بقلم أحمد سيف حاشد "عضو مجلس النواب "


كم أنا من تعز!!.. صرخة مملوءة بالمرارة، مثقلة بالقهر والوجع .. صرخة صعدت من أعماق روحي المتعبة تتلظى، عندما كان سبعة من رجال الأمن يخرجوني بالقوة من قاعة البرلمان وأنا أمارس عملاً احتجاجياً عادلاً ومشروعا، ولأجل قضية أكثر من عادلة.

كم أنا من تعز!!.. صرخة تنفجر في أعماقي الآن كقنبلة وأنا أتذكرها .. تبعثرني أشلاء وشظايا .. مخزون كبير من شعور القهر يسحقني وأنا أتذكر أمر يحي الراعي: "اسحبوه".. ما كان الراعي ليقول هذا دون إذن سيده، وما كانا ليقولاها الاثنين إلا لأني مواطن من تعز.

هذا الراعي الذي "يتعنتر" على ابن تعز، رأيت وجهه أصغر من حبة خردل وعيال الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر "يشخطون" في وجهه.. كان منظره مثيرا للشفقة ورأسه يلوذ ويختبئ تحت شحمة أذنيه.

هذا الراعي الذي ينفش ريشه كطاووس، رأيته يوما يغادر قاعة المجلس مع أغلبيته الكسيحة وهو يقول: \"خلوا المجلس للشيخ عبد الله وعياله".

هذا الراعي الذي "يتعنطز" ويتعفرت، رأيته في المجلس أمام نحنحة النائب عبد الإله القاضي أضعف من أرنب وهو يلوح باستقالته من رئاسة المجلس.. ولكن كل ضعيف عفريت فقط على من يعتقد أنه دونه أو أضعف منه.. وأبناء تعز والحديدة وإب الأكثر ضعفا بحسب عقلية القبيلة، ومن هذا الضعف تستمد "سنحان" و"حاشد" قوتيهما ـ مع احترامي وتقديري للرائعين والغلابة فيهما ـ إنه قانون القبيلة في اليمن.

في الوقت الذي كان فيه حراسهم يخرجوني من قاعة المجلس بالقوة، وأنا المدني الحر، كان الحوثي يجرعهم وأسيادهم كؤوس الهزيمة سماً زعافاً في \"حرف سفيان\"، وكان جيشهم ينكسر أمامه كعود ثقاب. وبالمناسبة، فبينما كان أحد الضباط يقتادني بالقوة لإخراجي من القاعة، ليبدو أمام نفسه فارسا هماماً، كان أخوه حينها قد وقع أسيرا في قبضة الحوثي .. كم هي المصادفة أحيانا غريبة، وكم هي المفارقة هنا دالة على واقع الحال!

كل المنطق في وطني المنكوب مقلوب.. فبدلاً من أن يحرص مجلس النواب وراعيه ورجال الأمن على إعادة حقوق أبناء "الجعاشن" وحمايتهم، يكون همهم الأول ترويع أصحاب الحقوق ومناصريهم.. وكسر إضراب نائب والضغط عليه ليرفع اعتصامه، ويكف عنه، ولا يعود لمثله أبدا.. كم كان جديرا برجال الأمن الأشاوس ومن يقف ورائهم أن يدافعوا عن قضايا عادلة تشعرهم بالفخر والشرف، لا أن يكونوا عصا طيعة بيد عجوز لئيمة.

ولا بأس أن أسأل : لماذا تدفع تعز والحديدة وإب ثمن مدنيتها كل هذه المدة، فيما القبيلة وعصبيتها تكسب وتقوى شوكتها؟!! هل كثرتنا أمام القبيلة كغثاء السيل..؟!! لماذا مشايخنا \"يُرحموا الله\"، و\"أشيخنا\" لا يزيد عن كونه عبداً يستلذ الخنوع؟!!.. و"أوزرنا" ينتعلوه في كل الوحال..؟!! لماذا مسؤولونا تابعون لهم كالعبيد ولا نرى واحداً منهم صاحب قرار أو موقف أو رأي.. ؟!! ما أسوأ أن يعيش المرء عبدا عمره كله ولا يَمِل!

