ذكرت صحيفة الوسط ( المستقلة ) في عددها الأخير أن عدد من المشايخ لم يكادوا يستقروا في اليمن بعد عودتهم من واجب العزاء للملك عبد الله في أخيه فهد بن عبد العزيز والذين كانوا برفقة رئيس الجمهورية خلال تقديمه للعزاء حتى غادروا للملكة بعد خمسة أيام ( لتقديم العزاء ثانية ) .
مصادر الوسط أكدت أن هؤلاء المشايخ هم عبد العزيز ناجي الشايف وسلطان العرادة ومحمد بن ناجي الغادر قد تقدموا يوم السبت الماضي بطلب تأشيرة للدخول إلى السعودية وتم منحهم التأشيرات حيث تمت استضافتهم في قصر المؤتمرات بجدة الذي ينزل فيه رؤساء الدول وكبار الضيوف بانتظار تأدية العزاء مرة أخرى .
مصادر سياسية في اليمن أبدت استغرابها من عودة هؤلاء للمرة الثانية مع أنهم كانوا ضمن وفد رسمي إذا كان القصد فقط تقديم العزاء ولم تستبعد هذه المصادر أن تكون العودة لها علاقة بإعادة ترتيب العلاقات مع المشائخ وبالذات من هم من غير قبيلة حاشد التي يرتبط كبير مشائخها عبدالله بن حسين الأحمر بعلاقة وطيدة وعميقة وتاريخية مع الحكام المتعاقبين في المملكة وهو ما استدعى منه أن يكون حاضراً هناك قبل الإعلان الرسمي عن وفاة الملك بأيام ومازال هناك حتى كتابة هذا الخبر.
مصدر شبه رسمي أكد امتعاض قيادات رفيعة في الدولة من العودة السريعة للمشائخ إلى المملكة ومن استقبال هؤلاء كممثلين لليمن وهو ما عده استمرار الدور السعودي في كسب المزيد من المشائخ في محاولة لتوسيع نفوذها داخل اليمن والذي يعتبر مناقضاً لاتفاقات سرية حدثت بين الأمير عبدالله والرئيس صالح عقب التوقيع على معاهدة جدة والذي من بينها توقيف أو الحد من صرف المرتبات لمشائخ القبائل عن طريق إلغاء اللجنة الخاصة المعنية بشراء ولاءات مشائخ ومسؤولين ومثقفين وصحافيين وبعض قادة أحزاب
يشار إلى أن النظام السعودي لم يتوقف أبداً عن محاولات تسخير مناطق نفوذ قبلية كانت تمثل عائقاً أمام توسعه بسبب تداعيات الحرب بين الملكيين والجمهوريين حيث كان آخر هؤلاء مشائخ من خولان بني عامر حسب ما أكد ذلك الشيخ قائد شويط في لقاء أجرته معه «الوسط» الأسبوع الماضي اعترف فيه بأن له مصالح مع السعودية بعد أن رأى المسؤولين قد اندمجوا بمصالح معها.
هذا وأرجعت مصادر حضرت مراسيم العزاء مع الرئيس أن بعض أعضاء الوفد المرافق له لم يتمكنوا من الوصول إلى الملك عبدالله لتعزيته ومبايعته بسبب الزحام الشديد وعجلة الرئيس بالعودة حيث غادر بعد ساعات فقط بطيارته بينما استقل الآخرون الطائرة الأخرى والتي لم تتسع للوفد مما اضطر البعض الى البقاء واقفين الأمر الذي سبب استياء في أوساط أعضاء وفد التعزية من مشائخ وأمناء عموم أحزاب خاصة بعد أن تم نسيان أحمد الشامي أمين عام حزب الحق في المملكة دون جواز سفر.
وفي السياق نفسه نورد تاليا ما ذكره جمال عامر رئيس تحرير صحيفة الوسط في عموده الإسبوعي وتحت عنوان السعودية وإرث التوجس حيث قال :
ستظل العلاقة التي تربط اليمن بالسعودية قلقة مشوبة دائماً بالحذر والترقب ولذا فإن تبدل ملوكها لم يكن ليأتي بجديدٍ فيما يخص التوجس من اليمن.
حيث أصبحت سياسة ثابتة يتوارثها ملوك آل سعود في أن تبقى اليمن مجرد دولة تابعة لهم مقابل قيامهم بالانفاق عليها وظل هذا الأمر معمولاً به إلى حين محاولة الشهيد إبراهيم الحمدي التمرد على هذا الوضع ودفع حياته ثمناً له.
الرئيس صالح تمرد أيضاً ولكن من خلال مواقف مدروسة ابتداءً بالقفز على المملكة في إقامة علاقة مباشرة مع أمريكا ثم استخراجه للنفط وحتى تحقيق الوحدة وكانت هؤلاء الثلاث بمثابة خطوط حمر لا يجب تخطيها.
