فيما يبدو أنها مغازلة إيرانية صريحة “للكيان الصهيوني”، كشفت وكالات الأنباء الرسمية الإيرانية فضيحة للنظام الحاكم في طهران وعلاقاته السرية مع تل أبيب في شهر ابريل 2009 التي يبدو أنها ليست وليدة اللحظة، في الوقت الذي يردد النظام هتافات (مشكوك فيها) ضد الصهاينه لمحاولة إظهار البطولة.

ونشرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية صورة لصناديق تحمل فواكه عليها اسم ماركة “يافا الحلوة”، وأظهرت الصور التي وزعتها وكالة “مهر” للأنباء أن البرتقال يحمل بوضوح علامة “إسرائيل – فاكهة حلوة”.

وتحايلا على الحظر المفروض كشفت المصادر أن استيراد الفاكهة تم عبر أبوظبي وطرحت للبيع في الأسواق والمحلات في طهران وحولها.

وحفاظًا على ماء وجه النظام الإيراني قالت طهران: “إن السلطات هناك تجري تحقيقا في إمكانية ان يكون قد تم خرق الحظر المفروض على الاستيراد من إسرائيل، العدو الاكبر لإيران”.

وقالت وسائل الإعلام المحلية: “إن السلطات في المدينة طلبت من القضاء اتخاذ الإجراءات اللازمة بعد كشف فضيحة استيراد صناديق من الفواكه الإسرائيلية المعلبة على أنها من الصين”.

وقالت الوكالة الرسمية في تقريرها حول توزيع هذه الفاكهة: “إن بقية الصناديق التي لا تزال في المخازن لن يتم بيعها”.

وصرح محمد رضا نادري نائب رئيس الجمارك الإيرانية: “أنه من المستحيل تصديق التقارير التي تتحدث عن البرتقال، لكنه قال إنه إذا ما تأكد استيراد برتقال من إسرائيل ، فلا بد أن هذا قد حدث بطريق غير شرعي”.

العلاقة السرية بين إيران والصهيونيه وأمريكا

وكان كاتب أمريكي شهير قد كشف للمرة الأولى عن حقائق مثيرة حول العلاقات والاتصالات السرية بين الكيان الصهيوني وإيران وأمريكا التى تتم خلف الكواليس.

ويشرح الكاتب الآليات وطرق الاتصال والتواصل بين الأطراف الثلاثة، التي تبدو ملتهبة على السطح عببر التصريحات الجوفاء لأحمدي نجاد ، ودافئة خلف الستار في سبيل تحقيق المصلحة المشتركة التي لا تعكسها الشعارات والخطابات والتصريحات النارية بينهم.

وقال الكاتب “تريتا بارسي” أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “جون هوبكينز” في مقدمة كتابه “التحالف الغادر: التعاملات السريّة بين إسرائيل و إيران والولايات المتّحدة الأمريكية”: إن إيران والكيان الصهيوني ليستا في صراع أيديولوجي
كما يتخيل الكثيرون بقدر ما هو نزاع استراتيجي قابل للحل، مدلالا على ذلك بعدم لجوء الطرفين إلى استخدام أو تطبيق ما يعلنه خلال تصريحاته النارية، فالخطابات في واد والتصرفات في واد آخر معاكس.

حقائق مثيرة

وكان أهم ما تضمنه هذا الكتاب هو كشفه عن الاجتماعات السرية العديدة التي عقدت بين إيران والصهاينه في عواصم أوروبية، اقترح فيها الإيرانيون تحقيق المصالح المشتركة للبلدين من خلال سلة متكاملة تشكل صفقة كبيرة.

ويقول الكاتب: “إنّ المسئولين الإيرانيين وجدوا أنّ الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأمريكية تكمن في تقديم مساعدة أكبر وأهم لها في غزو العراق عام 2003 عبر الاستجابة لما تحتاجه، مقابل ما ستطلبه إيران منها، على أمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة تعود العلاقات الطبيعية بموجبها بين البلدين و تنتهي مخاوف الطرفين”.

وبينما كان الأمريكيون يغزون العراق في إبريل من العام 2003، كانت إيران تعمل على إعداد “اقتراح” جريء ومتكامل يتضمن جميع المواضيع المهمة ليكون أساسا لعقد “صفقة كبيرة” مع الأمريكيين عند التفاوض عليه في حل النزاع الأمريكي – الإيراني.