لقد سجلت احتجاجي بافتراش الرصيف أمام بوابة مجلس النواب حتى صباح اليوم التالي، إلى جانب مهجري الجعاشن الطيبين لأعلن للعالم كيف يعامل البرلمانيون الحقيقيون في بلاد الإيمان والحكمة .. وهو احتجاج يفهمه العالم ولا يفهمه الراعي ومولاه، ولا تفهمه القبيلة في اليمن.

في صباح اليوم الثاني صرخت في قاعة المجلس أن برلماني يمارس حقا احتجاجيا مشروعا، ولقضية أكثر من عادلة، قُمع اعتصامه، وأخرج بالقوة من قاعة هذا المجلس .. ولكن واسفااااااااااه ليتني لم استصرخ ضمائرهم لأنه لا حياة لمن تنادي .. ولكن لا بأس من تعرية حقيقة هؤلاء النواب الذين خذلوني كما خذلوا هذا الشعب طيلة سبع سنوات عجاف، لأنهم ببساطة مجرد "طالبين الله".. سلطة ومعارضة.. واحد فقط كان لي خير عزاء .. إنه النائب الدكتور عيدروس النقيب .. أحسست أنه كان أكثر إحساسا بي وبوجعي.

قررت مواصلة اعتصامي في اليوم الثاني، وفي قاعة المجلس، وبعد نصف ساعة من مغادرة أعضاء المجلس للقاعة، جاء بعض نواب تعز ونائب رئيس إحدى كتل المعارضة، ليواعدوني أنهم سيتبنون القضية ويثيرونها ويحلون موضوع الجعاشن خلال مدة أقصاها أربعة أيام، مقابل أن نرفع اعتصامنا وإضرابنا.. ولكن وأسفااااه لم يحدث شيء من ذلك.. إنهم يجيدون "التنسيم"، ولا يجيدون تنفيذ عُشر وعودهم، حتى وإن "شخطوا" وجوههم بالسكاكين.

أسفي يبتلعني على نواب إب والحديدة، وقبلهم نواب تعز الذين تجدهم عند الجد بدون فعل، بل وبدون صوت أيضا، وكأن في أفواهم جبال من الحجارة.

في إب، شاعر الرئيس يهجّر أبناء الجعاشن إلى صنعاء، ويهدم منازلهم، ويسطوا على ممتلكاتهم، فيما بضعة وثلاثون نائبا من إب لا يقدرون على فعل شيء، وثمانية وزراء في الحكومة من إب لا يملكون من الأمر حتى ما يحفظ ماء الوجه.. خزي وعار عليكم أيها الوزراء والنواب النوائب.

ونواب الحديدة، الذين يقاربون الأربعين، يهانون تحت سقف المجلس، ويعودون إلى المجلس بتلفون، بدلا من أن يقيموها قيامة.. لم يفعل لهم المجلس حتى اليوم شيئاً وأراضيهم ما زالت تبتلعها القبيلة والمتنفذون، ورعاياهم يشترون الزيت بغطاء قارورة ماء شملان، ولا يثورون.

أما تعز .. فآح من تعز .. جرحها يبتلعني .. تعز "عبده ربل" .. لو كان بقي لنوابهم قليل من الإحساس، لما قال راعيهم للنائب عبد الكريم شيبان: "اسحبوه على نخره" .. ولما قال للنائب أحمد سيف حاشد: "اسحبوه".. عبده ربل في المجلس لا يجيد غير "التنسيم".. استحوا على أنفسكم ولو لمرة واحدة يا نوائب تعز.. شهاداتكم وعلياؤكم ينتعلها رجل أمي بالكاد "يفك الخط" .. لقد قالها أحد نوابهم في وجهي: " أما هؤلاء يقصد ـ أبناء تعز ـ نهشهم بعصا".

يا هؤلاء، ويا كل الوطن المسحوق .. يا أبناء تعز وإب والحديدة.. يا أبناء ريمة ووصاب وعتمة وعدن والمحويت.. يا كل الغلابة و"المدعسين" بنعال القبيلة في هذا الوطن المصادر: متى نكون كما يجب أن نكون؟! سؤال نازف فهل توقفون نزيفه؟!

***

"تعز": رمزت بها إلى كل الغلابة في اليمن، وكل المناطق المقموعة التي تبحث وتحلم بحق المواطنة.