عدن .. دُرّة اليمن والخليج
بقلم/ نور باعباد
-----------------
سعدت بزيارتي لعدن مع قدوم عيد الأضحى المبارك* وإذا بي أمام وجوه مبتسمة ترحب بمناسبات عدة: عيد الأضحى، عيد الاستقلال وخليجي 20، والأخير حدث له طعم مميز عندما قال أحد الوجوه العدنية: يا حيا بك يا خليجي ها أنتم تعودون مثلما يعود السمك ومثلما تعود الأمواج قلت: أنت سعيد بالخليجي قال: كيف لا إنهم ضيوفنا وإخواننا وجيراننا فقد كان ميناء المعلا حيث السفن الخشبية والشراعية مزاراً لهم تجاراً للسمك واللؤلؤ والبضائع المتبادلة واليوم وقد ابتسمت لهم الحياة هاهم أحفادهم يأتون إلينا فأهلاً بالغالين وأهلاً بهذا الضيف والحدث.
تتلألأ عدن دوماً وذروة تلألؤها هو نوفمبر فإن كان له معاني الجو الجميل المنعش وملجأ الهروب من حر شهرين أو ثلاثة سبقوه ثورة ونضالاً سبتمبر وأكتوبر.
فهو شهر الاستقلال المجيد الذي تنسمت به عدن واليمن نسيم الحرية والجلاء والاستقلال فهو أيضاً نوفمبر الوحدة وهي أيضاً عدن التي بشرت وقدمت البشارة لعهد الوحدة المبارك.
وهاهي اليوم تعود محجاً لكل اليمن عيداً وها هي اليوم تفتح ذراعيها لخليجي عشرين هي وأبين، وفرحة ومناسبات فقد جبل أهلها على الترحيب بكل زائر وقبله هم متآخون جيرة وأهلاً في مساكن بسيطة تطيّب شدة حرها حباً وتكافلاً وتزاوجاً يغيب عن بعضهم أنه لحجي أو أبيني أو تعزي أو حضرمي أو حديدي أو.. أو.. سوى أنه يمني.. لقد شرفها شاعرها وابنها الفقيد لطفي جعفر أمان في قصيدته «يامزهري الحزين» وأخرج لها ابنها الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم خلاصة ألحانه فكانت وطنية هادرة تدمع لها العين وتنفطر لها القلوب وطنية وفرحاً “ ماعاد شعبي ينشد الأوهام في لحن سخيف” فقد كان بعداً عميقاً حطم أبناؤها زيف الاستعمار بجعلها ثاني أو ثالث ميناء وهي كما يريدها الاستعمار ذبيحة في مذبح الاحتلال فقد رخصت هذه الفرصة عند ثوارها وأذاقوا جنود الاحتلال ناراً في شوارع عدن حتى تحررت عدن رمزاً لكل جنوب اليمن.
ما إن تلج إلى عدن إلا وتذكر ما قاله وغناه الفنان صاحب الصوت الرخيم محمد منصر كيف لا وهو شبل من ذاك الأسد فخاله الفنان أحمد قاسم محمد سعيد منصر شقيق الفنانة صباح منصر وكما أعتقد أن الشاعر أحمد الجابري تغنى بعدن قائلاً :
“عدن عدن ياريت عدن مسير يوم”
وهاهو شاعر حضرموت في مغناة لفنانها الكبير أبوبكر سالم بلفقيه “ياطائرة طيري على بندر عدن زاد الهوى زاد النوى زاد الشجن”.
ثم يقول: «دي جنة الدنيا حوت كل فن»، عدن رمز كبير من تاريخ اليمن، صهاريجها هي قبلة للزائرين أولاً أبناء عدن لكثرة من يزورونها عندما تمتلئ صهاريجها بالمياه، وعندما كنا في المدارس كانت تأخذنا المدرسات في رحلة منظمة صفاً طويلاً من التلميذات عندما تنزل قطرات المطر تلطف جوها الحار فتشيعه على الجميع انتعاشاً وبهجة، وهاهي قلعتها الشهيرة صيرة تقبع متمترسة على جبلها تنظر بعيون ثاقبة وكأنها لاتزال تراقب جنود الاحتلال البريطاني وهم يغادرون عدن.
عدن طراز متميز عن سائر مدن اليمن فهي فسيفساء الحضارة اليمنية أتاها أبناؤها من سائر مدن وبوادي وسهول وحواضر اليمن فصهرتهم على محبتها واحترامها فهي بطبيعتها الساحلية وكعادة أهل السواحل يحبون ويستقبلون كل من يحطون رحالهم فيها وتعاملهم بإنسانية ولا تنسى جميلهم لها وتقدم لهم حواراً إنسانياً من التراحم والتآخي وحسبها أن يمنيين أيضاً بادلتهم مدن أخرى فاستضافت يمنييها وهاهي ترد الجميل بالجميل والوفاء بالوفاء فلا غرابة أن ترى بين أبناء عدن من هو من أصل صومالي أو هندي ولاغرابة أن ترى صومالياً أو هندياً من أصل يمني بل وترى مدن مثل أديس أبابا أو جيبوتي أو ممباسا أو تنزانيا أو جاوة أو ماليزيا تحتضن اليمنيين وتصهرهم في مجتمعاتها وكذلك نرى عدن وحضرموت وتعز ورداع والحديدة وشبوة تبادلهم ذلك .
------------------
صحيفة الجمهورية