تعتبر الوحدة العربية كفكرة وقناعة ومطلب نابعة أساساً من حقيقة التكون العربي الواحد المتمثل في وحدة اللغة والتاريخ والدين والثقافة والأرض وخلال فترة التجزئة الاستعمارية للوطن العربي ظلت قضية الوحدة راسخة في وعي وقناعة المواطن العربي بالرغم من محاولات القوى الاستعمارية لتغيير وتزييف وعيه الوحدوي وطمس هويته العربية وإنهاء إحساسه بوحدة انتمائه ووحدة مصيره.



وعندما حصلت عدد من الأقطار العربية على استقلالها السياسي كان ذلك دافعاً قوياً لتصاعد الآمال بتجاوز مرحلة التجزئة الاستعمارية وإعادة تحقيق الوحدة العربية، كما أن الانتقال إلى مواجهة المصير المشترك إزاء تحديات المخطط الصهيوني بإقامة الدولة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية وتهديد للأمة العربية كلها كشف من جانبه عن حقيقة ضعف الموقف والصف العربي بسبب انقساماته وتفككه الأمر الذي عزز أيضاً من الشعور بالحاجة إلى استعادة الوحدة العربية الشاملة وكذلك اكتسبت قضية الوحدة مزيداً من الأهمية وأصبحت قضية وطنية وقومية معاً ، وحينها اتسعت المطالبات وتعددت المحاولات للبدء بتوحيد العراق وسوريا والأردن كنواة لوحدة عربية شاملة.

ومنذ مطلع خمسينيات القرن العشرين كانت مصر بقيادة جمال عبد الناصر أخذة في النهوض كقاعدة لمنطلق عربي قومي، فيما مثلت سوريا جزءاً فاعلاً وحيوياً في تكوين القوى العربية وخاصة في المشرق العربي وبالتالي كانت شعارات الوحدة في كل من البلدين نابعة من إحساس عميق بالحاجة الملحة إليها.



63

وفي ظل التطورات المتلاحقة في سوريا على الصعيد الداخلي ومحاولة أمريكا لتطويقها من الخارج ودفع الدولة المحيطة بها لضربها عسكرياً كانت فكرة الوحدة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية قد تبلورت لدى سوريا بصورة قوية، في حين أن صعود مكانة ودور مصر عبد الناصر أثر حرب السويس وهزيمة العدوان الثلاثي في 1956م أجتذب المتطلعين إلى الوحدة نحو مصر ومعها ، ومما زاد من إحساس سوريا بالحاجة إلى وحدة فورية مع مصر ذلك الموقف المصري الذي أنتقل مباشرة إلى خندق الدفاع عن سوريا في مواجهة التحضير لشن عدوان عليها من قبل مجموعة دول (حلف بغداد) ودول عربية أخرى محيطة بها استجابة لأمريكا وبدعمها.

لقد بادرت سوريا نحو تجسيد الوحدة العربية باندفاعها نحو مصر مطالبة إياها بضرورة قيام وحدة فورية بين البلدين ، إلا أن السوريين لم يلقوا مباشرة التجاوب المطلوب من قبل القيادة المصرية التي كانت غير متحمسة لقيام وحدة فورية بهذا السرعة دون دراسة مسبقة 0 بالرغم من قوة هذا التوجه الوحدوي الذي لمسه عبد الناصر عندم جاء اليه مجموعة من الضباط في قيادة الجيش السوري يطالبونه بالوحدة إلى جانب من لحق بهم من أعضاء الحكومة السورية ، إذ لم تخف القيادة المصرية مخاوفها من عملية الإقدام على مثل هذه الخطوة السياسية الجريئة ولكنة بعد مناقشات صريحة ومستفيضة بين الجانبين أعطى الرئيس جمال عبد الناصر موافقته على البدء بتدابير قيام الوحدة الفورية في حالة القبول بشروط محدده هي:

1. إجراء استفتاء شعبي حول قيام الوحدة.

