اطرح اخواني هذه الموضوع اليكم راجياً من الله أن يحصل منهاالمأمول وهي المحافظة على الصلوات الخمس بالمسجد

والله مااريد من ذلك إلا وجه الله تعالى

شارك ولو بكلمة

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول اللهنبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:

في الحديث:

قال رسولالله : { قم يا بلال فأرحنا بالصلاة }.

بعد جهد جهيد وتعبكبير، يحتاج إلى الراحة، فيبحث عنها في الصلاة، أرحنا بالصلاة،إنه يجد فيها راحة وطمأنينة وسكوناً.

يدخل في الصلاة فينسىهموم الدنيا، وينشغل عن متاعبها، إنه يفرغ قلبه لمناجاة ربه،فلا يبقى فيه مكان لهموم الدنيا ومشاغلها.

إنه يجد فيهاراحة لأن قلبه قد امتلأ محبة وتعظيماً وإجلالاً، لذا فإنه يحبمناجاته، ويجد فيها راحة للنفس، وقوة للقلب، وانشراحاً للصدر،وتفريجاً للهم، وكشفاً للغم.

إن المصلي واقف بين يدي اللهجل وعلا، مناج لربه عز وجل، فإذا فرغ قلبه لمناجاته، وأدى حقصلاته، وأكمل خشوعها، وقد امتلأ قلبه محبة لله وتعظيماًوإجلالاً. فإنه إذا انصرف من صلاته، وجد خفة من نفسه، وأحسبأثقال قد وضعت عنه، فوجد نشاطاً وراحة وروحاً، حتى يتمنى أنهلم يكن خرج منها، لأنها قرة عينه، ونعيم روحه، وجنة قلبه،ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن ضيق حتى يدخل فيها،فيستريح بها، لا منها.

فالمحبون يقولون: نصلي فنستريحبصلاتنا، كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم : { يا بلال أرحنابالصلاة }. ولم يقل: أرحنا منها، وقال : { جُُعلت قرة عيني فيالصلاة } فمن جعلت قرة عينه في الصلاة، كيف تقر عينه بدونها؟!وكي يطيق الصبر عنها؟!


أمثلة من صلاة بعض السلف

هذهصور تحكي كيف كان السلف رضي الله عنهم ورحمهم يصلون، وتظهرجوانب من الراحة التي كانوا يجدونها في الصلاة.

فمنهم: منكان يطيل صلاته إطالة عجيبة، تدل على أنه يجد فيها راحة بالغة،ولذة وسروراً، وطمأنينة وسكوناً، يود معها أنه بقي طول وقته فيصلاة.

إن إطالة الصلاة إذا كانت باختيار من غير إكراه، ولاسمعة فيها ولا رياء دليل على أن المصلي وجد فيها ابتهاجاًونعيماً كبيراً، وإلا لم يطلها بهذه الصفة، فإن الإنسان إذاملّ حالة وسئمها، عجل الانصراف عنها.

قال بعضهم: ( ركع ابنالزبير يوماً فقرأ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وما رفعرأسه ).

قال علي بن الفضيل: ( رأيت الثوري ساجداً فطفتسبعة أسابيع - أي 49 شوطاً - قبل أن يرفع رأسه ).

قال ابنوهب: ( رأيت الثوري في الحرم بعد المغرب صلّى ثم سجد سجدة فلميرفع حتى نودي بالعشاء ).

قال عبدان الأهوازي: ( كنا لانصلي خلف هدبة من طول صلاته، يسبح في الركوع والسجود نيفاًوثلاثين تسبيحة ).

قال أبو بكر بن عياش: ( رأيت حبيب بنأبي ثابت ساجداً، فلو رأيته قلت: ميت )، يعني من طول السجود.

قال أبو قطن: ( ما رأيت شعبة ركع قطُّ إلا ظننت أنه نسي،ولا قعد بين السجدتين إلا ظننت أنه نسي ).

كان طلق بن حبيبلا يركع في صلاته إذا افتتح سورة (البقرة) حتى يبلغ(العنكبوت). وكان يقول: ( أشتهي أن أقوم حتى يشتكي صلبي ).

ومنهم: من إذا دخل في الصلاة خشع قلبه، وسكنت جوارحه، حتىيظن من رآه أنه جماد، بل إن الطير قد يظن ذلك المصلي حائطاً،فيقع على ظهره لشدة سكونه، وهذا السكون دليل على الراحة التييجدها المصلي في صلاته، إذ لو لم يجد فيها راحة لم يسكن هذاالسكون، فإن المرء إذا كان على وضع لا راحة له فيه تكثر حركته،والتفاته، وعبثه.

