على مقعد في "مقصف" الكلية في وقت ما من اوقات " التعطيف" الصباحي حيث لا اصدقاء ، جلست أتناول " قراعي" اليومي و أتذكر بعضا من الأفكار هنا و هناك.
وعلى مقعد مجاور لي كان يحدث امامي حدث كوني أصيل، كانت تلك الزميلة الرائعة تجلس على عرش خشبي امام كوب من شاي و كراسة محاضرات بالوان وردية .
للحظات تناسيت فرط غيرتي من كوب الشاي الساخن ، و طافت بي عينا تلك الجميلة _ الصارمتان كأستاذ جامعي_ وجبينها _اللذيذ كالجبن البلدي_ في موسوعة انترنتية عبر الأثير .
وقتها فقط عرفت ما عنى انشتاين في نظرية النسبية العامة بأنه لا توجد قوة جاذبية حقيقية ،و أن ما يحدث فقط بأن الأشياء ذات الثقل الكبير ( كالشمس مثلا ) تغير معالم المكان و تحنيه ، فتبدو الاشياء الاصغر ( كالارض مثلا ) كأنها مجذوبة على الرغم من حركتها في خط مستقيم.
في لحظة ما كانت هي الشمس ، كان تحني كل الورود و الطرقات و الاتجاهات اليها ، و مهما حاولت الابتعاد عنها ، كنت أدور حولها في طقس فيزيائي مستمر تماما كظاهرة دوران الارض الباقية ازلا ، و لا عجب أني كنت أحس بالزمهرير كلما ابتعدت عنها.
ليس هذا فحسب ، قال انشتاين أيضا ( في بحثه الذي نال به النوبل ) بأنه إذا ما سقط إشعاع ما على سطح ما ، فإن الكترونات هذا السطح قد تكتسب طاقة ما فتنطلق من مكانها ، ولأن ذاك الالق من بين عينيها كان يشع بطول موجي جميل يمتد لصميم قلبي ، فقد جعل نبضاته تهتز بذبذبات أكثر و خلاياه تقفز من مكانها .
مالم يعلمه أنشتاين أن بعض الاجسام تشع عسلا .
و مالم تعرفه هي أني كنت أغمس الخبز برائحة رموشها .
وأن أنفها ...للحظات ما ...أخد يحدث بأقتباسات فلسفية ...
لاح لي جوته يخبرني بأن " المشيئة ليست كافية ، علينا أن نعمل " ، و
همس لي نيتشه بقوله " أفكارنا هي ظلال مشاعرنا" ، جاهدا حاولت الخروج من دوامة الفلسفة ...ما الذي جاء بجوته و نيتشه و كل هؤلاء المجانين الذين ( كما يقول التاريخ ) أنهو حياتهم بالخرف.
سأكون سعيدا لو أنهيت حياتي معها ... ولو مخرفا ..
و جاءتني إشعاعاتها مرة أخرى ، محملة بالقصائد هذه المرة ، سمعت ماجدة تغني لنزار :
" بجواري أتخدت مقعدها ... كوعاء الورد في إطمئنانها
و كتاب ضارع في يدها ... يأخد الفضلة من ايمانها ...
هي من فنجانها شاربة ... وانا اشرب من اجفانها...
لوحة الضوء على جبينها ... زلزلت روحي من اركانها"
الغريب أن ماجدة لم تغني أبدا هكذا كلمات ...أو أنها غنت ...
لم أكن أدري ...كان دماغي في حالة من اللايقين ...اوووبس ...ها أنا أفهم إذن معادلة هايزنبرج التي تعتبر اساس فيزياء الكم و نظرية الكوانتم ، لا يمكن في وقت ما أن تحدد سرعة جزيء ما و موقعه بالذات ...عليك أن تخمن، و لا يمكن في لحظة ما أن أحدد أين أنا وسط تلك الأفكار المتسارعة في رأسي ...عليا أن أخمن.
لكني كنت أكيد و أنا أملا الفراغات المتبقية في الجو بدخان سيجارتي ...
أني كلما كنت أطالعها .. كنت أشبع... و أتثقف.
Bookmarks