ما حقيقة وجود قوات أمريكية وبريطانية في بعض المحافظات اليمنية؟!

لماذا اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية القاعدة في اليمن أخطر منها في أفغانستان وباكستان؟!

عبد الرزاق الجمل ـ صحيفة الوسط

مؤخرا، وبحسب تصنيف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه"، كانت القاعدة في اليمن أخطر من القاعدة في أفغانستان وباكستان، والقاعدة في هذين البلدين كانت أخطر منها في أي بلد آخر، بحسب تصنيف سابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، أي أن قاعدة اليمن هي الأخطر على مستوى العالم اليوم..

وعلى الرغم من تواجد تنظيم القاعدة في أكثر من بلد، كجماعة طالبان في أفغانستان وباكستان، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، في كل من الجزائر وموريتانيا، وجماعة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين، في العراق، وحركة الشباب المجاهدين، في الصومال، إلا أن تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب "في اليمن" كان الأخطر بحسب التصنيف الأمريكي سالف الذكر..

وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، في وقت سابق، قد نقلت عن مسئولين، رفضوا الكشف عن هويتهم، وفقاً لوكالة "يونايتد برس"، أن التقييم الجديد للـ "سي أي ايه" حث مسئولي الإدارة الأميركية على الدعوة لتصعيد العمليات ضد القاعدة في اليمن ومن بينها اقتراح بزيادة الهجمات الجوية التي تنفذها طائرات من دون طيار، لتكون ضمن الهجمات العسكرية الأميركية.

وقال مسئول مطلع على تقييمات الـ "سي أي ايه " إن "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" هي في تحسن متزايد، والقلق في هذا الشأن يتغيّر. مضيفا: "بتنا أكثر قلقاً حالياً بشأن 'القاعدة في شبه الجزيرة العربية' عما كنا في السابق"..

كما أكد مسئولون أمريكيون أن "القاعدة" في اليمن باتت تبدو أسرع حركة وأعنف، موضحين أن الشيخ أنور العولقي، المولود في أميركا والمعروف بمناهضته لها ومناصرته لتنظيم "القاعدة"، هو من ساهم على تحويل المنظمة في اليمن إلى تهديد متنقل.

وقال جون برينان مستشار الإدارة الأمريكية لشئون مكافحة الإرهاب إن تنظيم القاعدة في اليمن يمثل خطراً على الولايات المتحدة يفوق الخطر القادم من التنظيم الرئيسي بقيادة أسامة بن لادن، والمتمركز في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان.

لهذا السبب دعا مستشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب جون برينان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى «تحرك فعال» ضد الفرع اليمني لتنظيم القاعدة. وقال البيت الأبيض، في بيان سابق له، إن برينان اتصل بصالح «ليشدد على ضرورة القيام بتحرك فعال ضد القاعدة في الجزيرة العربية لإفشال خططها بشن هجمات إرهابية في اليمن وفي دول أخرى من بينها الولايات المتحدة».

وأكد برينان «ضرورة تعزيز التعاون الوثيق بين أجهزة مكافحة الإرهاب والأمن اليمنية والأميركية وفي دول شريكة أخرى، خصوصا للحصول على جميع المعلومات المهمة من الموقوفين لدى قوى الأمن اليمنية». وأوضح البيان أن برينان «شكر الرئيس صالح على التزامه الواضح بتعاون الحكومة اليمنية الكامل مع الولايات المتحدة ووعده بعدم التراجع إطلاقا أمام برنامج القاعدة الدموي»..

وللسبب ذاته قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، في الزيارة التي قامت بها مؤخرا إلى اليمن "إن متشددي تنظيم القاعدة الذين يتخذون من الأراضي اليمنية ملجأ لهم يمثلون قلقا عاجلا للولايات المتحدة الأمريكية، والقضاء عليهم يعتبر أولوية أولى بالنسبة لواشنطن"..

وأضافت الوزيرة الأمريكية: "يوجد إرهابيون يعملون من الأراضي اليمنية اليوم وكثير منهم ليسوا يمنيين، ويؤسفني القول إن بعضهم مواطنون أمريكيون، ولذلك فهذا مبعث قلق عاجل لكل منا.. لقد سعوا لمهاجمة بلدنا، ولذلك فوقف هذه التهديدات سيكون أولوية لأي دولة.. وهو كذلك بالنسبة للولايات المتحدة"..