وشمل العرض الإيراني “والذي أرسل إلى واشنطن عبر وثيقة سريّة”، مجموعة مثيرة من التنازلات السياسية التي ستقوم بها إيران في حال تمّت الموافقة على “الصفقة الكبرى” والتي تتناول عددا من المواضيع منها: برنامجها النووي، سياستها تجاه الكيان الصهيوني، و محاربة تنظيم القاعدة.

كما عرضت الوثيقة إنشاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة أمريكية – إيرانية بالتوازي للتفاوض على “خارطة طريق” بخصوص ثلاثة مواضيع: “أسلحة الدمار الشامل”، “الإرهاب والأمن الإقليمي”، “التعاون الاقتصادي”.

وتضمّنت الوثيقة السريّة والتي حملها الوسيط السويسري “تيم جولدمان” إلى الإدارة الأمريكية أوائل مايو عام 2003، قيام إيران باستخدام نفوذها في العراق لتحقيق الأمن والاستقرار وتشكيل حكومة غير دينية.

وعرضت إيران شفافية كاملة لتوفير الاطمئنان والتأكيد بأنّها لا تطوّر أسلحة دمار شامل، والإلتزام بما تطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل ودون قيود.

كما وافقت إيران على إيقاف دعمها لفصائل المقاومة الفلسطينية والضغط عليها لإيقاف عملياتها الفدائية ضدّ قوات الاحتلال الصهيوني في الأراضي العربيه المحتلة.

وكان من أهم بنود الوثيقة السرية هو إلتزام إيران بتحويل حزب الله اللبناني إلى حزب سياسي منخرط بشكل كامل في الإطار اللبناني، وكذلك قبولها بإعلان المبادرة العربية التي طرحتها الانظمة العربيه الاقليميه العميله في قمّة بيروت عام 2002، والتي تنص على إقامة دولتين والقبول بعلاقات طبيعية وسلام مع الكيان الصهيوني مقابل انسحابها إلى ما بعد حدود 1967.

“إسرائيل دولة شرعية” !!!

المفاجأة الكبرى في هذا العرض كانت تتمثل باستعداد إيران تقديم اعترافها بـ “إسرائيل” كدولة شرعية.

وقال “بارسي” في كتابه: “إنّ صقور الإدارة الأمريكية المتمثلة بديك تشيني ووزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد كانا وراء تعطيل هذا الاقتراح ورفضه على اعتبار “أن الإدارة الأمريكية ترفض التحدّث إلى ما تسميه بدول محور الشر”.

ويشير الكتاب أيضا إلى أنّ إيران حاولت مرّات عديدة بعد رفض هذا العرض، التقرب من الولايات المتّحدة لكن الكيان الصهيوني كان يعطّل هذه المساعي دوما خوفا من أن تكون هذه العلاقة على حسابه في المنطقة.

وخلاصة ما توصل اليه بارسي أنّ إيران ليست “خصما للولايات المتّحدة وإسرائيل كما كان الحال بالنسبة للعراق بقيادة صدّام وأفغانستان بقيادة حركة طالبان”.

فطهران تعمد إلى استخدام التصريحات الاستفزازية و لكنها لا تتصرف بناءاً عليها بأسلوب متهور و أرعن – علي حد قوله – من شأنه أن يزعزع نظامها. و عليه فيمكن توقع تحركات إيران و هي ضمن هذا المنظور “لا تشكّل خطرا لا يمكن احتواؤه” عبر الطرق التقليدية الدبلوماسية.

و إذا ما تجاوزنا القشور السطحية التي تظهر من خلال المهاترات و التراشقات الإعلامية و الدعائية بين إيران و الكيان الصهيوني، فإننا سنرى تشابها مثيرا بينهم في العديد من المحاور بحيث أننا سنجد أنّ ما يجمعهما أكبر بكثير مما يفرقهما.

ويضيف الكاتب: إنهما يميلان إلى تقديم أنفسهما على أنّهما متفوقتين على جيرانهم العرب، حيث ينظر العديد من الإيرانيين إلى أنّ جيرانهم العرب في الغرب والجنوب أقل منهم شأنا من الناحية الثقافية والتاريخية وفي مستوى دوني.