2. تخلي الجيش السوري عن النشاط السياسي بما في ذلك تحول العسكريين الذين مارسوا السياسة إلى المجال المدني.

3. حل التنظيمات والأحزاب السياسية.

وقد قبلت هذه الشروط فعلاً وعلى أساس ذلك تم في 5 فبراير 1958 اجتماع لمجلس الأمة المصري وأخر لمجلس النواب السوري وأقر كل منهما إجراء عملية الاستفتاء على قيام الوحدة يوم 21 فبراير وبالفعل تم الاستفتاء بتأييد شعبي ساحق تلاه في يوم22 فبراير 1958م الإعلان عن الوحدة المصرية السورية وقيام الجمهورية العربية المتحدة ورئيسها جمال عبد الناصر فيما تم حفل مهيب تكريم الرئيس السوري شكري القوتلي من قبل الرئيس جمال عبد الناصر الذي منحة وسام المواطن الأول في الجمهورية العربية المتحدة، وعين رئيس الوزراء السوري صبري العسلي في منصب نائب رئيس الجمهورية.

لكن هذه الوحدة بقدر ما اجتازت طريقاً شاقاً ومؤامرات عديدة بالغة الخطورة عند تحقيقها فقد واجهت أيضاً بعد قيامها استمرارية تلك المؤامرات واشتداد العمل العدائي ضدها من الداخل والخارج وبالتالي لم يقدر لها البقاء والثبات حيث تم الإنقلاب على هذه الوحدة والقضاء عليها يوم 28 سبتمبر 1961م وقد اتسمت محاولات إسقاطها بعدد من الأساليب والوسائل أهمها:-

1. استخدام العسكريين واستغلال مشكلات المؤسسة العسكرية وتوظيفها من قبل السياسيين الإنفصاليين بغرض الوصول إلى الإنفصال.

2. إشتداد التآمر الخارجي على الوحدة ووصوله حد تمويل الأنشطة المعادية للوحدة وإختراق العديد من المستويات السياسية والعسكرية العليا واجتذابها للقيام بالإنقلاب على الوحدة.

3. تكالب العناصر التي فقدت مصالحها في ظل الوحدة إلى جانب الأطراف السياسية التي كانت تبحث لها عن تطلعات لنفوذ سياسي في المستوى القطري وفقدت تلك التطلعات بعد أن كبر مستوى الوطن في ظل الوحدة وأحست بفقدان تطلعاتها الخاصة.

4. استغلال الصعوبات في ظل الوحدة وتحميل الوحدة مسئولية تلك الصعوبات بهدف استخدمها كذريعة لنسف الوحدة والانقلاب عليها وتغطية ذلك بمشاريع وبدائل مخادعة مثل الفيدرالية وخلافه.

5. استخدام الشعارات والصيغ التي يقصد بها مخادعة واجتذاب عامة الناس بهدف التغطية على التوجهات والمآرب الانفصالية.

6. إخفاء النزعات الانفصالية والتنصل من كل عمل انفصالي وتحميل الآخرين أسباب ونتائج الانفصال.

ومن خلال الاستقراء لمجمل الظروف التي واجهتها الوحدة العربية بين مصر وسوريا وطبيعة الوسائل والمؤامرات التي دبرت بهدف القضاء عليها يتبادر إلى الذهن أيضاً ما واجهته الوحدة اليمنية من صعوبات ومؤامرات داخلية وخارجية مماثلة ، الأمر الذي يقود إلى تساؤلات عديدة بشأن الأساليب والوسائل المتبعة لدى الأطراف والقوى المعادية لأماني وتطلعات الشعوب العربية في استعادة وحدتها كما أن التأمل في طبيعة التحديات التي تعرضت لها الوحدة المصرية والسورية سابقاً ثم الوحدة اليمنية لاحقاً يفتح باباً للبحث في أوجه المسببات والفوارق التي مكنت الوحدة اليمنية من الدفاع عن بقائها وثباتها في حين انهارت الوحدة المصرية والسورية وسلمت أمرها للعواصف التي اقتلعتها