ولأجل ذلك أيضا، أعلن مسئولون عسكريون، بحسب "ذي تايمز" البريطانية، أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتزم إرسال المزيد من القوات الخاصة إلى بعض المحافظات اليمنية (مأرب ـ حضرموت ـ أبين ـ شبوة) كجزء من قوة دافعة لتسريع تدريب قوات الأمن اليمنية لمكافحة تنظيم القاعدة في أعقاب الهجوم الفاشل على الطائرة الأمريكية..

وقال المسئولون: إن الولايات المتحدة ستبدأ في تناوب نفس مجموعات القوات الخاصة على اليمن، وإبقاء بعض القوات المختارة هناك فترات، وإن القصد من هذه التغييرات هو مساعدة المدربين الأمريكيين في تطوير علاقات أقرب مع نظرائهم اليمنيين.

غير أن الحكومة اليمنية نفت أن يكون لما نشرته صحيفة "ذي تايمز" البريطانية أي أساس من الصحة، مؤكدة "أن هذه المعلومات تندرج في إطار الحملة الإعلامية المشوشة التي دأبت على محاولة النيل من اليمن وتشويه صورته"..

وكانت الحكومة اليمنية قد نفت أن يكون لما نشرته "نيويورك تايمز" والـ"واشنطن بوست" بخصوص الغارات الجوية الأمريكية على مناطق في بعض المحافظات اليمنية، أي أساس من الصحة، موردةً التعليل ذاته، ثم اتضح فيما بعد أن نفي الحكومة اليمنية لم يكن له أساس من الصحة..

لماذا اعتبرت أمريكا فرع تنظيم القاعدة في اليمن أخطر؟!

أولا.. للعمليات النوعية التي صدَّرتها القاعدة مؤخرا من هذا البلد، والتي لم يخطط لمثلها أي فرع للتنظيم في أي بلد آخر، وكان أهمها:

ـ عملية الشاب النيجيري المدعو عمر الفاروق عبد المطلب، والتي كانت تهدف إلى تفجير طائرة أمريكية خلال رحلتها من العاصمة الهولندية أمستردام إلى ديترويت الأمريكية، وذلك أثناء احتفالاتهم بأعياد الكريسمس.. وتَـظهر خطورة العملية القادمة من اليمن في الجانب التقني الذي وصلت إليه القاعدة، حيث اخترقت العبوة المطورة كل أجهزة الكشف في المطارات بتقنياتها الحديثة..

ـ محاولة اغتيال نائب وزير الداخلية السعودي للشئون الأمنية الأمير محمد بن نايف، والتي نفذها شاب سعودي يُدعى عبد الله طالع العسيري، لكنها لم تنجح في تحقيق هدفها المنشود، وإن كانت قد نجحت في كل شيء، ابتداء من التخطيط المحكم لها في اليمن وانتهاء باختراقها لأجهزة الكشف السعودية المتطورة..

ـ عمليات "الطرود المفخخة".. وكانت السلطات البريطانية قد عثرت في مطار محلي على قنبلة داخل طرد بريدي يحوي أسطوانة حبر طابعة، كما عُـثر على طرد مشابه في مطار دبي، والطائرتان اللتان حملتا الطردين قدمتا من اليمن، ثم توالت عملية العثور على طرود مفخخة في أكثر من مكان..

الرئيس الأمريكي باراك أوباما اعتبر عملية الطرود «تهديدا إرهابيا خطيرا» متهما تنظيم القاعدة بالتخطيط لشن هجمات جديدة على أراضى بلاده، كما توعد بتدمير تنظيم القاعدة في اليمن.. من جانبه قال رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون إن "التهديد من شبه الجزيرة العربية واليمن على وجه الخصوص تنامى وصار يملي علينا اتخاذ كل الخطوات الممكنة في العمل مع شركائنا في العالم العربي لاستئصال سرطان الإرهاب المتربص في شبه الجزيرة العربية"..