ويعتبرون أن الوجود الفارسي على تخومهم ساعد في تحضّرهم و تمدّنهم و لولاه لما كان لهم شأن يذكر.

في المقابل، يرى الصهاينه أنّهم متفوقون على العرب (بدليل أنّهم انتصروا عليهم في حروب كثيرة)، و يقول أحد المسئولين الصهاينه في هذا المجال لبارسي: “إننا نعرف ما باستطاعة العرب فعله، وهو ليس بالشيء الكبير” في إشارة إلى استهزائه بقدرتهم على فعل شيء حيال الأمور.

إيران والكيان الصهيوني وضرب المصالح العربية

ويرى المحللون أن العداوة الظاهرية بين ايران والكيان الصهيوني ليست سوى شذوذ عن مسيرة العلاقة التاريخية بينهما ، فقد عملت الروابط الثقافية والمصالح الاستراتيجية بين الفرس والصهاينه على جعل ايران والكيان الصهيوني حليفتين متضامنتين لحين قيام الثورة الاسلامية في ايران.

وعلى الرغم من الصورة القاتمة لما آلت اليه العلاقة بينهما في الوقت الحاضر، فان المصالح الاستراتيجية الثابتة تشير الى ان اعادة احياء الشراكة الفارسية-الصهيونيه امر محتوم.

والوقائع التاريخية تثبت ذلك وما قام به الدبلوماسيين الايرانيين في اوروبا وإنقاذ الاف من اليهود من المحرقة وتوفير ايران طريق الهروب امام عدد من يهود العراق الراغبين في الهجرة الى الكيان الصهيوني بعد عام 1948 خير مثال على ذلك.وقد كانت ايران واحدة من اوائل الدول التي يقال عنها اسلاميه والتي أقامت علاقات دبلوماسية وتجارية مع الكيان الصهيوني.

على مدى السنوات الثلاثين التي تلت قيام الكيان الصهيوني كان شاه ايران محمد رضا بهلوي يعتمد عليه كمصدر لاستمرار تدفق السلاح والمعلومات الاستخبارية، واعتمد الكيان على إيران كجزء من سياستها في “دائرة الطوق” القائمة على عقد تحالفات استراتيجية مع الدول والجماعات غير العربية في المنطقه، ومن بينها تركيا وإثيوبيا.

وقد حافظت إيران على موقفها من الكيان اثناء الحروب العربية-الصهيونيه الثلاث، وواصلت تزويده بالنفط في فترة الحظر النفطي الذي فرضه العرب في سبعينات القرن الماضي. وساهم عدد من اليهود البالغ عددهم 100 الف يهودي في إيران في المحافظة على عافية حركة التجارة الإيرانية-الصهيونيه النشيطة.

وعندما قامت الثورة الايرانيه بقيادة الخميني بقطع تلك العلاقات الوطيدة وارغمت بعض اليهود الايرانيين على الهرب من ايران، لكن ظلت المصالح المتداخلة للدولتين تفعل فعلها في حمل اصدقاء الامس و”أعداء اليوم” على القيام بصفقات تمليها تلك المصالح.

فقد دفع العداء المشترك للعراق ورغبة الصهيونيه في المحافظة على نفوذها بين صفوف المعتدلين الايرانيين، الصهاينه إلى تزويد الجمهورية في ايران بالسلاح في ثمانينات القرن الماضي، والى لعب دور الوسيط في صفقة السلاح مقابل الرهائن التي ابرمت في عهد ادارة الرئيس الامريكي رونالد ريجان.

واستمرت حالات التقارب بين الكيان الصهيوني وإيران في احلك فترات التوتر بين الدولتين في سنوات التسعينات، وعلى الرغم من الدعم الايراني الظاهري المقدم لحزب الله في لبنان وتفجير السفارة الصهيونيه والمركز الثقافي في الارجنتين.

مصلحة حيوية مشتركة

وتشعر ايران والكيان الصهيوني بأن لديهما مصلحة حيوية مشتركة في تجنب اضطرار الصهاينه الى توجيه ضربة جوية الى المنشآت النووية الإيرانية.

