من أمانة العاصمة ومحافظة عدن ومحافظة تعز أهمية خاصة مقارنة بالمحافظات الأخرى في الجمهورية كونها مناطق جذب لقوة العمل نظراً لتركز وتنوع مختلف النشاطات الاقتصادية فيها إلى جانب أن محافظة عدن تتميز بأنها مدينة (متنوعة).
• فهي ملتقى لأبناء اليمن من مختلف المحافظات على مدى الزمن إلى جانب أنها منطقة حرة فإن مدينة عدن ومدينة الحديدة مناطق تجارية هامة وفيهما أهم الموانئ اليمنية ، ميناء عدن وميناء الحديدة اللذان يشكلان العصب الأساسي للتجارة في اليمن واللذان يشكلان مراكز حيوية وجذب للعمالة والباحثين عن أعمال لتسيير حياتهم المعيشية