يقول الشيخ ابن تيمية رحمه الله في فتاواه في المجلد العاشر:
((ومما يحقق هذه الأمور أن المحب يجذب، والمحبوب يجذب‏.‏ فمن أحب شيئًا جذبه إليه بحسب قوته، ومن أحب صورة جذبته تلك الصورة إلى المحبوب الموجود في الخارج بحسب قوته‏.‏ فإن المحب عـلته فاعلية، والمحـبوب علته غائية، وكـل منهـما لـه تأثير في وجود المعلول، والمحب إنما يجذب المحبوب بما في قلب المحب من صورته التي يتمثلها، فتلك الصورة تجذبه بمعنى انجذابه إليها، لا أنها هي في نفسها قصد وفعل، فإن في المحبوب من المعنى المناسب ما يقتضى انجذاب المحب إليه، كما ينجذب الإنسان إلى الطعام ليأكله، وإلى امرأة ليباشرها، وإلى / صديقه ليعاشره، وكما تنجذب قلوب المحبين للّه ورسوله إلى اللّه ورسوله، والصالحين من عباده لما اتصف به سبحانه من الصفات التي يستحق؛ لأجلها أن يحب ويعبد‏.‏
بل لايجوز أن يحب شيء من الموجودات، لذاته إلا هو سبحانه وبحمده، فكل محبوب في العالم إنما يجوز أن يحب لغيره، لا لذاته، والرب تعالى هوالذي يجب أن يحب لنفسه، وهذا من معاني إلهيته و ‏{‏لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 22‏]‏، فإن محبة الشيء لذاته شرك، فلا يحب لذاته إلا اللّه، فإن ذلك من خصائص إلهيته، فلا يستحق ذلك إلا اللّه وحده، وكل محبوب سواه إن لم يحب لأجله، أو لما يحب لأجله فمحبته فاسدة‏.‏
واللّه ـ تعالى ـ خلق في النفوس حب الغذاء، وحب النساء، لما في ذلك من حفظ الأبدان وبقاء الإنسان، فإنه لولا حب الغذاء لما أكل الناس ففسدت أبدانهم، ولولا حب النساء لما تزوجوا فانقطع النسل، والمقصود بوجود ذلك‏:‏ بقاء كل منهم ؛ليعبدوا اللّه وحده، ويكون هو المحبوب المعبود لذاته الذي لا يستحق ذلك غيره‏.‏
وإنما تحب الأنبياء والصالحون تبعا لمحبته، فإن من تمام حبه حب ما يحبه، وهو يحب الأنبياء والصالحين، ويحب الأعمال الصالحة، فحبها / للّه هو من تمام حبه، وأما الحب معه فهو حب المشركين الذين يحبون أندادهم كحب اللّه، فالمخلوق إذا أحب للّه كان حبه جاذبًا إلى حب اللّه، وإذا تحاب الرجلان في اللّه اجتمعا على ذلك، وتفرقا عليه، كان كل منهما جاذبا للآخر إلى حب اللّه، كما قال تعالى‏:‏ ‏(‏حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتجالسين في، وحقت محبتي للمتباذلين في، وإن للّه عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بقربهم من اللّه، وهم قوم تحابوا بروح اللّه علي غير أموال يتباذلونها، ولا أرحام يتواصلون بها، إن لوجوههم لنورًا، وإنهم لعلى كراسي من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس‏)‏‏.‏

فإنك إذا أحببت الشخص للّه كان اللّه هو المحبوب لذاته، فكلما تصورته في قلبك تصورت محبوب الحق فأحببته، فازداد حبك للّه، كما إذا ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء قبله، والمرسلين وأصحابهم الصالحين، وتصورتهم في قلبك، فإن ذلك يجـذب قلبك إلى محبة اللّه المنعم عليهم، وبهم إذا كنت تحبهم للّه، فالمحبوب للّه يجذب إلى محبة اللّه، والمحب للّه، إذا أحب شخصًا للّه، فإن اللّه هو محبوبه، فهو يحب أن يجذبه إلى اللّه تعالى، وكل من المحب للّه والمحبوب للّه يجذب إلى اللّه))‏.