الجدير بالذكر أن "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" تبنى عملية "الطرود المفخخة" في بيان له، وأطلق عليها اسم "عبوات الاستنزاف".. كما تبنى إسقاط طائرة شحن تابعة لشركة ups الأمريكية بدبي، في شهر سبتمبر من العام الماضي 2010م..

ثانيا.. عدم ثقة الولايات المتحدة الأمريكية بجدية الحكومة اليمنية في ما يسمونه "الحرب على الإرهاب"، حيث تعتقد أن النظام اليمني لا يتعامل على أساس المخاوف المشتركة بل على أساس مصالحه الخاصة، وأن التنظيم قد يتنامى على حساب لعب النظام اليمني به كورقة لغرض جلب الدعم المادي الخارجي، ولهذا طلبت الحكومة الأمريكية من الحكومة اليمنية تدمير صواريخ "سام" المحولة المضادة للطائرات خشية وصولها إلى أيادي عناصر تنظيم القاعدة، وبحسب وثائق أمريكية مسربة فإن القاعدة استخدمت في عملياتها بكينيا والمملكة العربية السعودية واليمن خلال عامي 2001 ـ 2002م صواريخ سام سُرِّبت من مخازن رسمية يمنية..

وكان مسئول يمني، في وقت سابق، قد شكك في الحملات التي تشنها السلطات اليمنية ضد تنظيم القاعدة ووصفها باللعبة.. وأضاف المسئول الذي رفض الكشف عن اسمه، لموقع شبكة سي إن إن الإخباري: " ليس من قبيل المصادفة تزامن المواجهات مع زيارة مستشار الرئيس الأميركي لمكافحة الإرهاب، جون برينان صنعاء واجتماع أصدقاء اليمن في نيويورك" موضحا أن الحكومة اليمنية تعرف ماذا تفعل.. وكالعادة نفت مصادر رسمية يمنية صحة مثل هذه التصريحات..

إلى جانب التشكيك الأمريكي في جدية حرب الحكومة اليمنية على القاعدة، هناك تشكيك في كفاءتها أيضا، وكان رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" ليون بانيتا قد قال في وقت سابق: "إن الحكومة اليمنية قد لا تكون صلبة بما يكفي كي تكون كما تريدها الولايات المتحدة حليفًا قويًا في حربها على تنظيم القاعدة"..

كما كان قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال جيمس ماتيس، قد أبلغ لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي بوجود "دلائل على تراجع قدرة الرئيس اليمني على ضبط الوضع"، بعدما "كان قد أدار هذه التهديدات عن طريق المفاوضات وبتسلسل مع خصومه"..

ثالثا.. البيئة الحاضنة.. إلى جانب أن مساحات شاسعة من أراضي الجمهورية اليمنية لا تخضع لسيطرة النظام الحاكم، مع وجود كميات هائلة من السلاح لدى المواطنين، وتضاريس جغرافية صعبة، يبدو أن ثقافة الكراهية للولايات المتحدة الأمريكية في تزايد، لأسباب كثيرة يأتي على رأسها انحيازها الدائم للكيان الصهيوني، وهذا الأمر يدفع باتجاه تعاطف القبائل مع كل أعداء أمريكا..

وقد بدا التصالح واضحا بين تنظيم القاعدة وتلك البيئة، الأمر الذي جعل كثيرين من أعضاء التنظيم في البلدان الأخرى يتجهون إلى اليمن، خصوصا أعضاء التنظيم في المملكة العربية السعودية التي تربطها حدود مشتركة مع اليمن تصل إلى أكثر من 1500 كيلو، ومعظم المناطق الحدودية اليمنية خارج سيطرة الحكومة أو يضعف فيها حضورها كثيرا..

كما استفادت القاعدة كثيرا من أخطاء القصف الأمريكي لبعض المناطق اليمنية في محافظات أبين وشبوة ومأرب، وعززت من علاقتها بأبناء تلك المحافظات، وربما استطاعت أن تجند الكثير منهم بعد أن نشأت حالة "ثأر" بين أبناء تلك المناطق من جهة وبين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة اليمنية من جهة، إثر قصف جوي راح ضحيته العشرات معظمهم من الناس والأطفال في قرية المعجلة بمديرية المحفد..

