هلت على شعبنا اليمنى الصامد والصبور الذكرى السادسة عشرة لاعلان الوحدة، بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية، فى الثانى والعشرين من مايو 1990م، ذلك الهدف السامى والنبيل الذى حلمت به وناضلت من اجله اجيال من ابناء شعبنا المكافح، فلكل من حلم بالمعاني السامية والاهداف العظيمة المتوخاة من بلوغ ذلك اليوم التاريخى ازف أحر التهانى والتبريكات داعيا المولى جلت قدرته وعظمت حكمته ان يعين شعبنا على بلوغ تلك الاهداف التى حملها إعلان الثاني والعشرين من مايو 1990م.

لقد فجر شعبنا الثورة للقضاء على الحكم الامامى والسلاطيني الوراثي الظالم والمستبد والمتخلف، قدم خلالهما قوافل من الشهداء من خيرة ابنائه الذين ضحوا بأرواحهم على مذبح الحرية والانعتاق من الظلم والتخلف باشكالهما المختلفة وليقيم حكما قوامه الحرية و العدل والمساواة، يكد ويعمل و يتنافس تحت سقف مبادئه ابناء الوطن ليبنوا حياتهم المشرقة.. حياة الرفاه والنماء، حياة هانئة فاعلة فى شتى المجالات، حياة ليس للخوف من اليوم اوالغد مجال فيها، ولا للخنوع والذل والتملق مكان يحط من قيمها، حياة يكون كل ابناء الوطن شركاء فيها لا رعايا ومأجورون.

وجاء اعلان الثاني والعشرين من مايو 1990م، لينتقل بالشعب فى شمال الوطن وجنوبه، بعد نجاح الثورة فى تحقيق هدفهما الاول وفشل انظمته الشطرية الشمولية فى تحقيق اهدافهما الاخرى، ويضعه على سكة طريق استكمال اهداف ثورتيه لتحقيق تطلعات الشعب فى حياة آمنة ومستقرة، خالية من مظاهر الفقر والبؤس والخوف والاستغلال والظلم والقهر، ويبنى مجتمعا يكون الانسان فيه محور التغيير، اداته وهدفه، ويمتلك ناصية النماء المادي والروحي بو سائله الحديثة المختلفة. ومن اجل ذلك اقترن اعلان الوحدة بالديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمى للسلطة، الغائب الشطري الذي كان سببا وراء كل المآسي والاحتقانات والاخفاقات الشطرية، و لتضع حدا فاصلا بين الشطرية والوحدة ، ولكي يمتلك الشعب اداة التغيير السلمي ومراقبة الحكم ويضعه دوما على نهج العدل والمساواة، فالعدل هو الوجه الآخر للأمن والاستقرار، والمساواة هي الأخرى وجه من اوجه النماء، فبالمساواة تتكافأ الفرص بين ابناء الوطن، ويختفي الفساد والظلم والاستغلال والمحاباة والمناطقية والشطرية وكل المظاهر الاخرى المسببة للأذى والمعيقة للابداع والتطور والنماء، والمحبطة للانتماء.

أين تقف اليمن اليوم من مبادئها واهدافها المعلنة؟ صحيح أن البلاد قد شهدت منذ انتصار الثورة الكثير من الانجازات على مختلف الصعد، وساعد استخراج النفط بعد الوحدة في تمويل العديد من المشروعات الخدمية و مشروعات البنية التحتية، وساهم القطاع الخاص فى تنفيذ بعض المشروعات الصناعية ذات الطابع الاستهلاكى وتعددت الجامعات والاحزاب والمنتديات التي اختلط معها الفكري والثقافي منها بالدعائي، وتكونت الكثير من منظمات المجتمع المدني، وانتشرت الصحف والمجلات وزادت حرية الكلام، وعززت المؤسسات الأمنية والعسكرية ودججت بالسلاح ووسائل القمع من كل الاصناف والماركات واصطفي قاداتها من ذوي الحظوة والقربى.

فهل هذا هو المطلوب لتأمين مستقبل رغد وآمن للشعب؟ اعتقد ان الجواب سيأتي على لسان كل فرد من ابناء اليمن، كلا، ليس ذلك هو المطلوب، فليس المطلوب اشكال وصور الاشياء ولكن محتواها ومردوداتها على الانسان، والتغيير الذي تحدثه فى حياته.