يحتاج الكيان إلى إيران، من أجل كبح زمام حزب الله، وحركة حماس، والجهاد ، ولسوف تحتاج إيران إلى الكيان ولوبيها القوي في واشنطن من أجل إلغاء العقوبات الاقتصادية الامريكية.

والواقع ان واشنطن التي انهت سياستها التي استمرت 27 عاما والقائمة على معارضة اي حوار مباشر مع طهران، قد فتحت الباب مواربا امام تقارب ايراني-امريكي اوسع، لكن الطريق الى المصالحة فيما بينهما يمر عبر “تل ابيب”.

عندما تصل كل من الحكومتين الصهيونيه والايرانية الى مرحلة الاستعداد لتقبل المصالحة، ستكون الروابط الثقافية الراسخة بينهما الجسر الامثل للعبور الى المصالحة المنشودة.

ويتمتع مواطنو الكيان الصهيوني من اصل يهودي ايراني والذين يبلغ عددهم 200 الف نسمة بفرصة طيبة لاقامة علاقات تجارية وثقافية خصوصا ان بين افراد الجالية الاسرائيلية ايرانية الاصل قائد عسكري، ونائب لرئيس الوزراء ورئيس دولة سابق يتكلم الفارسية.

أما في ايران فإن الجالية اليهودية التي يبلغ عدد افرادها 25 الف نسمة تعتبر اكبر الجاليات اليهودية في الشرق الاوسط خارج الكيان، ومن المتوقع ان يرحب الشعب الايراني، وفي مقدمته ابناء تلك الجالية، بمبادرات التقارب الصهيونيه.

لقد قال بنجامين دزرائيلي قولته المشهورة وهي “ليس لدى الدول اعداء دائمون او أصدقاء دائمون، انما مصالح دائمة فحسب”. وعلى الرغم من صعوبة تصور الأمر بسبب التصريحات النارية الظروف السائدة اليوم، فإن المصالح الدائمة بين إيران والكيان الصهيوني ستحول هذين العدوين إلى صديقين من جديد.

مصالح مشتركة لهزيمة العرب

ولعب الكيان الصهيوني والدول الكبرى الأخرى دورًا كبيرًا في دفع إيران لاحتلال الجزر الإماراتية الثلاث، كجزء من مخطط واسع استهدف شغل الأمة العربية؛ لكي لا تتفرغ لصراعها الأساسي في فلسطين.

وجاء احتلال إيران للجزر العربية الثلاث تحت ذرائع ومبررات نظرية واهية لا تملك مقومات الصمود أمام الحقائق التاريخية والقانونية التي تؤكد أحقية دولة الإمارات العربية في هذه الجزر.

كذلك فإن إن احتلال إيران للجزر الثلاث خدم الصهاينه كثيرًا؛ لأن قيام دولة معادية للعرب باحتلال واحد من أهم الممرات المائية في منطقة والعالم يعني تطويق العرب ومحاوله لإنهاء المقاطعة الاقتصادية للكيان الصهيوني.

كما ان احتلال إيران للجزر العربية الثلاث، والسيطرة على مضيق هرمز بوصفه البوابة المهمة للخليج العربي ضمن الكيان الصهيوني سمح بتدفق النفط الإيراني بلا معوقات جدية، مثلما كان يحدث سابقًا.

بدايات التغلغل الصهيوني في إيران

يعود أول نشاط صهيوني منظم في إيران إلى عام 1920م* إذ تأسس في هذا العام أول فرع للمنظمة الصهيونية العالمية في طهران، وانتشرت مراكز المنظمة فيما بعد في عدد من المدن الإيرانية الأخرى* مستترة تحت أشكال عدة لممارسة نشاطها العدائي بين صفوف اليهود الإيرانيين، من أجل تشجيعهم على الهجرة إلى فلسطين، وكان من بين هذه الأشكال إنشاء عدد من المدارس تحت اسم “كورسن”* أسهمت في خدمة أهداف الحركة الصهيونية، وتحقيق طموحاتها التوسعية.

