الراية القطرية- أنور الخطيب: ألقي الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في بركة الاصلاحات الديمقراطية والمطالبات بالتغيير، حجرا كبيرا، بإعلانه عدم رغبته ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة


اليمنية المقبلة في سبتمبر 2006
الإعلان اليمني الذي جاء في خطاب وجهه الرئيس بمناسبة الاحتفال بمرور (27 عاما) علي توليه السلطة اختلف المحللون والمتابعون حول دوافعه والغاية منه، ومدي جديته إلا أنهم اتفقوا جميعا علي ان الرئيس صالح سيتعرض لضغوط داخلية وخارجية لاثنائه عن هذه الخطوة.. وقدر كثيرون أن الرئيس سيتراجع عن إعلانه نتيجة لهذه الضغوط.
الراية استطلعت آراء نخبة من المثقفين القطريين في إعلان الرئيس اليمني عزمه علي عدم الترشيح للانتخابات الرئاسية المقبلة.. وخرجت بهذه النتائج.

قراءة في التنازل عن الحكم
الدكتور فهد بن عبدالرحمن آل ثاني الاستاذ المشارك في الجيوبوليتكس والباحث القانوني بجامعة قطر، فضل ان يقدم رأيه ل الراية ضمن عنوان قراءة في التنازل عن الحكم قال فيها ردا علي أسئلة الراية: ان احتمالات استمرار الرئيس اليمني علي موقفه بالعزوف عن الترشيح لموقع الرئاسة، أو عدوله عن هذا الموقف نتيجة لضغوط داخلية وخارجية تظل قائمة.

وأضاف علي الصعيد الداخلي فإن الرئيس صالح سيواجه بضغوط من أصحاب المصالح الذين سيتضررون في حالة تنازله عن الرئاسة، ولم يستبعد د. فهد آل ثاني ان يتعرض الرئيس اليمني ايضا لضغوط إقليمية لإجباره علي عدم التخلي عن السلطة، لأن هذا التخلي بالنسبة للأنظمة الاقليمية الديناصورية سيكون سابقة خطيرة، وستفتح عيون الشعب علي ان التغيير للرؤساء ممكن بطريقة سلمية.

اما دوليا، فلم يستبعد د. فهد آل ثاني تدخلا أمريكيا لاثناء الرئيس اليمني عن قراره بعدم الترشيح. خاصة اذا لم يتوفر البديل المناسب، واذا كان اعتزال الرئيس سيؤدي الي وصول الاسلاميين المتشددين الي الرئاسة في اليمن
ومن هنا يضيف د. آل ثاني: اذا أصرّ الرئيس اليمني علي موقفه فإن أمريكا ستدقق بقائمة المرشحين الأقوياء لتولي موقع الرئاسة فإذا لم تجد شخصا مناسبا - حسب الرؤية الأمريكية - وفشلت في منع الرئيس صالح عن التنازل، فإنها ستلجأ من وجهة نظري الي سلسلة من السيناريوهات للمحافظة علي الوضع كما هو عليه او علي أقل تقدير علي الشكل الذي يناسب المصالح الأمريكية حتي ولو بشكل مؤقت.

ويرد د. فهد آل ثاني علي سؤال فيما اذا كانت المسبحة ستكر ونجد رؤساء آخرين يتخذون نفس الخطوة، بالقول: أعتقد ان جميع الدساتير العربية تحتاج الي مراجعة شكلية وموضوعية، وانه اذا أردنا ديمقراطية حقيقية فلا بد ان تحدد القاعدة شكل القمة وهذا لن يتحقق إلا بالاستفتاء الدستوري، أما ما يتبع ذلك من إصلاحات فهي في نظري اصلاحات ميكياجية وذرا للرماد في العيون.

وفيما اذا كانت خطوة الرئيس اليمني ستشكل احراجا للرؤساء العرب الآخرين أم انهم سيتجاهلونها، رد بالقول: أعتقد ان الأنظمة العربية ستتجاهل جميعها هذه الخطوة، فلو كان الحكام العرب يتأثرون من منهجية التغيير الرئاسية سواء للرئيس أو رئيس الوزراء لتأثروا بما يحدث في الشقيقة ايران، التي تولي فيها الحكم اكثر من (5) رؤساء خلال فترة زمنية لا تزيد علي ربع قرن. فالمشكلة لدينا ليست في الحكام الديناصوريين فقط، بل انتقلت الي الوزراء الديناصوريين ايضا.
ويختم د. فهد بن عبدالرحمن آل ثاني رؤيته بالتأكيد علي ضرورة وجود عقود أو دساتير قانونية سليمة تحمي الوطن والمواطنين في كل الدول العربية، عقود ذات شفافية عالية، يجري تنفيذ بنودها علي أرض الواقع من خلال مؤسسات تشريعية وقضائية وتنفيذية ورقابية حقيقية وليست صورية وسلطة رابعة ممثلة بالإعلام الحر الذي لا يخضع إلا للرقابة القضائية في حالة الإخلال بالآداب أو الأمن

