كما أخبرتكم سابقاً بأن الموقف لم يكن سهل أبدا, فلم يكن يضاهي قلقنا على البحار إلا حيرتنا للملابسات الغامضة لهذا الحادث حيث لم أرى أنا بدوري الذين أطلقوا النار على( البحار) و كذلك (مشاكس )لم يراهم , استعاد مشاكس قدرته على التفكير قبلي و صاح بي:
- مااااااالك, خلينا نسعف (البحار)..!!
صراخه انتشلني من بحر تفكيري و صرخت أنا بدوري:
- حااااااااظر, بس خلينا نشوف تاكسي و ننقله لأقرب مستشفى.
و هم (مشاكس) لكي يحمل (البحار) إلا أن (البحار) نهض دون مساعده و هو يمسك بذراعه المصابة و هو يقول:
شكراً لك، أستطيع أن انهض لوحدي, لكن أرجوكم انقلوني بسرعة لأي مستشفى .. أن الألم شديد جداً و لا أستطيع الاحتمال.
هممت أنا و (مشاكس) نبحث عن تاكسي إلا إننا لم نجد, فجأة وقع نظري على سائق التاكسي الذي اقلنا من الفندق فنظر لي و ابتسم ابتسامته الخلابة التي تظهر جمال أسنانه إلا أنها بدت لي حينها اجمل ابتسامه في الكون فذهبنا أليه مسرعين و طلبنا منه نقلنا لأقرب مستشفى, و لحسن حظنا انه لم يغني كالمرة السابقة...
*** *** ***
في إحدى صالات الانتظار بمستشفى (ساهار) ظللت أنا و (مشاكس) نضرب أخماس في أسداس بينما أحد الأطباء يستخرج الرصاصة من ذراع (البحار) اليمنى.
مشاكس: ماذا تعتقد؟من الذي ضرب النار علينا؟!
رامي: اعتقد انهم الهندوس الذين استفزيناهم في المطعم.
مشاكس: لا.. لا.. لا اعتقد أن النبأ سيصل إلى هنا بهذه السرعة إلى هنا .. ثم أن الأمر الذي فعلناه لم يكن خطير لهذه الدرجة و أي سائح قد يقع فيه.
رامي: إذاً ما تفسير هذه الحادثة؟
مشاكس: اعتقد أن الرصاصة سلمت على غير الضيف..
رامي: ماذا تعني؟!
مشاكس: أي أن الذي أطلق النار علينا لم يكن يقصدنا نحن بل شخص آخر قد يكون سائق التاكسي أو أي شخص آخر لكن الرصاصة طاشت و أصابت (البحار).
رامي: كلام معقول, خاصة و نحن غرباء عن هذا المكان, فلا يوجد أحد سيستفيد من آذيتنا.
مشاكس: تماماً, هذا ما اقصده .. أن هذه هي زيارتنا الأولى للهند فلا يوجد لدينا أي أعداء أو أصدقاء و لا يوجد أي مبرر لإطلاق النار علينا.
رامي: إذاً الأمر مجرد مصادفة بحتة .. هههههههه .. طيب أنا اقترح الحين نروح نشتري طعام الغداء.
مشاكس: ما فيش داعي نروح الاثنين, روح أنت و سأنتظرك أنا و ...
قطع (مشاكس) حديثه فجأة و هو يحدق إلى شخص بعينه..
رامي: ماذا بك؟ .. لماذا توقفت عن الكلام؟!
مشاكس: ذلك الرجل.. انه يحدق بنا منذ أن جلسنا .. أن عينيه لم تفارقنا قط.
رامي: هههههه يا أخي هذه مصادفة أخرى.
مشاكس (بعصبية): أقول لك أن عينيه لم تفارقنا قط و تقول أنت إنها صدفة.
رامي: ممكن لأننا أجانب أو...
هنا توقفت أنا بدوري عن الحديث, فالرجل الذي كنا نتكلم عنه نهض من كرسيه و تحرك بتؤدة إلينا ووجه كان يحمل كل علامات الغضب..
