إيلاف
سلطان القحطاني من الرياض: في الثانية ظهراً من الحادي عشر من يناير(كانون الثاني) قبل عامين مضيا ظهرت المذيعة السعودية بثينة النصر و هي ترتدي غطاء رأس أسود و سترة بيضاء قارئةً أولى النشرات السياسية في فضائية " الاخبارية " السعودية. لم تكد تمضي سوى دقائق حتى تناقلت وكالات الأنباء العالمية صورتها بعينيها الواثقتين و ملامحها الجادة و هي تضع يديها بشكل دائري على طاولة ارتمت عليها أوراق بيضاء لا يُـرى منها إلا تعرجات الحبر، و غطاء رأسها الأسود ينسدل على كتفيها.

و على الرغم من أن القناة حصدت كماً كبيراً من الجدل و الرفض من قبل تيارات سعودية محافظة رأت أن بدء أول دقائق القناة بوجه نسائي يخفي في طياته توجها تحررياً ستتخذه القناة في سياستها، إلا أن ظهورها أسهم في إعطاء الصبغة الرسمية للاعتراف بوجود مذيعات سعودية، و تدشين عهد جديد في الإعلام السعودي عبر إعطاء الضوء الأخضر لبدء الحقبة الأنثوية تحت غطاء رسمي و غير موارب.

وعن الهجوم الذي تعرضت له تقول المذيعة السعودية بثينة النصر لـ" إيلاف ": " لم أتوقع هذه الضجة التي صاحبت ظهوري كأول مذيعة سعودية في القناة .. المفاجأة التي لم أتوقعها هو أن ظهوري على التلفزيون في تلك اللحظة هز أطيافاً كثيرةً في المجتمع".

وبثينة النصر التي تنتمي إلى أسرة من مدينة القطيف على أطراف الساحل الشرقي السعودي، دخلت المجال الإعلامي دون أي خلفية أكاديمية كون دراسة الإعلام محلياً تقتصر على الذكور دون الإناث، و هي حائزة على شهادة البكالوريوس من كلية العلوم الإدارية تخصص أساليب كمية من جامعة الملك سعود في الرياض منذ ما يربو على السنوات الثلاث.

وتشير النصر إلى أن هذه الخطوة هي من أهم خطوات الإصلاح التي انتهجتها القيادة السعودية، و تقول: " الآن أمي تستطيع أن ترفع رأسها عندما تقول إن ابنتها مذيعة دون أن تسمع أي كلام سيء لا تحبّذه".

ولكن متابعين يرون أن القناة الاخبارية، و هي الوليد الرابع لجهاز الإعلام السعودي الرسمي، قد فقدت كثيراً من وهجها و هي تدلف إلى أول أشهر عامها الثالث منذ انطلاقتها فضائياً في الحادي عشر من يناير(كانون الثاني) 2004.

وكما يرى مراقبون و إعلاميون فإن القناة التي أُسست لتكون إخبارية تهتم بالشأن السياسي في أغلب ساعات بثها التي تبلغ 12 ساعة يومياً، أصبحت قناة منوعة تحوي أكثر من 23 برنامجاً منوعاً لا علاقة لها بالسياسة، و هذا هو المأخذ الذي يجعل من هذه الشمس التلفزيونية الجديدة تمر بمرحلة كسوف جزئي.

ويدافع مدير القناة الدكتور محمد باريان عن نهج القناة في حديثه لـ" إيلاف " قائلاً أن " القناة حققت الهدف المرجو منها .. أعطت إنطباعاً عاماً بأن الكادر الوطني السعودي يستطيع أن يعمل جنباً إلى جنب مع الكوادر الأجنبية الأخرى .. لقد أخذت وضعها الطبيعي".

ويقول باريان عن سياسة القناة : "المشاهدون لا يفضلون مشاهدة قناة اخبارية مئة بالمئة .. جزء منهم يريد برامج منوعة خالية من الإبتذال". و يستشرف مستقبلها: " مستقبل القناة مشرق..سيكون هناك 24 ساعة بث يومية و رؤية جديدة متى ماوجدنا الدعم الكامل .. كلما زاد الدعم زاد العطاء. أنا أجزم أن الفكر السعودي في الإعلام سيحدث نقلة نوعية".

ولدى فضائية الاخبارية 28 مراسلاً في أكثر من 20 دولة لتغطية أهم الأحداث أولاً بأول، و نحو 20 مذيعاً تحتضنهم مايكروفونات و استديوهات القناة الوليدة، بينما يزخر القسم النسائي فيها بنحو 20 فتاة سعودية مابين مذيعة و إدارية و معدة برامج.

وفي مكتبه في الطابق الثالث من صحيفة الجزيرة السعودية، يقول محمد يحيى القحطاني، و هو رئيس صفحة الفنون و الموسيقى في الصحيفة ذاتها، إنه يشعر بالخيبة إزاء ما وصلت إليه القناة الاخبارية من مستوىً سيء، و تفشٍ لعدوى البيروقراطية التي تشتهر بها المؤسسات الإعلامية الحكومية في الوطن العربي.

ويقول بينما هو يسّتلُّ سيجارة بيده اليمنى، و يعيد ترتيب منفضة للسجائر بنية اللون تقبع على طاولته : " لم أكن متشائماً، لكني لم أكن متفائلاً لولادة هذه القناة التي كان من الواجب على القائمين عليها إدارة و تحريراً الخروج بها إلى بر الأمان في ظل الإمكانات المتاحة للجميع سواء كانت هذه التسهيلات فنية أو مادية خاصة و نحن الذين سمعنا ما يدور خلف الكواليس من أرقام فلكية وفّرتها وزارة الثقافة و الإعلام لهذا المولود الفضائي الجديد الذي لم يسلم من سرطان البيروقراطية الذي كنت أتمنى أن يكون بمنأى عن ديناميكية العمل داخل أروقة القناة ".

ويضيف: " اللافت في قناة الاخبارية التي لا أبخسها حقها في التميز أبداً طغيان بعض برامج المنوعات على هيكلها اليومي حتى ليعتقد الآخرين أنها قناة منوعات و ليست إخبارية محضة، و هذا بلا شك يجعلنا مؤمنين بأن الاحترافية في العمل الفضائي للقناة قد ضلَّ طريقه و حاد عن جادته. القناة ما زالت تعاني من المحسوبية و المجاملات التي لا طائل منها و تؤخر مسيرة هذا المعلم الفضائي بل و تقدمه للآخرين خارج حدود الوطن وليداً مشوهاً عبثت به ".