سقطت الأقنعة

بقلم / د.عادل الشجاع

بدأت التناقضات داخل أحزاب اللقاء المشترك تدب بقوة بعدما أدركت أحزاب اليسار أنها كانت مجرد لعبة بيد القوى الدينية والقبلية المتطرفة. لقد أدركت هذه الأحزاب - ولو متأخراً - أنها تُجر إلى العنف المسلح وإلى الذخيرة الحية والقتل ضد رجال الأمن.
لقد أدرك الشعب اليمني هذه التناقضات ورأى أن فيها مفترقاً عظيماً انتظاراً لحقيقة آتية لاريب فيها، وأدرك أن القبيلة بمفهومها التقليدي السائد, تحتضر والمشيخ يتخبط منحدراً إلى درك الموت, الدرك الذي بدأ بحفره عميقاً حميد الأحمر.لم يكن أحد يدرك أن في رأس كل طاغية, أرنباً يلقنه كل يوم: كيف يرتدي ثياب الجبن, وكيف يتهيأ للاختفاء بعدما يسير في شوارع المدن اليمنية ترافقه عشرات السيارات المدججة بالسلاح, أو بعدما كان يعتلي منابر المساجد وهو مهووس بالصور الإعلامية.
لقد كذب هؤلاء كثيراً وافتضح أمرهم حينما قالوا إنهم يريدون دولة مدنية، لكنهم دمروا المدنية بكل ماأوتوا من حقد السلاح، ونسوا أو تناسوا بأن الدولة هي في النهاية تعاقد بين الحاكم والمحكوم. ولولا هذا التعاقد لما كان هناك شعب ولو لم يكن هناك شعب لما كان ممكناً إقامة الديمقراطية، ولست بحاجة للقول بأن الشعب اليمني لايحتاج لحزب علي ومعاوية والخوارج أو أي حزب يرفع المصاحف على أسنة الرماح.. الشعب اليمني يحتاج إلى حزب يقوم على فكرة «الناس أعلم بشئون دنياهم» والدنيا هي الزمن والتجربة ومصالح العباد ومقاصد الخير وكرامة الإنسان الذي كلف بالعمران.
من كان يصدق أن مرتزقة من أبناء تعز يحترفون القتل مقابل حفنة من المال الملوث بلوثة ناهب الأراضي ومشعل الحروب في صعدة وعدن وأبين والحليف الرئيسي لتنظيم القاعدة.
من يصدق أن تعز تلك المدينة الحالمة التي كانت بوصلة الحوار الاجتماعي، حينما زرعت أبناءها في كل أرض من الجمهورية اليمنية لتقدم الصورة الحقيقية للوحدة من خلال أبنائها المسالمين.. من كان يصدق أن هؤلاء القتلة سيستخدمون قضايا الناس المعيشية كسلاح في الصراع السياسي، أرادوا أن يضحكوا على الشعب اليمني فزعموا أنهم يصنعون ثورة, لكن الشعب قال لهم إن كل ثورات العالم قامت على قيم ثلاث, فماهي قيمكم؟ قامت الثورة المصرية على الاتحاد والنظام والعمل, بمعنى الحرية والاشتراكية والوحدة، والثورة الفرنسية قامت على الأخوة والعدالة والمساواة.
ومثلها الثورة الأمريكية التي قامت على الحياة والحرية والسعي نحو السعادة.. ولم تكن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر خارج هذا السياق الثوري, فقد قامت على الحرية والكرامة والعدالة.. فما هي قيمكم أيها القتلة؟
إن الثورة لابد أن تكون قادرة على الإلهام وجذب الإجماع بين الجماعات المختلفة، ولابد أن تكون معبرة عن معاناة الناس والاقتراب من شكل المستقبل.
لقد تساءل الناس جميعاً عن القيم التي ينادي بها من خرجوا إلى الساحات المختلفة وأصيب المواطن اليمني بالدهشة مصحوبة بالفزع على ضياع حقوقه المكتسبة التي كان يتمتع بها ثم نزعت منه بسبب هؤلاء الطامحين للسلطة حتى لو كانت على جثث أبناء هذا الشعب.. لقد تنكروا للديمقراطية ووظفوا الدين وتاجروا بدماء الناس.
لقد زعم الشباب الذين لاينتمون إلى أحزاب سياسية بأن ساحاتهم هي ساحات التطهير، لكنهم لم يستطيعوا تطهير الجنرالات أوالمشايخ أو أدعياء الدين من الآثام والشرور.. زعموا أنهم سوف يصفون حساباتهم معهم بعد الثورة, لكنهم كانوا يجهلون التاريخ, فالخوارج عندما ظنوا أنهم يتطهرون سخطوا على كل من انحرف على مبادئهم. والمفكر الروسي تروتسكي خرج على الثورة البلشفية باحثاً عن الطهر، فقاد الجماعة التابعة له إلى احتضان الإرهاب, ومثل ذلك ذهبت جماعات التكفير والهجرة والقاعدة الذين يسعون من وجهة نظرهم إلى حالة نقية من التطهر الذي لايوجد فيه ذنب أو معصية بحسب تصورهم أن الكمال لله وحده، وماعلى الإنسان إلا السعي في حياته الدنيا، أن يجعل إسهاماته في العمران والبناء والتغيير محققة لذاته وللرسالات العظمى التي تراكمت على مدى التاريخ.
إن الحرية والكرامة والعدالة توضع ضمن إطار التجربة التاريخية للإنسانية كلها والتي تسعى إلى تحقيق القيم والأهداف ذاتها.. فهل هذه القيم يستطيع تحملها وإرساء مبادئها شيخ يدافع عن هذا اللقب حتى لو ضحى بكل أبناء الشعب؟
أقول بكل وضوح لم يعد مطلوباً من أحد اليوم أن يعيد اختراع العجلة من جديد لأنه قد تم اختراعها منذ زمن بعيد.. نحن بحاجة إلى تقييد نزعات الأنانية والإثم لدى هؤلاء القتلة من خلال القانون والمؤسسات والمعرفة بالذات والوطن والكون.