اليمن الحر !!
لا يمكن لأحد مهما كان سواء في الداخل أو في الخارج أن يفرض على أبناء الشعب اليمني خياراته، أو ينازعهم إرادتهم الوطنية، أو يجعل من نفسه وصيّاً عليهم، باعتبار أن هذا الشعب لم يعد قاصراً، أو بحاجة لمن يعلمه كيف يصوغ توجهاته السياسية والديمقراطية، خاصة وأنه قدّم خلال عقدين من الزمن أرقى النماذج في التعاطي مع مستلزمات التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية الرأي والتعبير، واحترام الآخر.
وتجسيداً لكل هذا فإنه – الشعب- عندما منح ثقته في صناديق الاقتراع لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح في انتخابات حرة ونزيهة وشفَّافة، توفرت فيها أدق المعايير الدولية من حيث المصداقية بشهادة مراقبي الاتحاد الأوروبي والمنظمات المهتمة بالشأن الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من بلدان العالم، فإن اختياره لهذا الزعيم كان نابعاً من ضمير وطني وإرادة واعية بأن من انتقل به من عهود التشظي والتجزئة والتشطير والكبت والحرمان إلى زمن الوحدة وعصر الديمقراطية التعددية، هو الأكثر اقتداراً على المضي به إلى رحاب المستقبل الآمن والمستقر والمتحضر، والسير به نحو تطلعاته في التطور والرقي والتقدم الشامل.
ولا نعتقد أنَّ أحداً من الذين تأثروا بالظروف والتطورات التي شهدتها المنطقة العربية مؤخراً في إطار مشروع "الفوضى الخلاّقة" أو "الشرق الأوسط الجديد" وأعطوا لأنفسهم دون وجه حق، الحديث عن شأن وطني بحت، انطلاقاً من مسألة انتقال السُّلطة في اليمن، يمكن له التشكيك أو حتى إثارة الغبار حول سلامة الإجراءات الديمقراطية التي أوصلت الرئيس علي عبدالله صالح إلى سِدّة الحكم، لأن شهادات منظماتهم ما تزال محفوظة، كما أن إشادات مؤسساتهم السياسية والديمقراطية، بنقاء ونزاهة تلك الإجراءات، تتصدر مكتبات الوسائل الإعلامية العالمية.
والواقع أن ثمة التباساً حدث في رؤية هؤلاء حينما أرادوا إسقاط ما جرى في بعض البلدان العربية على الواقع في اليمن، رغم البون الشاسع بين الحالتين، فالخلاف في اليمن خلاف سياسي بين الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة في اللقاء المشترك، التي سعت إلى استغلال الأوضاع التي شهدتها المنطقة العربية، بدفع عناصرها إلى محاكاة الاعتصامات والتظاهرات في البلدان الشقيقة، وحشد أعضائها في بعض ساحات الاعتصامات للتضليل على الرأي العام الخارجي، والإيحاء له بأن ما يحدث في اليمن لا يختلف عن المشهد في تونس ومصر، على الرغم مما في هذا الطرح من افتراء واعتساف للحقائق.
ولا ندري كيف لعقولنا أن تقبل بمثل تلك النصائح التي يطلقها من يقدمون أنفسهم كرعاة للديمقراطية في العالم، فيما هم يرفضون القبول بأي انتقاص لقاعدة أن الأغلبية تحكم والأقلية تعارض، أو تقديم أي تنازل عن نتائج صناديق الاقتراع في أية انتخابات حرة ونزيهة.
بل ولم نسمع في العالم كله أن حزباً فاز في الانتخابات قد تنازل عن حقه الديمقراطي لمصلحة الآخر، لمجرد أن هذا الآخر قد حشد أنصاره للتظاهر والاعتصام، ولم نسمع البتة أن "الحزب الديمقراطي الأمريكي" مثلاً قد سعى إلى إسقاط منافسه "الحزب الجمهوري" وإقصائه من الحكم عن طريق التظاهرات والاعتصامات، حتى وإن تراجعت نسبة المؤيدين له في الاستبيانات الشعبية واستطلاعات الرأي إلى ما يمثل أقل من 30%.
ولعل مثل هذه الطروح قد أغرت البعض في بلادنا بالاستعجال في طرح نفسه بديلاً، مدفوعاً برغبته في الوصول إلى السلطة عبر أية وسيلة، ومن ذلك طريق الفوضى والاعتداء على المنشآت العامة والخاصة وإتلاف محتوياتها وسفك دماء الأبرياء، وانتهاك الأعراض والحرمات وإقلاق السكينة العامة، والأفعال التدميرية والتخريبية التي تأباها أخلاقيات اليمنيين، والقيم والمثل القبلية الأصيلة، في اندفاعات متهورة ستفشل أمام إرادة الجماهير التي ترفض أي انقلاب على المبادئ الديمقراطية والشرعية الدستورية واغتصاب السلطة بالقوة.
ومن لا يكون العقل دليله يصبح ضحية أهوائه وغرائزه وحماقاته وغروره الأهوج.
Bookmarks