الفوضى ليست البديل..!!

الثورة نت

هناك للأسف الشديد من يسعى بإصرار عجيب واندفاع مريب إلى تكريس عوامل الفوضى وتوطينها في الواقع السياسي والاجتماعي وشرعنة مسلكياتها، لتحل ثقافة الفوضى محل احترام النظام والقانون والدستور وقواعد الممارسة الديمقراطية وقيم التعددية السياسية والحزبية، ومعطيات الحياة المدنية المتحضرة، التي لا ينبغي لأحد فيها القفز فوق إرادة الشعب التي أسفرت عنها صناديق الاقتراع، أو المؤسسات الدستورية التي تكتسب قوتها ومشروعيتها من تلك الإرادة.
والمشكلة أن من يسيرون في هذا الاتجاه المتعرج لا يخفون نواياهم إزاء ما يتصل بمثل هذا المشروع التدميري، الذي يعملون بدأب من أجل توريثه لهذا الوطن، بعد أن شعروا بأنه في ظل استتباب عوامل الأمن والاستقرار، وبسط هيبة النظام والقانون، والتزام الجميع بضوابط الممارسة السياسية والحزبية، واحتكامهم للحوار المسؤول في حل ومعالجة القضايا الخلافية والمشكلات التي تعترض طريق الوطن، فإنهم سيظلون في الهامش ولن يصلوا إلى طموحاتهم ورغباتهم وأحلامهم في السيطرة على كراسي الحكم والهيمنة على رقاب الناس، بحكم ابتعاد الناس عنهم ورفض الكثير منهم التصويت لهم ومنحهم ثقتهم.
ولذلك فإنهم وبعد أن فشلوا في بلوغ مثل تلك الغايات عن طريق التنافس الانتخابي، أرادوا تعويض ذلك الفشل عبر التحريض على أعمال العنف والتخريب وقطع الطرق وضرب أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط، ومنع وصول الغاز والبنزين والديزل إلى العاصمة والمحافظات، وتوفير الغطاء السياسي والإعلامي للعناصر الخارجة على النظام والقانون، لاعتقادهم بأن ذلك هو السبيل إلى تنفيذ مشاريعهم الانقلابية، والتي تأتي في إطارها دعوتهم إلى تشكيل ما أسموه "المجلس الانتقالي"، وهو المشروع الذي شبهه البعض بـ"ذبابة أيار" التي تموت في نفس الليلة التي ولدت فيها.
وأقل ما يقال عن دعوة كهذه أنها تدخل ضمن نطاق الرعونة السياسية والتنطع الحزبي المجرد من اعتبارات المسؤولية إن لم تكن تندرج في إطار إحلال ثقافة الفوضى، أو في ما يمكن تسميته انكسار موجة المراهنات التي عشعشت في عقول هؤلاء، خاصة بعد الاعتداء الآثم والجبان الذي استهدف رئيس الجمهورية وكبار مسؤولي الدولة، لكونهم راهنوا على أن مثل ذلك الحادث الغادر وما أسفر عنه يمكن أن يفضي إلى فراغ يمكنهم من تنصيب أنفسهم حكاماً على هذا الشعب رغم أنفه وأنف الديمقراطية، إلاً أن ذلك فشل تحت إيقاع الزخم الشعبي، الذي ظل وفيّاً للشرعية الدستورية وقيادته السياسية بزعامة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: لماذا تسعى هذه القوى السياسية والحزبية إلى إغراق اليمن في أتون الفوضى والمشاريع الانقلابية، وهي تعلم أنها لن تسفر إلاّ عن المزيد من الانفلات والتوتر والقلق والدماء والأشلاء، في حين أن ما يحتاج إليه اليمن هو الاستقرار والأمن والأمان، وعودة الحياة إلى طبيعتها الهادئة، وحل الخلافات والمشكلات القائمة عن طريق الحوار والتفاهم، والحرص المشترك على مصلحة اليمن..؟.
وبماذا تبرر هذه القوى السياسية والحزبية هروبها من الحوار، على الرغم من نجاعة هذا الخيار وواقعيته، وما يحمله من بعد حضاري، ومعانٍ إنسانية وقيمية، وتستبدل كل ذلك بمشاريع تغلب عليها الضبابية والأحادية والروح العدائية والانتهازية المفرطة، التي وإن روعي فيها مصلحة بعض الأفراد أو الجماعات أو الأحزاب، فإن ضررها البالغ سينعكس على اليمن وأبنائه جميعاً.
إن ما يدعو إلى الاستغراب حقاً أن نسمع من يقول أن صلاحية الحوار قد انتهت، وكأن الحوار علبة صلصة أو أناناس، صلاحية استهلاكها محددة بزمن معين..!!.
وسواء آمن هؤلاء بحقيقة أن الحوار هو منطق أصحاب العقول الناضجة والرؤى الرصينة والفكر الرشيد أو لم يؤمنوا، فإنه لا مخرج إلاّ بالحوار الذي يضمن لكل ذي حق حقه، ويضمن لليمن تجاوز أزماته ومصاعبه وتحدياته، والسير بكل ثبات نحو المستقبل المشرق والأرغد.