وبسبب حاجة عدد من اليهود الإيرانيين إلى من يتابع شؤونهم في فلسطين* تم افتتاح أول قنصلية إيرانية في القدس عام 1934م* لمتابعة أوضاعهم* لاسيما بعد تركزهم في مدينتي عكا وحيفا خاصة* إثر تأثرهم بالدعاية الصهيونية* التي شجعتهم على الهجرة* ودفعتهم إليها بشتى المغريات.

وقد استغلت الحركة الصهيونية فترة قيام الحرب العالمية الثانية لتقوم بتهريب عدد كبير من اليهود العراقيين إلى إيران* ومعهم عدد من اليهود الإيرانيين إلى فلسطين لتزويد الحركة الصهيونية بطاقات بشرية* كانت أحوج ما تكون إليها.

وبالمقابل عينت إيران قنصلاً عامًّا لها في فلسطين؛ لمتابعة شؤون المهاجرين اليهود الذين غادروا إيران إلى فلسطين.

وتعد سنة 1941م نقطة تحول مهمة في تاريخ الحركة الصهيونية في إيران، حيث تم إنشاء ودعم وتعزيز الجمعية الصهيونية الإيرانية التي تشكلت من يهود إيرانيين ويهود عراقيين* الذين كانوا موجودين في عدد من المدن الإيرانية* لاسيما في العاصمة طهران* وتقديم كل التسهيلات اللازمة لهم* لكي يغادروا الأرض الإيرانية بسلام إلى فلسطين.

ولم تكن الجمعية الصهيونية هي الجمعية الوحيدة التي تحتضن يهود في إيران قبل اعلان قيام الكيان الصهيوني* وإنما كانت هناك الجمعية الخيرية اليهودية، التي أنشأت لها عددًا من المدارس لخدمة أهدافها.

وعلى الرغم من أن إيران وقفت ضد قرار التقسيم الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1947م* فإنها بالمقابل* اعترفت بالكيان الصهيوني في مارس / آزار 1950م* متذرعة بحجج مختلفة* كان من بينها الرغبة في استلام مساعدات أمريكية* مالية وعسكرية* وعدت حكومة واشنطن بتزويدها بها* وسوء الحالة الاقتصادية في إيران.

ومن ثم فقد استغلت الحركة الصهيونية في إيران اعتراف الحكومة الإيرانية بـ “إسرائيل”* فأسست لها مراكز ومؤسسات أخرى تدعم نشاطاتها، مثل جمعية (الأورت)، والتي تحددت مهمتها الرئيسية في نشر التعليم المهني بين صفوف اليهود في العالم.

ومع مطلع الستينات من القرن العشرين توثقت العلاقات الاقتصادية بين نظام الشاه وإسرائيل، واستمرت الواردات الإيرانية من الكيان الصهيوني حتى وصلت إلى 6.15 مليون دولار* على حين بلغ مجموع الواردات الصهيونية من إيران ماقيمته (674) ألف دولار.

وعقب حرب 1967، وحتى عام 1971م تعززت العلاقات الاقتصادية بين إيران والصهاينه، حيث امتنعت إيران عن وقف صادراتها النفطية إلى الكيان الصهيوني* بل إنها عوضت النقص الحاصل في الطاقة بسبب استخدام الحرب للحظر النفطي* فحاولت إيران إفشال استخدام سلاح النفط في المعركة القومية العربيه ضد الصهيونيه.

وعلى صعيد آخر كان الكيان الصهيوني يحصل على 40 مليون دولار من النفط الإيراني سنويًّا سواء عن طريق مروره في فلسطين، أو عن طريق تصريف منتجاته* كما أن خط (إيلات- أشدود) كان ينقل حوالي (60) مليون طن من النفط الإيراني منذ عام 1968م حتى عام 1971م.

وهكذا عملت إيران على دعم الكيان الصهيوني من الناحية الاقتصادية بعد عدوان الخامس من يوليو/ حزيران 1967م* في الوقت الذي كانت فيه إيران تتلقى المساعدات الخارجية من الولايات المتحدة الأمريكية.

كما ان هناك تصريحات أدلى بها أحمدي نجاد لشبكة أي بي سي الأمريكية، وبثتها القناة يوم الأحد الموافق 26 أبريل 2009، معلنا فيها صراحة “أن حكومته ستدعم أي قرار يتخذه الشعب الفلسطيني بما في ذلك حل الدولتين…. لن نقرر شيئا، أي قرار يتخذونه سنعمل على دعمه”، متعمدا أن تواكب تصريحاته الجديدة هذه الاحتفالات الصهيونيه بالذكرى الحادية والستين لقيام الكيان الصهيوني.