ويسعى تنظيم القاعدة إلى توسيع دائرة المنتمين إليه من أبناء تلك المحافظات بالذات، حتى يكسب القبيلة إلى صفه إن طال أبناءها أي استهداف، مباشر أو غيره، وتداعيات مقتل الشيخ جابر الشبواني، وقبل ذلك عملية استهداف عايض الشبواني بمحافظة مأرب، تضعنا تماما في الصورة..

وكانت قبائل العوالق، التي ينتمي إليها أهم المطلوبين للإدارة الأمريكية، أنور العولقي، وفهد القُـصع، ومحمد عمير الكلوي وأبو صالح الكازمي، وغيرهم، كانت قد حذرت الحكومة اليمنية من محاولة استهداف الشيخ أنور أو أي من أبنائها..

رابعا.. الأهمية الجغرافية.. تضع الولايات المتحدة الأمريكية مصالحها في الخليج العربي نصب العين حينما تعتبر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أخطر منه في أفغانستان وباكستان وكذا من إيران النووية، لأن تحول اليمن إلى أفغانستان أخرى من شأنه أن يشكل خطرا كبيرا على مصالحها في المنطقة إلى جانب الخطر الإيراني..

كما يخيفها انتقال القاعدة من أفغانستان وباكستان إلى اليمن عبر جمهورية إيران التي قد تسعى إلى تسهيل ذلك على اعتبار أن أي خطر يتهدد أمريكا في المنطقة سيصب في صلح تخفيف الضغط عنها..

يضاف إلى ذلك أن تنامي قوة القاعدة حاصل في أهم منطقتين إستراتيجيتين غير مستقرتين هما "اليمن والصومال"..

خامسا.. التمهيد للتواجد العسكري.. إذا كانت الولايات المتحدة لا تثق بقدرة ولا بجدية النظام اليمني في الحرب على القاعدة، وإذا كانت قراءتها للوضع الداخلي في اليمن تقول بأنه في طريقه إلى مزيد من الانهيار والتدهور، وإذا كان "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" هو أول المستفيدين من هذا الوضع، وإلى جانبه جمهورية إيران، فإن الدخول في حرب مباشرة مع القاعدة من خلال نشر قوات أمريكية بريطانية خاصة على الأراضي اليمنية تحت أي مسمى، هو الحل الأخير للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها..

وكانت بعض المصادر قد كشفت "أن عددا متزايدا من المسئولين العسكريين في إدارة الرئيس باراك أوباما يقدرون أنه من الضروري أن ترسل بعض فرق القوات الخاصة الأمريكية إلى اليمن وتوضع تحت السيطرة العملانية لوكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي إيه»..

تجدر الإشارة إلى أن عدوي أمريكا في المنطقة "القاعدة وإيران" هما عدوا بعض الدول المجاورة لليمن، وبحكم التحالف المشترك في الحرب على الإرهاب بين أمريكا وتلك الدول، السعودية تحديدا، فإن ما ينتظر هذا البلد قد يكون أكبر من مجرد نشر قوات أمريكية خاصة لمحاربة القاعدة فيه..

وفي هذه الحالة قد تحتاج أمريكا إلى تضخيم خطر القاعدة في اليمن على ذاك النحو، فترى أنها أخطر من القاعدة في أفغانستان وباكستان، وأن الداعية أنور العولقي لا يقل خطورة عن الشيخ أسامة بن لادن، بحسب تصريحات بعض المسئولين الأمريكيين..

وفي هذا الصدد "تقول تقارير مصادر الرصد الألمانية إن هناك مبالغة في التقارير التي تتحدث عن تنظيم القاعدة في اليمن، فحجم هؤلاء لا يتجاوز 300 إلى 400 فرد ونسبة 80 في المائة من هؤلاء أميون ولا خبرات تقنية لديهم وقلة لا تتعدى 30 أو أربعين فردا لهم قدرات تقنية متوسطة، وهذه المجموعة معزولة تقريبا عن العالم الخارجي ولهذا فإن الضجة عن خطورتهم على الأمن الغربي مفتعلة، ولها خلفية سياسية".