قال ثابت البناني: ( كنت أمر بعبدالله بنالزبير وهو يصلي خلف المقام، كأنه خشبة منصوبة لا يتحرك ).

قال يحيى بن وثاب: ( كان ابن الزبير إذا سجد وقعت العصافيرعلى ظهره، تصعد وتنزل، ولا تراه إلا جذم حائط ).

قالالأعمش: ( كأن إبراهيم إذا سجد كأنه حائط، ينزل على ظهرهالعصافير ).

قال بعضهم: ( كان عنبس بن عقبة يسجد حتى إنالعصافير يقعن على ظهره وينزلن ما يحسبنه إلا جذم حائط ).

كان مسلم بن يسار إذا صلّى كأنه وتد لا يميل لا هكذا ولاهكذا. وقيل: إذا صلى كأنه ثوب ملقى.

ومنهم: من إذا دخل فيالصلاة انشغل بها عما حوله، حتى لا يشعر بما يحدث عنده وقريباًمنه وإن كان عظيماً، ومتى عظمت محبة الشخص لأمر، فإنه ينشغل بهحتى عن نفسه، ألم تر كيف قطع النسوة أيديهن لما رأين يوسف فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ [يوسف:31] دهشن برؤيته عن أنفسهم فلم يشعرن بتقطيع أيديهن.

من المصلين من يجد في صلاته لذة تشغله عما حوله، فمنهم منلا يشعر بوقوع شيء أصلاً، ومنهم من يشعر بذلك لكنه لا يلتفتإليه، ولا يعبأ به، فكأنه لم يشعر، لقوة حضوره في صلاته،وانصرافه لها، وعدم اهتمامه بما سواها وانشغاله عنه.

ذكربعضهم أن حجراً من المنجنيق وقع على شرفة المسجد فطارت فلقةمنها فمرت بين لحية ابن الزبير وحلقه، وهو قائم يصلي، فما زالعن مقامه، ولا عرف ذلك في صوته، ولا قطع لها قراءته، ولا ركعدون ما كان يركع، فكان إذا دخل في الصلاة خرج من كل شيء إليها.

روي أن ابن الزبير كان يوماً يصلي فسقطت حية من السقفتطوقت على بطن ابنه هاشم، فصرخ النسوة وانزعج أهل المنزل،واجتمعوا على قتل الحية، فقتلوها وسَلِم الولد، فعلوا هذا كلهوابن الزبير في الصلاة لم يلتفت، ولا درى بما جرى لابنه حتىسلَّم.

قال ميمون بن مهران: ( ما رأيت مسلم بن يسارملتفتاً في صلاة قط، ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع أهلالسوق لهدمها، وإنه في المسجد يصلي فما التفت. ولما هنئبسلامته عجب وقال: ما شعرت ).

ومنهم: من يصيبه في صلاتهوجع شديد وألم، فلا يلتفت له، ويستمر في صلاته، قد أنسته لذةالصلاة شدة الوجع، حتى كأنه لا يحس به.

في إحدى الغزواتقام رجل من الأنصار يصلى ليلاً، فرماه أحد المشركين بسهم فنزعهواستمر في صلاته، فرماه بسهم ثان فنزعه واستمر في صلاته، فرماهبسهم ثالث فنزعه وركع وسجد وأتم صلاته. ثم أنبه صاحبه، فلمارأى ما به من الدم قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أول ما رمى؟!قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها.

فانظر كيف صبرعلى تلك السهام، وتحمَّل ألم الجراح، ولم تطب نفسه أن يقطعقراءته لتلك السورة حتى أتمّها. فكم من لذة يجدها هذا الرجل فيصلاته. وكم من راحة وسرور، نسي معه تعب السفر، ومشقة الطريق،وهون عليه ضرب السهام.

فاحرص - يا رعاك الله - على إكمالصلاتك وإتمام خشوعها، حتى تجد فيها الراحة والطمأنينة. فلنتكون الصلاة راحة لك، إلا إذا أقمتها كما أمرت، بطمأنينة وخشوعوحضور قلب وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] فالخاشع الصلاة خفيفة عليه، محببة إليه، أما غيرالخاشع فالصلاة عليه ثقيلة، لا يجد فيها راحة ولا سروراً.

اللهم ارزقنا الخشوع في الصلاة، واجعلها قرة عين لنا، يارب العالمين.