الرئيس نجح في تجاوزها جميعاً وجعلها أمراً واقعاً إلا أنه مع كل هذا النجاح لم يتمكن أبداً من الحد من نفوذ التأثير السعودي على مشائخ القبائل والذي تعداهم إلى مثقفين وكتاب وعسكريين من خلال قيام المملكة وبشكل أقرب إلى العلنية بمنح هؤلاء مرتبات شهرية من خلال ما اصطلح على تسميتها اللجنة الخاصة وهو ما يدفع الرئيس حين اشتداد الأزمات بين البلدين إلى الإعلان عن معرفته بكشوفات المرتبات التي يتسلمها يمنيون.
التوقيع على ترسيم الحدود اليمنية السعودية مع ما فيه من ظلمٍ بينٍ على اليمن لم يؤدِ إلى تخلي السعوديين عن مشائخ القبائل ودعمهم بل زادت أهميتهم وسعوا إلى التوسع في كسب مشائخ آخرين كانوا يعدوا من المناوئين لهم مثل بعض مشائخ خولان وبكيل.
المشائخ الذين ظلوا على مواقفهم المناوئة للسعودية مثل قبائل وائلة لقي شيخها محمد بن شاجع حتفه في حادث سير غامض حيث كان من أشد الرافضين لترسيم الحدود إذ رفض تسليم المناطق المحادة لقبيلته وفجر أكثر من مرة العلامات الحدودية.
علاقة مشائخ القبائل وتأثير السعودية عليهم هي العقبة الكؤود التي لم يستطع الرئيس تجاوزها وظلت نقطة الضعف الوحيدة في علاقة كان يمكن أن يسودها نوع من التكافؤ.
النظام في اليمن تعامل مع علاقة دولة أخرى بمشائخ هم من مواطنيه باعتبار الأمر وكأنه فرصة للتخلص من تبعات هؤلاء المالية التي تتحملها عنه هذه الدولة دون النظر للاستحقاقات التي يمكن أن يدفعها النظام والوطن حينما ينفلت هؤلاء مستقوين بعلاقتهم مع الجارة القادرة والباحثة فقط عن رجال يقومون بالنيابة عنها بإشعال الحرائق.
النظام السعودي بالتأكيد يبالغ بالمراهنة على من يعدهم رجاله في اليمن مع أن ما عرف عن القبائل أنهم لا يمكن بأي حال أن يدفعوا ثمناً مقابل موقف واحد.. هكذا التاريخ يروي من خلال مواقفه وأحداثه.
وأتذكر أن الشيخ عبدالله - وهو الأقوى صلةً بالحكم السعودي - قال لي في مقابلة معه أنه يستلم من المملكة ولكن ذلك ليس على حساب البلد وأن علاقته هذه هي لمصلحة وطنه وهنا يجب أن لا ندقق كثيراً في معايير الولاء الوطني أو مفاهيمه باعتبارها يمنياً ليس أكثر من وجهة نظر قابلة للنقاش والمراجعة.
القبائل ليسوا وحدهم من يتحمل وزر مثل هذه العلاقة إذ أن النظام الذي أضفى على مثل هذه العلاقة الشرعية بغض النظر عنهم حيناً ومباركتها حيناً آخر هو المذنب الأكبر ليس لهذا السبب وحده وإنما لكونه ابتعد بالدولة عن مفهومها ووظيفتها الحقيقية المتمثلة بتواجدها في كل مناطق البلد من خلال مدارس تبنى وطرق تشق ومستشفيات تعالج، ثم قانون عادل يحاسب ويقاضي ويحكم.
لقد حمل جمال عامر وزر هذه العلاقة بين شيوخ القبائل والسعودية للدولة اليمنية التي تغض النظر عنها ، وكوننا ندرك طبيعة العلاقة بين شيوخ قبائل الشمال منذ عهد ما عرف بالمملكة المتوكلية اليمنية ومرورا بالجمهورية العربية اليمنية وإنتهاء بالجمهورية اليمنية جاز لنا التساؤل عن هدف وغاية السعودية من إقامة علاقات مباشرة بشيوخ القبائل اليمنية في المناطق الشمالية المحاذية لها وعدم إهتمامها بإقامة علاقات مماثلة مع شيوخ القبائل في المناطق التي عرفت بإسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقا وماهي عوائق إقامة علاقات مباشرة مماثلة ؟
ستكون لي وقفة للإستنباط حول الفقرة المميزة أعلاه وأرجو من اخوتي الرواد عدم البخل علينا بإستنتاجاتهم وتحليلاتهم .
تحياتي .
Bookmarks