أضبط المنبه على الخامسة أولا، ثم السابعة .. ليس لأنني قد أعود للنوم بعد الخامسة، لكن السابعة تعني حالة استنفار قصوى لكل ما أمتلك من طاقة .
لطالما دعوتُ الله أن أستيقظ قبل رنين المنبه، أن أستيقظ بإرادتي قبل مجيء الوقت .. أهون لديّ من استيقاظٍ يفرضه عليّ رنين متواصل .
الخامسة و10 دقائق :
- حياتي .. يلا قوم صلاة
- ........ < ( شخير )
- يا عمري يلا صلاة ..
- .......... ( تحول للجهة الأخرى )
- الله يخليك .. الصلاة .. يلاا
- اووووووف خليني أرتاااااح
في نفسي :
منخمد من 9 ولسا ما ارتاح ؟!
- صلّ بعدين ارجع نام
- انتِ ما تفهمي ... خليني أرتااااح
أكاد أخنقه، غير أني أنسحب بهدوء وأقرر ألا أوقظه بعد اليوم، هذه واجباته .. لمَ علينا التدخل في واجباتهم وفيما ينبغي عليهم فعله ؟ وأظل أصدر القرارات بيني وبين نفسي وأكررها وأضع سلسلة من قوانين صارمة وأصلي وأنا أفكر كيف أجعله يلحظ هذه القوانين ويلحظ تغيري، يستيقظ بتثاقل .. أراه في المرآة يتمدد ويحرك يديه بشكل يوحي بالبلادة وكل أنواع الكسل، وقبل أن يقول : صباح الخير .. يسأل وهو يتثاءب : الفطور جاهز ؟
لا شيء في يدي لأقذفه به، ألتفت إليه والغضب في عيني :
- طيب قول صباح الخير أول شيء !!
- صباح الخير .. الفطور جاهز ؟
ولا أكترث لسؤاله، فيزمجر : ليه ما تردي ؟
هنا أشعر بالانتصار، قمة الانتصار أن تغضبي رجلاً .. أن تجعليه يذهب إلى عمله مكدر المزاج .
السادسة والنصف
يتآكل الوقت سريعا وأنا أتنقل بين دولاب ملابسه والمطبخ لإعداد قهوته .. ثم الإفطار، قلتُ بسخرية : كيف تتسع معدة الرجل لكل هذا ؟ فنجانين من القهوة ثم كوب من الحليب العدني وساندويتشين وفي النهاية ترمس صغيرٌ للشاي يأخذه معه إلى عمله .
أعدها سريعا .. وعيني على الساعة المعلقة على جدار المطبخ، في جدار كل غرفة من المنزل ساعة كئيبة .. الوقت يعني للأنثى الكثير، الكثير من الأشياء السيئة بالطبع .
السابعة
رنين المنبه، أنصت جيدا للأصوات الصادرة من الغرفة ..
قفزة مريعة من على السرير، وبصوتٍ جهوري :
- وين الجاااكيت ؟
- معلق في الدولاب، ما تشوفه ؟!
- طيب وين الشراب ؟!
- تحـــت
- ما أشوفها تعالي جيبيها
يُهيأ لي أن الجيران ينصتون لحوارنا الذي يتأهب ليكون خصاما طويل الأمد، وحين أذهب أراه جالسا على حافة السرير بملابس نومه ينتظر مجيئي لكي أخرج له ملابسه، يبتسم بخبث .. وتنفجر الدموع من عينيّ وأنا أقول بصوتٍ يقطّعه النشيج :
- انت ما عندك احساس وكسول .. انت طفل .. ما تقدر ترتب أمورك بنفسك .. تفتكرني شغالة عندك والا رجل آلي ..... وحديث كثير لا أذكره، شكوتُ فيه أنني متعبة وأنني خلال ساعتيْن لم أتوقف عن العمل وأن ملابسه في أماكنها ولا يحتاج إلى أكثر من فتح دولابه ليراها، وأذكر أنه لم يكن يتحدث، ظل مبتسما حتى وقت خروجه .. ثم قال جملته الوداعية المعتادة :
- بتوحشيني يا قلبي .. نامي لا تتعبي نفسك .
أهمس : وحشتك القرادة !
ما قيمة هذه المفردات العاطفية بعد العصف النفسي الذي بدأتُ به يومي ؟ بعد أن اُستهلكتْ طاقتي تماما في أعمال صغيرة وفي صباحٍ حواري ساخن ؟ لا قيمة لها بكل تأكيد، أصفق الباب بقوة ثم أتهاوى ببكاء مُتعب .. متكئة على الجدار وأنا ألعن الذي قال : ظل راجل ولا ظل حيطة، أصبح دور الرجل منحصرا في خلق تعاسة المرأة، في تحويلها لآلة لا تعطب .. وإن عطبتْ .. فمكانها سلة المهملات، لا أريد ظله أبدا، ولا ظل حائط ولا شجرة، أريد أن أنام فقط دون أن أفكر فيما ينبغي فعله وقت الاستيقاظ، أريد أن أنام ب دَعة .. تماما كما كنتُ أنام أيام الطفولة وصوت أمي ينقلني إلى الجنة :
نامي نومه هنية
نومة الغزلان في البرية
نومة أمك يومها بنية
نامي نومه هنية على مرقد وزولية
نامي يا عيني نامي
نامي بالهنا نامي
يمه نامت عيونك
وعين الحق ما نامت
يمه ما ظلت شدة
على مخلوق ولا دامت
يا عين حبيبي نامي
وتلذذي بالنوم
يمه يا ليت السعادة
تجي لك مع لذيذ النوم
آه يا أمي، فهمتُ الآن معنى :
نومة أمك يومها بنية .
للحديث بقية .. (:
Reply With Quote
Originally Posted by أبوأسامة
Bookmarks