محمد حسنين هيكل، شخصية عادت إلى الأضواء بعد انقطاع لفترة ليست بالبسيطة، عاد بنفس الروح الشبابية الصريحة التي عُرِف بها في السابق، ولكن عودته هذه المرة كان له ردة فعل عكسية من البعض، فبعد تهجمه الواضح والجرئ على الملك عبدالعزيز، وبعد تشكيكه في مواقف الدولة السعودية مع القضية الفلسطينية، وهي مواقف لا ينكرها شاهد ولا يجهلها مؤرخ، فبعد تلك السلسلة من الحلقات التي بثتها ولا زالت تبثها قناة الجزيرة أسبوعياً، كان لتلك الحكايات التي يرويها هيكل باللهجة المصرية ردة فعل عكسية من الصحف السعودية التي شنت الحملات على هيكل، فبدأ التضارب بالمقالات وتخصيص صفحات كاملة لتناول شخصية هيكل من جميع الجوانب، منذ ظهورها على الساحة الإعلامية إلى الآن..
فلا يكاد يخلو أي عدد يومي من كل صحيفة سعودية من مقال ينتقد هيكل بصورة قوية وأحياناً يتم التلويح والتلميح في بعض المقالات عن نهاية بعض الصحفيين، ويورد كاتب المقال قصة لكاتب أو صحفي كانت له نهاية مأساوية، ويحذر بطريقة أو أخرى هيكل من مغبة التمادي في هذا الأمر؛ وهذا أسلوب لا تقبله أخلاقيات المهنة ولا ترضاه أساليبها..
ولكن هيكل الذي نصب نفسه ملك الرواية التاريخية، وصاحب الحقيقة المطلقة، أوحى لمن يستمعه أنه بكلامه يصيب كبد الحقيقة، ونحن المشاهدين بدورنا نتبلَه أمام شاشات التلفاز، فيستثير فينا روحنا القومية، فلا نقبل من أحد مناقضة كلامه ونتركه يقول ما يقول، فهو الحكواتي الذي نطرب بسماع صوته لأنه يذكرنا بأمجاد ومواقف ناصرية حققها الناصريون آنذاك..بل ويصور نفسه أنه الصانع لتلك الأمجاد مع عبدالناصر، فقد لعب دور الموجه لعبدالناصر في تلك الفترة..حسب كلامه، فلا يكاد يخلو كلامه من (أنا)، فالأنا مسيطرة على مجمل كلامه..( تحدثت أنا والزعيم الفلاني، تعشيت أنا والوزير الفلاني، ركبت الطائرة أنا وفلان الفلاني.....الخ )
فحبّه للظهور بصورة الإعلامي المتميز والوحيد في الساحة غلبت على كلامه إجمالاً، فهو ليس صاحب قضية يتكلم عنها، بل هو صاحب مهمة ( تصفية حسابات ) بين أطراف معروفة...
الهيكل الذي نراه على شاشة قناة الجزيرة نهاية كل أسبوع هو ذلك الرجل الذي حمل الفكر الاشتراكي الناصري في فترة من الفترات والذي يحمل الفكر الديمقراطي الحقوق أنساني حالياً، فبين الناصرية إلى حطب ود السادات الذي لم يعره انتباهً والمباركية التي ( طنشته )، وجد لنفسه من يضعه على كرسي ويضعه على قمة مرتفعة ينظر إليها الجميع..
المتتبع لمسيرة هيكل الإعلامية الحافلة بالتميز الانفرادي يجد أن هيكل في فترة الناصرية كان في قمة مجده وذروته، فقد كان الصحفي المقرّب من عبدالناصر وصاحب العلاقة المميزة بعبدالناصر، والذي أسماها علاقة (حظ وشرف) أي أنه كان محظوظاً بصداقته ومتشرفاً بوجوده على مقربةً منه، وأيضاً كان الصحفي الوحيد الذي لا تمر مقالاته على الرقيب وهي الميزة التي حرمه السادات منها مما أثار سخط هيكل وغضبه، ولكنه غضب الحليم الذي يرى انه ليس من المصلحة مواجهة السادات وجهً لوجه، ولكنه لم يُسلِّم السادات من انتقاداته.......
كي لا نطيل... باختصار أن هيكل أتانا من زمن مضى، زمن قضى أغلب جيله والذين كان باستطاعتهم الرد على الهيكل وعلى حكايات آخر الأسبوع التي يرويها لنا...فنصدقها لأنه بصراحة هيكل الصراحة..............
Bookmarks