حدثني خالد بن يزيد * بعد غيبة سنة أو تزيد * حدثني والعبرة تكاد تخنقه* والحسرة كادت تمزقه* حدثني وهو يشتكي * وعلى عصاه يتكي * يتذكر ما رآه من أهوال * وعظائم تخر لهولها الجبال.
يقول : مررت بالبيت العتيق* وحيدا بلا رفيق* لأجلو عن قلبي الران* بتلاوة البقرة وآل عمران * فالجلوس في رواقه* والمكث بين أهل القرآن ورفاقه* وقراءة الطوال والمفصل * من النعيم المعجل .
وحينما دخلت * وإلى الحرم ولجت* تسمرت قدماي * وشخصت عيناي * فلم أسمع دوي أهل الرحمن * لم أرى ناشئة القرآن * فكأنما الأرض ابتلعتهم * وكأنما العنقاء التقطتهم .
فرحت أتساءل : أأنا ببيت الله * أم نزل بنا أمر الله * فإذا بطفل في الصحن *عليه علامات البكاء والحزن *
فسألته أين حلق القرآن ؟ * وأين صحبك والغلمان ؟.
فقال وهو يبكي : وعلى حزن عميق يتكي * أغلقها من لطخ سمعتها بين الأمم * قلت : أبعث أبرهة ذو الشرم * أم حضر ذو السويقتين وقدم * أم سرق القرامطة الحجر* فهم أسوء من ألحد بالبيت وفجر *
قال : لكل زمان أبرهة * ولكل دهر قرامطة .
قلت: هات ما عندك من خبر* فلكلي آذان وسمع وبصر.
قال : سلط على الحرم أمير * قادما من جنوب البلاد عسير * وكان فيها سيء السيرة * وقد جعل البلاد على أهلها عسيرة* حتى طرده منها جهد الرجال * وعزيمة سكان الجبال * فكان مآله إلى بلد الله الحرام * لينشر فساده في بلد الركن والمقام * فما لبث أن أغلق مخيمات الشباب * ومحاربتها بحجة الإرهاب * وهو من بعث دار الندوة في طورها الجديد * وسار على خطى عمرو بن لحي من جديد * فأخذ يبحث عما يوافقه من تاريخ الحجاز * فلم يجد إلا سوق الشعر والمجاز * فبعث عكاظ من مرقده * ورمم ما بلى منه وجدده * فقد طمسته أجيال دار الأرقم * وأنستنا إياه منذ القدم * فخشي أن تعود دار الأرقم من جديد * فتهدم كل ما بنا وتبيد *( إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر) ثم أمر * أمر أن تغلق وريثات دار الأرقم * وأن ينفذ أمره ويعمم * فكان ما رأيت * وما شاهدت ووعيت * تشرد آلاف القراء * وتعطلت مجالس الإقراء * وكأننا في روسيا الحمراء .
قلت : وأين أهل العلم والمعرفة ؟* وأين رفعه القرآن وشرفه ؟.
قال: الجهود متوالية* وحملات الإنكار متتالية* فكتبت المقالات* وسودت البيانات* وخطبت الخطب العصماء* وجأر الناس لرب السماء* والأمر أشغل الجميع* وأرق الكبير والرضيع* والكل ينتظر من الله النصرة* فما خاب والله من استنصره.
قلت : لا تحزن * فنحن في زمن المحن * وأبشر بالخير العميم * ففي البلايا خير عظيم * وما دخل القرآن إلا انتصر * وما حاربه عدو إلا وخسر * فهزم تكذيب المكذبين * وانحسر تأويل المبطلين * وأفلت شمس المعطلين * وأما أهل التحريف والأليف * فصاروا مضرب المثل في الكذب والتزييف* فالقرآن كلام الله * والكلام من صفات الله * ومن حارب ربه هلك * ولطريق المعذبين سلك * والتاريخ خير دليل * وهو شاهد على مجرم ذليل .
ثم قلت: وما دورك أنت ؟* وما الذي قدمت ؟.
قال: نطوف بالبيت ونمكث في الحرم* ونتعلق بأستار الكعبة والملتزم* ونتواصى بالدعاء على من ظلم.
ثم أدبر يمسح دمعه بكمه* وأقبل على الملتزم يلثمه ويضمه* ويتمتم بكلام رهيب*
ودعاء مهيب * سمعت منه قوله ( ربي ألست من أهلك وخاصتك* ربي أقسمت عليك أنـ..)
ثم خالط دعاءه البكاء * وما سمعت بقية الدعاء .
للشيخ أ.د / سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة سابقا - المشرف العام على مؤسسة وفاء لحقوق المرأة
من بريدي
Bookmarks