لم يكن ذهاب كل من دونالد رامسفيلد وزير الدفاع وكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الي العراق مجرد صدفة، وحرصاً علي التسريع بتشكيل حكومة عراقية تملأ الفراغ السياسي الحالي، فهذه اهداف جانبية، تصب في اطار هدف أكبر، وهو تهيئة الاجواء للحرب الامريكية المقبلة ضد ايران.
فهذه هي المرة الاولي في تاريخ الولايات المتحدة يذهب فيها اكبر مسؤولين بعد الرئيس لاستجداء حفنة من السياسيين المبتدئين، لانهاء مسألة تشكيل الحكومة، واعطاء وزارتي الدفاع والداخلية لشخصيات مستقلة لتهدئة غضب الحلفاء العرب السنة، واعادتهم الي الخريطة الحكومية. فالادارة الامريكية تريد هذه الحكومة كذريعة لسحب اكبر عدد من قواتها من العراق حتي لا تقع صيداً سهلاً للميليشيات العراقية اسماً، الايرانية ولاء، في حال شنها غارات عسكرية لتدمير المفاعلات النووية الايرانية. وأكد موفق الربيعي مستشار الأمن القومي العراقي الذي كان من اكبر المتعاملين مع الاجهزة الامريكية والبريطانية، والمحرضين علي الغزو، هذه الحقيقة عندما قال ان القوات الامريكية ستغادر في معظمها العراق بنهاية العام المقبل.
العد التنازلي للضربات الجوية الامريكية لايران ومفاعلاتها بدأ يوم امس عندما اعلن الدكتور محمد البرادعي رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية ان ايران مستمرة في تخصيب اليورانيوم، وانها لم تلتزم بالمهلة التي حددها مجلس الامن بثلاثين يوماً لوقف عمليات التخصيب هذه.
الضربات الجوية الامريكية لايران متوقعة في خريف عام 2007، أي في الوقت الذي حدده السيد الربيعي لسحب كل القوات الامريكية من العراق. وحتي يتم الوصول الي هذا الموعد يمكن تلخيص السيناريو الامريكي في النقاط التالية:
اولاً: استصدار اكبر عدد ممكن من القرارات عن مجلس الامن الدولي لادانة ايران، واتهامها بانتهاك الشرعية الدولية علي غرار ما حدث مع العراق، للتمهيد للعمل العسكري وشرعنته.
ثانياً: اعطــــاء اكبر قدر ممــكن من الوقت للاتصالات الدبلوماسية وجهود الوساطة للايحاء للرأي العام العالمي بأن اللجوء للقوة جاء الخيار الاخـــير، وبعد استهلاك كل الخطوات السلمية الممكنة لتجنبه.
ثالثاً: خلق تحالف دولي صلب خلف خطوات تحييد البرنامج النووي الايراني، يضم الدول العربية، والخليجية منها علي وجه الخصوص. واحياء الصراع القومي العربي ـ الفارسي من جديد في المنطقة.
المواجهة العسكرية مع ايران لا يمكن تجنبها، فالملالي الحكام في طهران لن يتراجعوا عن برنامجهم النووي تحت الضغوط الدولية لأن هذا التراجع سيشكل اكبر اهانة لهم، وسيؤدي الي فقدانهم السلطة، خاصة ان اوضاع البلاد الاقتصادية في تدهور والبطالة في ذروتها. أما الولايات المتحدة فلن تتراجع ايضاً، ولن تسمح لايران بامتلاك اسلحة نووية تهدد هيمنتها علي منطقة الخليج ذات الاحتياطات النفطية الهائلة، وتنهي التفوق النووي والعسكري الاسرائيلي في المنطقة. وقد لخص السناتور ماكلين المرشح السابق للرئاسة الموقف الامريكي في مقابلة تلفزيونية بقوله ليس هناك اسوأ من العمل العسكري ضد ايران غير امتلاكها اسلحة نووية .
العمل العسكري الامريكي ضد ايران سيكون صعباً، لأن ايران تعلمت من ضربة المفاعل النووي العراقي في حزيران (يونيو) عام 1981 الذي دمرته الطائرات الاسرائيلية. فقد نشرت تجهيزاتها النووية في ثلاثين موقعاً، بعضها في مناطق جبلية، واستثمرت بشكل كبير في تطوير دفاعاتها الارضية مثل شراء صواريخ ومدافع مضادة متقدمة.
الخبراء الامريكيون يروجون حالياً بأن الحرب تكسب اليوم بالتكنولوجيا الاليكترونية، فاسرائيل دمرت المفاعل النووي العراقي في ثمانين ثانية، وامريكا تملك قنابل تصل زنتها الفي كيلوغرام استخدمتها في تورا بورا، وتستطيع تدمير ستة امتار من الخرسانة المسلحة، وتصل الي ثلاثين متراً تحت الارض في مناطق جبلية، وقد باعت اسرائيل مئة من هذه القنابل.
هذا الكلام نظرياً يبدو صحيحاً، ولكن التطبيق علي الارض ربما يعطي نتائج مغايرة تماماً. فصحيح ان القوة الامريكية الضاربة نجحت في احتلال العراق في ثلاثة اسابيع، ولكنها ما زالت عاجزة عن السيطرة عليه بعد ثلاث سنوات خسرت خلالها 320 مليار دولار حتي الآن حسب تقديرات صحيفة واشنطن بوست الامريكية ومرشحة للزيادة بمقدار الضعف في غضون عامين.
فأي غارات جوية علي ايران ستوحد الايرانيين خلف حكومتهم، والأكثر من ذلك ستؤدي الي توحيد القومية الايرانية مع الشيعة الاصولية والنتائج التي ستترتب علي ذلك ستكون خطيرة للغاية. فالانتقام الايراني حتمي، وارتفاع اسعار النفط الي اكثر من مئة وخمسين دولاراً امر متوقع. وهذا يعني انهيار الاقتصاد العالمي، ولم يكن مستغرباً ان ينصح الخبراء الماليون زبائنهم في الاستثمار في الذهب، لأنه يعتبر الأكثر امناً في زمن الحروب، وهذا ما يفسر ارتفاع اسعار المعادن النفيسة بشكل هائل هذه الايام.
امريكا عازمة علي الحرب، وتحاول كسب الوقت، ومن الملاحظ، ورغم كل احاديثها عن تفضيلها الحلول الدبلوماسية، انها لا تتفاوض مع ايران مباشرة، وانما عبر وسطاء، وهذا ما لم تفعله مع كوريا الشمالية.
الادارة الامريكية خصصت اموالاً لدعم المعارضة الايرانية وقلب نظام الحكم، وبدأت في تحريض الاقليات العرقية، والطائفية في ايران ضد حكومة طهران المركزية، فهي تدعم البلوش السنة في شرق ايران، وعرب المحمرة او عربستان في شرقها.
ويظل السؤال هو عما سيفعله العرب تجاه هذه الحرب التي ستندلع بالقرب من حدودهم، الجواب هو انتظار الاوامر الامريكية، والاستعداد لتحويل مئات المليارات من عوائد النفط لتمويل المجهود الحربي الامريكي ضد ايران مثلما فعلوا ضد العراق. وهذا ما يفسر، ولو جزئياً، الانهيار المفاجئ لبورصات الاسهم في الخليج، وخسارة الاسهم السعودية بالذات الفي مليار دولار من قيمتها في الاشهر القليلة الماضية
Bookmarks