هذه التصريحات ليست نقلة نوعية في تصريحات نجاد كما رأى بعض المعلقين والمحللين بقدر ما هي عودة للمستور في السياسة الإيرانية فيما يخص العلاقة مع الكيان. صحيح أن الخميني قام بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني وإغلاق سفارته بعد وصوله للسلطة عام 1979، إلا أن قطع العلاقات الدبلوماسية في الأعراف الدولية لا يعني عدم الاعتراف بوجود تلك الدول التي قطعت العلاقات الدبلوماسية فيما بينها.

إن قطع العلاقات الدبلوماسية وسحب السفراء يعني الاحتجاج على مواقف معينة بدرت من دولة تجاه دولة أخرى، بدليل أنه في العلاقات العربية – العربية تمت أكثر من حالة سحب سفراء بين بعض الدول،كما حدث ايضا قطع العلاقات الدبلوماسية وسحب السفراء بين المغرب وإيران، وهي الخطوة التي اتخذها المغرب احتجاجا على ما اعتبرته تدخلا إيرانيا في شؤونها الداخلية ومحاولات التبشير بالمذهب الشيعي.

خطوة الخميني دعائية فقط

لقد أدرك الخميني مبكرا أن اللعب بعواطف الجماهير العربية هو أفضل الطرق وأسرعها لكسب تعاطف العرب، خاصة أنه يدرك أن نظامه الذي أطلق عليه اسم (الجمهورية الإسلامية في إيران) وإعلانه العمل بنظريته (الولي الفقيه) سوف تخلق تخوفات كثيرة من توجهات نظامه المستقبلية الطائفية، لذلك كان إغلاق السفارة الصهيونيه في طهران ورفع العلم الفلسطيني فوقها، مجرد لعبة عاطفية للضحك على عقول الجماهير المولعة ولو نظريا بمسألة تحرير فلسطين. والدليل على ذلك التحرشات الإيرانية بالنظام والدولة العراقية فور استلام الخميني للسلطة،ومحاولات التدخل في الشأن العراقي من منطلقات طائفية، إلى درجة أنه في الثالث والعشرين من أبريل 1980 أصدر بيانا قال فيه: (تمر الشعوب الإيرانية وبخاصة الشعب العراقي….) أي أنه يعتبر الشعب العراقي شعبا إيرانيا، متناسيا أن العراق استضافه 14 عاما في النجف أيام هروبه من نظام الشاه. هذه التحرشات هي التي أدت إلى نشوب الحرب العراقية – الإيرانية في سبتمبر 1980 أي بعد أقل من عامين على وصول الخميني للسلطة، وهي الحرب التي كشفت استمرار العلاقات الإيرانية – الصهيونيه رغم قطع العلاقات الدبلوماسية عام 1979، بدليل صارخ ومعروف للجميع وهي صفقات تزويد الكيان الصهيوني لنظام الخميني بالسلاح في مواجهة النظام العراقي، وهي الفضيحة التي عرفت باسم (إيران جيت)، مما يعني أن الكيان الصهيوني يرى ان الخطر في النظام العربي القومي بالعراق وليس في نظام الخميني رغم قطعه للعلاقات الدبلوماسية معها.

وكذلك تصريحات نجاد النارية

إن هذا التصريح الأخير لأحمدي نجاد أيضا ليس مفاجأة رغم تصريحاته الداعية لمحو الكيان الصهيوني من الخارطة طوال السنوات الأربع الماضية وإنكار الهولوكست، التي كان هدفها فقط التشويش على الجهود الدولية إزاء الملف النووي الإيراني، وهو يعرف أن الصهاينه لن يغضبوا من تصريحاته تلك لأنها تدرك أن تلك التصريحات مجرد خطابات غوغائية لا يقصدها نجاد ونظام الملالي ، فالكيان الصهيوني هو المستفيد منها لأنها حشدت لها تأييدا دوليا لم تكن تحلم به كما صرح بذلك أكثر من مسؤول صهيوني.