وعبر د. فهد آل ثاني عن تفاؤله الكبير بأننا سنشهد خلال فترة زمنية قريبة إصلاحات وتغييرات ضخمة في العالم العربي والإسلامي.
مفاجأة غير متوقعة
يصف الدكتور عبدالحميد الأنصاري عميد كلية الشريعة والقانون السابق في جامعة قطر إعلان الرئيس اليمني بأنه مفاجأة غير متوقعة في الحياة السياسية العربية التي ألفت واعتادت أن يحكم الرئيس فيها الي ان يتوفاه الله أو يعزل بالقوة

وأضاف د. الأنصاري انه يتصور أن الرئيس اليمني صادق في عزمه - وقد يكون له أسبابه الخاصة - ولكن لعله يريد اتاحة الفرصة كما قال الكفاءات من الشباب من الوطنيين الشرفاء، والوطن يحتاج الي دماء جديدة.

ولا يري د. الأنصاري قرار الرئيس اليمني نابعاً من ضغوط داخلية او ضغوط خارجية تطالب بالاصلاح السياسي واتاحة الفرصة للشعب بأن يعبر عن ارادته بحرية فيمن يريده رئيسا. لكن الانصاري لا يستبعد تراجع الرئيس اليمني عن قراره سواء لضغوط داخلية او خارجية لسببين:

إن ظروف اليمن الأمنية والسياسية - في الوضع الحالي - وبخاصة في مواجهة حركات التمرد والعنف - حصدت المعارك التي دارت بين القوات اليمنية وجماعة الحوثي ما لا يقل عن (800) قتيل من الجانبين. غير العمليات الارهابية والخلايا المتطرفة التي تحاكم أمام المحاكم اليمنية حاليا، هذا من ناحية، ومن ناحية اخري الانجازات التي ذكرها الرئيس اليمني طوال (27 عاما) من ناحية ثانية، وعدم وجود بديل أو خليفة يستطيع ان يلتف حوله الناس، كل ذلك سيكون مبررا أو مسوغا لخروج مظاهرات تطالب ببقائه.

إن حزب علي صالح يحتل معظم مقاعد البرلمان، ويتعين علي أي مرشح للرئاسة الحصول علي موافقة الحزب، ولا يوجد في الأفق السياسي من يستطيع الحصول علي تلك الموافقة.
وفي رده علي سؤال ل الراية فيما اذا كانت المسبحة ستكرّ ونري رؤساء آخرين يتخذون هذه الخطوة قال: لا أظن ذلك لأن كل رئيس سينظر الي تصرف الرئيس اليمني علي أنه أمر خاص به وبشعبه ولا يعنيه في شيء، ثم ان كل رئيس قد أقنع نفسه بأن استمراره في الحكم مصلحة وطنية عليا، وأنه بقبوله الاستمرار في الحكم - بناء علي طلب شعبه - إنما يقدم تضحية كبري لشعبه الذي يريده. ثم ان ما هو شاذ وغير مألوف في الحياة السياسية العربية، لا ينظر إليه بارتياح فضلا عن ان يكون نموذجا يُقلد ويحتذي به الآخرون.

وفيما اذا كانت هذه الخطوة ستشكل احراجا لباقي الرؤساء العرب أم انهم سيتجاهلونها أجاب د. الأنصاري: باطنا، نعم وسيستنكرونها وسيسعون لاثناء الرئيس اليمني للتراجع عن قراره، ولكن ظاهرا سيقولون ان هذا شأن داخلي والرئيس اليمني أدري بمصلحة شعبه

وحول مدي جدية إعلان الرئيس اليمني أو أنه سيحرك خيوط اللعبة من وراء الستار قال: أتصور ان الرئيس اليمني جاد، ونيته صادقة، ولكن المنطق السياسي، واللعبة السياسية لا يعرفان النية الصادقة وقد لا يسعي الرئيس اليمني لتحريك الخيوط ولكن حزبه وأنصاره سيسعون وسيحاولون اقناعه بالتراجع من أجل مصلحة اليمن ووضعها الخطير.. والمحصلة النهائية ليست نية الرئيس وإنما مدي قدرة الرئيس علي مقاومة الجهود والضغوط التي سيواجهها من اجل التراجع عن قراره، وهذا ما لا أستطيع التكهن به

الشعب قد يثنيه عن الخطوة

يري الأكاديمي والإعلامي القطري د. أحمد عبدالملك ان الشعب اليمني قد لا تقبل خطوة الرئيس علي عبدالله صالح وقد يثنيه عن تلك النية الحضارية
وقال د. عبدالملك في رده علي أسئلة الراية: باعتقادي ان اي حاكم - مهما تحدثنا عن شفافيته - لن يفاجيء العالم بتنحيته أو انسحابه من دوره السياسي في انتخابات مقبلة، إلا تحت ضغوط قاهرة خاصة لا يحبذها هو ولا المستفيدين حوله. بل ولا يستطيع مواجهتها، ولعلنا نستثني ما حدث في السودان ذات عام مع المشير سوار الذهب. بالنسبة للرئيس اليمني علي عبدالله صالح أعتقد بأنه أعلم بظروف بلاده. المهم في القضية ما يريده الشعب لا ما يريده الجيران او الدول الكبري. وأري أن هذه قضية يمنية بحتة وليبحثها الشعب اليمني.

