ليكن الولاء لليمن..
---------------
> من واقع التأمل في بعض التفاعلات التي تظهر على السطح، سواء على صعيد العمل السياسي والحزبي، أو في نطاق نخب المجتمع المدني، والتي تستعر أحياناً وتخفت أحياناً أخرى على الساحة الوطنية، سنجد أن الكثير من هذه التفاعلات تستمد دوافعها ومبرراتها من نظرة ذاتية ضيقة، يغلب عليها طابع المصلحة أو الرغبة في الحصول على بعض الامتيازات أو تحقيق النفوذ الاجتماعي أو البواعث المشبعة بنزعة الـ"أنا" الأنانية، حيث يغيب الوطن غياباً كلياً عن كل تلك التفاعلات التي يدلف إليها كل على طريقته وحسب غاياته، ليكون الوطن الخاسر الوحيد في كل هذه الاعتمالات والمسلكيات التي ابتلي بها هذا البلد، الذي صار البعض من أبنائه مع الأسف الشديد يرونه مجرد كعكة يتسابقون على تقاسمها كل وفق "شطارته" و"فهلوته" وقدرته على التلون كالحرباء.
والمخجل في هذه الحالة أن يغدو الوطن هدفاً للتكالب وبهذه الصورة المنافية لقيم المواطنة والولاء للوطن والتي تعد فطرة الله في الإنسان أودعها فيه كأمانة لا تكتمل سمة الإنسان إلا بأدائها.
والسؤال: بماذا توحي هذه الحالة؟ .. وهل هي ناتجة عن ضعف في الثقافة الوطنية أم تعكس خللاً في رابطة الانتماء لهذا الوطن؟ أم أنها تمثل شكلاً من أشكال مخرجات ثقافة العولمة التي تأثر بها البعض وبسلبياتها دون وعي أو فهم لتميل به "180" درجة.
ولقد أحسن فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية صُنعاً، حينما تطرق في مقاله الافتتاحي في صحيفة الثورة يوم الأحد الماضي إلى موضوع الولاء الوطني، مؤكداً بحس الرجل المؤمن بوطنه على حقائق عدة تذكر جميع اليمنيين بمسؤولياتهم وواجباتهم نحو وطنهم، وتفتح أعينهم على مسلمات ثابتة تبين في مضمونها أن المفتاح الأساسي لنهوض المجتمعات وتقدمها وتطورها هو إحساس كل مواطن بأن مصلحته تكمن في مصلحة وطنه، وأن الأوطان بأبنائها وأن الإنسان لا يكبر إلا بإكباره لوطنه، ولا عزة ولا كرامة له إلاّ بعزة وكرامة وطنه وأنه لا سبيل لتطور اليمن إلا بتضافر جهود أبنائه وإخلاصهم في الولاء له.
فهل استوعبنا الرسالة؟
وهل استوعبت تلك القوى السياسية أن الوطن أسمى من أن يصبح كعكة نتقاسمها أو امتيازات نتوزعها في ما بيننا أو وكالة تجارية يبحث كل منا عن نصيب أكبر من أسهمها؟.
وهل استوعب أولئك الذين يتدثرون ببعض الولاءات الضيقة، قبلية أو جهوية أو مناطقية أو عنصرية أن الولاء للوطن أعظم من كل الولاءات المهترئة التي يتقمصون بها؟.
وهل استوعب أولئك الذين استهوتهم لعبة التهييج والتضليل والشعارات البراقة وافتعال الأزمات في هذا الوطن أن من يريد أن يحقق مجداً أو حضوراً أو تاريخاً عليه أن يبني توجهاته ومساراته وتعاملاته على مفهوم الولاء للوطن لأنه لا انتماء أيديولوجيا متعصباً ولا انتماء حزبياً متخلفاً ولا شعاراً قومياً أو أممياً أو عقائدياً يمكن أن يصل به إلى ما يتطلع إليه، ما لم يكن هذا التطلع مرتبطاً بصورة مباشرة بتطلعات الوطن؟.
وهل نحن بحاجة في هذه الحالة التي يواجه فيها الوطن العديد من التحديات الداخلية والخارجية، أن ندعو النخبة اليمنية التي كان ينبغي أن تقدم الأنموذج والقدوة في صدق تعاملها مع قضايا الوطن إلى مراجعة مواقفها، بصورة موضوعية وواقعية يكون فيها الانحياز إلى منطق العقل والحكمة، وبما يمكنها من الوقوف على مواطن الخلل والقصور التي تغمر مواقفها؟ أم أننا بحاجة لأن نطالب هذه النخب بالعودة بذاكرتها إلى تلك الشواهد التاريخية التي سطرها الآباء والأجداد، ليقدموا بذلك بهاء الحلم الذي عبروا به إلى العصر الحديث ليضعوا مداميك المشروع النهضوي اليمني بمختلف تمظهراته وتجلياته السياسية والديمقراطية والوحدوية والتنموية والفكرية؟.
أم أننا بحاجة لكي نحث هذه النخب على استذكار الدور المهم والمتميز الذي نهض به اليمنيون في التاريخ العربي والإسلامي، بفضل اعتزازهم بهويتهم الوطنية، وإكبارهم لروح الانتماء للوطن، وفخرهم بالانتماء لهذه الأرض التي قامت عليها أعظم الحضارات الإنسانية على الإطلاق؟.
لقد آن الأوان لكي تدرك هذه النخب أن اليمن يتسع للجميع وأن قوة اليمن في تلاحم كل أبنائه واصطفافهم في خندق واحد؟.
كما أنه آن الأوان أيضاً لكي يفهم الجميع أن الديمقراطية والحزبية والتعددية السياسية وجدت من أجل اليمن وتقدمه وتطوره وتعزيز تماسك أبنائه وتقوية الشعور الوطني والانتماء إلى الوطن، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تتحول إلى وسيلة للتنافر وأداة للتشظي ومحاكاة الذات وتغليب مصالحها على المصلحة الوطنية العليا.
ومن لا يكون ولاؤه لوطنه لا ولاء له .
--------------
صحيفة الثورة