والدليل على ذلك هو:

أولا: التناقض الذي يصل درجة الكذب في تصريحه الأخير، فهو يريد دعم ما يقرره الفلسطينيون بعد سنوات من تصريحات غوغائية بمحو الكيان الصهيوني، وهو يعرف أن الفلسطينيون منذ المجلس الوطني في الجزائر عام 1988 يعلن صراحة الموافقة على قيام دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 أي الاعتراف بالكيان الصهيوني ضمن تلك الحدود، وتم تأكيد ذلك في اتفاقية أوسلو عام 1993، فلماذا يتذكر نجاد ذلك فجأة ليعلن دعم نظامه لذلك، بعد سنوات من الغوغائية الداعية للتحرير و إبادة الصهاينه ودعم حركة حماس على حساب إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية وتشتيت الصف الفلسطيني. لماذا لم يدعم منذ البداية توجه السلطة الفلسطينية هذا المعروف والمعلن؟ بدلا من ذلك استفرد بعلاقات داعمة لحركة حماس وحدها أدت إلى استقوائها على السلطة الفلسطينية.

ثانيا: الملاحظة التي يقفز عنها غالبية مناصري النظام الإيراني هو أنه في نفس وقت إطلاق تصريحات نجاد النارية ضد الصهاينه، كان مسؤولون آخرون من نظامه يطلقون تصريحات عكسها دون نفيه واستنكاره لها، ويكفي التذكير بما نقلته صحيفة “اعتماد” و”وكالة أنباء فارس ” في العشرين من يوليو 2008 من تصريحات لنائب نجاد المدعو ” اسفنديار رحيم مشائي ” قال فيها حرفيا: “إيران صديقة الشعب الأمريكي والإسرائيلي. ما في أمة في العالم هي عدوتنا وهذا فخر لنا “. ومن المعروف أن اسفنديار مشائي هو نائب الرئيس أحمدي نجاد وصهره في الوقت نفسه، فابنته متزوجة من أبن أحمدي نجاد.

فكيف نفهم تصريحات محو الصهاينه من طرف أحمدي نجاد وتصريحات الصداقة معهم من طرف نائبه وصهره؟. وهي تصريحات منسجمة تماما مع تصريحات نجاد في الرابع والعشرين من سبتمبر 2008 لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وهي التصريحات التي أكدّ فيها استعداد بلاده للاعتراف بـ “إسرائيل”. والغريب أن أصدقاء إيران لم يركزوا على هذه التصريحات ربع تركيزهم على تصريحاته الغوغائية بمحو الكيان الصهيوني. فكيف نفهم ونصدق الحديث عن المحو في خطاب والاستعداد للاعتراف بها في مقابلة صحفية، سوى أنه سياسة مقصودة للتلاعب بعواطف العرب بما يحقق مصلحة نظام الملالي فقط؟؟.

والي جوار هذا نري استمرار النظام الإيراني في تهديد الجوار العربي بدليل أن التصريحات الخاصة بالاعتراف بقيام دولتين، صاحبها تصريحات استفزازية حول (إيرانية الجزر الإماراتية الثلاثة) المحتلة منذ عام 1971، فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسن قشقاوي في الثامن عشر من أبريل 2009 “أنّ الجزر الثلاث طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى هي جزء لا يتجزأ من التراب الإيراني وستبقى كذلك إلى الأبد”. وكذلك فيما يتعلق بالخليج العربي فقد جدّد النظام الإيراني مزاعمه الخاصة بأنه “الخليج الفارسي”، إذ اعتبر علي أكبر ولايتي مستشار علي خامئني في الثلاثين من أبريل 2009 “أنّ تسمية الخليج العربي بدل الخليج الفارسي مؤامرة بريطانية، وأن البريطانيين هم أول من طرح هذه التسمية”. رغم أن المنطق يقول أنه كون القاطنين على سواحله هم عرب فهو الخليج العربي، لكنها العنصرية الفارسية التي تعتبر كما أثبتنا ذلك سابقا بأن الشعب العراقي هو من الشعوب الإيرانية، مع التذكير باستمرار احتلال الأحواز العربية منذ عام 1925، مما يعني أن الخطر الإيراني نحو الجوار العربي خطر قائم وليس وهم مصطنع.