وفيما اذا كنا سنشهد اعلانات مشابهة من رؤساء عرب آخرين قال: نحن لا نقرأ الغيب، لكن التاريخ العربي لم يشهد تلك الانزياحات الهادئة الرشيقة - كالتي تحدث في أوروبا أو أمريكا - حيث يخرج رئيس الوزراء او رئيس الجمهورية من مقر الحكم بثيابه ويعود مواطنا عاديا بين صفوف المواطنين. التاريخ العربي سجل لنا ان الحاكم يبقي حتي يتذكره الله او تغتاله يد الآخرين. أنا لا أعتقد بأن هنالك من سيفاجئنا بمثل خطوة الرئيس اليمني. والشواهد القريبة في الجمهوريات عكست لنا عكس هذه النظرية.
ولا يعتبر د. عبدالملك هذه الخطوة تشكل احراجا لأي حاكم عربي، لأن ذلك شأن داخلي في اليمن. وقد تكون له حسابات خاصة ستكشفها الأيام ويقول: أنا أستبعد أي مقاربات إحراجية لحكام آخرين. لو كانت هذه النظرية حاضرة في المزاج السياسي في العالم العربي لتعلم الجميع من الحكم الديمقراطي في بريطانيا أو أمريكا. نحن نأكل الهامبورجر ونركب السيارات الفارهة الأمريكية والألمانية، لكن عقلنا لا يهضم الديمقراطية التي أوجدت تلك الحضارة. أغلب البلدان العربية سجادة شرقية لا يطأها إلا هارون الرشيد. أغلب البلدان العربية لا ترعوي إلا تحت صليل سيف أبي العباس السفاح.

وحول جدية هذه الخطوة وان الرئيس اليمني، لن يستمر في الحكم من وراء الستار قال: نحن لا نقرأ أفكار الرئيس اليمني. ولكن لديه أسبابه الوجيهة في تلك الخطوة، من يدري؟ قد يكون يريد توجيه رسالة الي بعض الحكام في الجمهوريات الي ضرورة احترام شعوبهم واحترام العالم، ليرتاحوا ويريحوا!. المفاجأة هنا إن تم تعيين وريث للحكم، وليست المفاجأة في عدم ترشيح الرئيس نفسه لفترة رئاسية قادمة!! العقلانية تستلزم ان يكون هنالك اكثر من رأي ومن مشروع ومن نظام حكم. العقلانية تستلزم ان تكون هنالك أفكار جديدة ورؤي مستنيرة تتعامل مع معطيات القرن. الغبار تراكم كثيرا في بعض النظم!! بعض النظم ما زالت تتعلق بتماثيل القرن الماضي، وتلك قضية شائكة قد لا يحلها إلا انقلاب مدمر ينال القصور ويخلط الأوراق بصورة غير متوقعة.

الاستمرار بطريقة أُخرى
يقول الكاتب والإعلامي عيسي آل اسحق ان حزب المؤتمر الشعبي الحاكم سيضغط علي الرئيس اليمني مناجل ترشيحه مرة أخري، وانه اذا لم ينجح في ذلك. فقد تتحول القضية الي قضية توريث أي ان يجري ترشيح ابن الرئيس اليمني لموقع الرئاسة.

ومن هنا يمكن ان نفهم دعوة الرئيس اليمني لترشيح الكفاءات من الشباب اليمني لرئاسة الدولة.
ولا يستبعد آل اسحق تعرض الرئيس اليمني لضغوط داخلية وخارجية قوية لاثنائه عن قراره، خاصة اذا لم يجد الحزب الحاكم مرشحا قويا يمكن ان يكسب معركة الرئاسة اليمنية ويكون مقبولا علي الصعيد الدولي
ويرد آل اسحق علي سؤال ل الراية فيما اذا كانت خطوة الرئيس اليمني سيتبعها خطوات مشابهة من الرؤساء العرب بالقول: لا أظن ذلك، وهذه الخطوة لن تتكرر في المدي المنظور علي الأقل. فلا أعتقد أن هناك نوايا لدي الرؤساء العرب بالتخلي عن السلطة مستبعدا في الوقت نفسه ان يتسبب هذا الاعلان في احراج الرؤساء العرب الذين وصفهم بأنهم تخطوا مرحلة الإحراج منذ أمد بعيد.

ويعود آل اسحق للتأكيد علي ان الرئيس اليمني اذا خرج من موقع الرئاسة فسيظل - حسب وجهة نظره - ممسكا بخيوط السلطة من وراء الستار لمدة زمنية قد تطول أو تقصر حسب تطورات الأوضاع الداخلية في اليمن.