الحمد لله* والصلاة والسلام على رسول الله* أما بعد:
فهذه جملة من النَّصائح الإيمانية أُهديها لك أخي في الله في وقت أحوج ما نكون فيه إلى النَّصيحة الصادقة والكلمة الطيبة:

وَلَقَدْ نَصَحْتُكَ إنْ قَبِلْتَ نَصِيحَتِي *** وَالنُّصْحُ أغْلَى مَا يُبَاعُ وَيُوهَبُ
الإخلاص لله والتَّجرد له والصدق معه ظاهراً وباطناً* قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.

واعلم أنَّ الإخلاص وحُبَّ الثناء لا يجتمعان في قلب مؤمن صادق أبداً* فهما نقيضان وضِدَّان* وكن كحال ذلك الأعرابي الذي جاهد مع النبي صلى الله ليه وسلم بصدقٍ ونوى أن يُضْرَبَ بسهمٍ في عنقه ليموت شهيداً* ولم يأخذ نصيبه من الغنيمة* فأصابه سهم في المكان الذي نواه* فلما استشهد قال صلى الله ليه وسلم: «صدق الله فصدَقه الله»!! فهل أنت كذلك؟
ترفَّع عن متاع الدُّنيا فإنَّها دَنِيَّة* عمُرها قصير* أولها بكاء* وأوسطها عناء* وآخرها فناء* غرَّارةٌ مكَّارة* قولها مضحك وفِعلها مبك* فطَلِّقها بالثَّلاث* واجعل همَّك الآخرة وما عند الله تعالى* يكفيك الله سائر همومك* قال رسول الله صلى الله ليه وسلم: «ما لي وللدُّنيا* إنَّما مثلي كرجلٍ استظلَّ بظلِّ شجرة* ثمَّ قام وتركها». نعم خُذ حاجتك منها فقط ممَّا هو زادٌ للآخرة؛ فإنَّما خُلِقتَ لِتَجُوزها لا لِتَحُوزها* ولتَعْبُرها لا لتَعْمُرها* فاقتل قلبك وهواك المائل إليها* واقبل نصحي ولا تعوِّل عليها تكُن بإذن الله مِن الفائزين.
كُن في حِلِّك وترْحالك وحضرك وسفرك كالمطر؛ أينما وقع أَنْبَت وأَثمر* ما لم تكن الأرض جدباء قِيعان* فإنها لا تُمسك ماءً ولا تنبت كلأً* فلا يهمك النَّاس، بل عليك تبليغ دين الله تعالى والمساهمة في نشره* وأمَّا هداية النَّاس وتوفيقهم فهذا موكول إلى خالقهم جل وعلا {إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبلاغُ} وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ . لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}، فلا تحتقر نفسك وهِمَّتك وعملك* بل اعمل في كلِّ الميادين واطرق كل الأبواب وساهم في كل المجالات؛ فلربَّما فتح الله على يديك خيراً كثيراً قد لا تتوقعه أبداً* وفي الحديث: «طوبى لعبدٍ آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مُغبرةٌ قدمه* إن كان في الحراسة كان في الحراسة* وإن كان في السَّاقة كان في السَّاقة» (رواه البخاري).

حدِّد لك وقتاً تخلو فيه مع نفسك* وتُعَلِّق فيه قلبك بالله تعالى بذكره وتلاوة كتابه؛ فأنت عبدٌ ضعيف وتحتاج إلى مزيدٍ من الشحنات الإيمانية الوقائية* وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه».
خالط النَّاس واصبر على أذاهم و تحمَّل في سبيل الله تعالى* فهذا لقمان الحكيم لمَّا وصَّى ابنه بوصاياه العظيمة التي سجلها القرآن* كان مِمَّا جاء فيها: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ} ثم قال له: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} أي مِن جُفُوِّ النَّاس وإعراضهم* فكُن لهم كالطبيب والأب الحنون الذي لا يسعى إلا إلى مصلحة من ولاَّه الله وجعلهم تحت رعايته.
احترز مِن آفتين هلك بهما أكثر الخلق: آفة الشبهات* وآفة الشهوات* فالأولى سببها الجهل وعلاجها بطلب العلم* والثانية سببها الهوى وعلاجها الاستغفار والمراقبة.