الديمقراطية بهامشها المحدود مفزعة للسلطة التى تخاف التغيير وتتصدى له بكل الصور والاشكال، ففي الوقت الذي تسمح فيه بالتعددية الحزبية تقف امام التداول السلمي للسلطة كمخرج للديمقراطية والتعددية الحزبية، ولاتريد لها ان تتخطى خطوطها الحمراء بالتطلع والعمل من أجل التداول السلمى للسلطة، فما معنى التعددية والديمقراطية اذن؟ أليست مفضية للتداول السلمي، والشعب هو الحكم والفيصل.. هل هناك اجندة اخرى يعمل عليها النظام غير التداول السلمي للسلطة ؟ أليس النظام الديمقراطي يرتكز على جناحين هما السلطة والمعارضة،؟ أليس للمعارضة الحق في استلام السلطة إذا اختارها الشعب، وانما يأتي هذا الاختيار بعد اخفاق السلطة في تحقيق تطلعات الشعب وطموحاته في حفظ أمنه وكرامته والارتقاء بمستوى معيشته. أليست منظمات المجتمع مكملة للمنظومة الديمقراطية وتدافع عن حقوق المواطن وتساعده وتدله على الطرق الصحيحة لممارسة حقوقه، لماذا تفرخ هي الاخرى كما تفرخ الاحزاب؟ أليس ذلك دليلا على اصرار السلطة استكمال حلقات خنق الديمقراطية وابقائها فى حدود الشكل بالكلام لاالفعل. فهل تلك الافعال لمصلحة الوطن والمواطن؟..

الفقر والبطالة والخوف من الغد سمات تطبع الحاضر اليمني، لماذا؟ لان الاشياء تؤخذ بصورها ولان التنمية لم تستهدف الانسان، ولان السياسة تستهجن التغيير وتدافع عن الحاضر بكل قصوره وسلبياته وتتمسك بالرأى وتقصي الآخر، لاتعترف بالخلاف الموضوعي في الرأي فتدعي امتلاك الحقيقة، تقسم الارزاق ولاتسمح بالحصول عليها من ابوابها المشروعة . سياسة كهذه لابد وان تنتج الفساد كمخرج وحيد وسيد لها.

والفساد هذا المنتج او المخرج القبيح يولد مخرجات عدة ومتنوعة واشد قبحا، فهو يحكم السياسة والامن والاقتصاد، ويمسخ العدل والمساواة ويحصر الامن والرفاه لفئة حاكمة محظوظة ومحصورة العدد..متميزة عن السواد الاعظم للشعب المكد خلف لقمة العيش النظيف، ويتم ذلك فى العصرالراهن المليء بالتجارب والعبر القديمة والحديثة منها وكلها تروي حكايات انهيار الامبراطوريات والدول بسبب احتكار الأمن والرفاه للفئة الحاكمة دون شعبها.

وشعبنا يودع العام السادس عشر على اعلان الوحدة ويلج العام السابع عشر كما ويستقبل استحقاقين ديمقراطيين، الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجالس المحلية، النجاح فى ادائهما على وجه أكمل سيحدد المسار المأمون نحو المستقبل وللتقصير فى ادائهما مضار على المسار، فهل لنا ان نتطلع إلى جدية ومسؤولية السلطة والمعارضة على السواء لتجنيب اليمن مازق الانهيار ووضعه على المسار الصحيح صونا لوحدته وامنه ونمائه. ويتلخص اداء هذه الواجبات بمسؤولية مركزة لكل من السلطة والمعارضة وهى:- على السلطة ان تبتعد عن التدخل فى كسر ارادة الناخب وعلى المعارضة ان تبتعد عن المجاملة والخوف والتردد وتخوض المعترك ببسالة وطنية. ونحذر كلاهما من الاشتراك فى صفقة تحبط وتكسر إرادة الشعب.

والانتخابات الرئاسية او المحلية ليست نهاية المطاف فهناك ملفات غاية فى الأهمية على السلطة والمعارضة مواجهتها بشجاعة ومسؤولية إن هي جادة ومخلصة فى اصلاح البيت اليمنى قبل ان تعصف به أهمها:

إصلاح المنظومة السياسية دستوريا بما يمنع احتكار السلطة وتركزها في يد شخص واحد او هيئة واحدة

إعادة الاعتبار للوحدة التي خدشتها حرب 1994م

تصفية آثار الصراعات السياسية

اصلاح اقتصادي وإداري ومالي شامل يقضي على بؤر الفساد

إصلاح القضاء واحترام استقلاله وسيادة الدستور والقانون في الحياة السياسية والعامة والخاصة

إبعاد المؤسستين العسكرية والأمنية عن الحكم والالتزام لمهامهما الدستورية الواضحة

تعزيز مؤسسات المجتمع المدني بما يكرس الطابع المدني للنظام

أتمنى ان يحل العام الجديد وقد حمل اخباراً سارة تهدي الي الطريق القويم وتنبئ باشتداد العزم عند شعبنا وقواه الوطنية المنظمة على خوض معترك الديمقراطية ببصيرة وبسالة لاصلاح وصيانة البيت اليمني من اهوال العصر. والله من وراء القصد.