غضب الدنيا...
*** *** ***
تنتقل بنا الآن كاميرا القصة إلى أحد أزقة (دلهي) القذرة, يمكنكم الآن مشاهدة القاذورات المنتشرة في كل مكان و الإضاءة الخافتة التي بالكاد تصل إلى الأرض, و تلك القطه المستلقية بخمول بجانب أحد براميل القمامة الممتلئة. دعونا الآن نسلط الكاميرا اكثر على أحد منازل ذلك الحي.. هل شاهدتموهم؟ .. حسناً سنُقَّرِب الكاميرا اكثر .. و الآن هل شاهدتموهم؟ .. نعم نعم ذلك الرجل المسن الذي تبدو علية ملامح القسوة و الصرامة و شابان مظهرهما مخيف إلا انهما يبدوان أمام المسن كأرنبين مذعورين, الآن دعونا نحاول أن نقترب بكاميرتنا اكثر لنستمع إلى الحوار الذي يدور بينهم...
الرجل المسن (بغضب): اجننتما.. ماذا لديكما من أمر مهم حتى توقظاني من قيلولة بعد الظهر..؟
راج (بخوف شديد لا يتلاءم مع ملامح وجهه القاسية): إننا نكرر أسفنا يا سيدي .. لكن الخبر الذي لدينا كفيل بأن يشد اهتمامك لأقصى حد.....
الرجل المسن(بنفاذ صبر): بلا مقدمات .. ما الأمر يا رجل..؟ لقد أقلقتني..
راج (مرتعداً): لقد عاد (سوراج)...!
الرجل المسن: (سوراج)..! (سوراج) من..؟
تلعثم (راج) و لم يستطع المواصلة فتكلم نيابة عنه رفيقة (روهيت) قائلاً:
إننا نقصد (سوراج مالهوترا) يا سيدي؟
امتقع وجه الرجل المسن بشده و ازداد شحوبه و بالتالي ملامحه القاسية و هو يصرخ بهما:
أي جنون هذا؟ من يصدق مثل هذا الهراء؟ (ثم تحول نبرة كلامه إلى لهجة قاسيه و هو يقول) و إذا كان كلامكما صحيح أليس من المفروض أن أجده الآن جثه هامدة أمامي؟! لماذا لم تقتلوه؟
روهيت(مرتعداً): لقد حاولنا يا سيدي إلا أن هول المفاجأة افقدنا صوابنا و أصبت صديقه بدلاً منه, و عندما تجمع الناس لم نستطع إعادة المحاولة.
الرجل المسن: ماذا تقول؟ صديقه؟ يا للتحدي السافر.. من يكون صديقه هذا؟!
روهيت: في الحقيقة كان معه شخصان أحدهما يرتدي عوينات و آخر لم نلحظه جيداً و هو الذي أصبناه برصاصتنا.
الرجل المسن(بغضب شديد): أنا لم اطلب أوصافهما آيها الغبي. أنا قلت من هما؟
راج: انهما غريبان عن الحي يا سيدي و لم نرهما من قبل.
الرجل المسن: هكذا إذاً.. أريدهم جميعاً أمامي قبل شروق شمس الغد .. حاولا أن تحضروهم أحياء و أن لم تستطيعوا فسأرضي بجثثهم.
ثم انفجر ضاحكاً.. ضحكاً لا يصدر إلا من شيطان ..
شيطان مريد..
*** *** ***
انتابني القلق أنا و (مشاكس) حيال ملامح الرجل الذي مازال يواصل سيره إلينا حتى وصل إلى أمام (مشاكس) و صرخ في وجهه بغضب ممزوج بالخوف و الحب .. قد تستغربون لهذا التناقض إلا أن هذا هو ما شعرت به حقاً في تلك اللحظة, يمكنكم تخيل ذلك بسهوله إذا شبهتموه بأب يعاتب ابنه الوحيد بسبب رسوبه بأحد مواده الدراسية , حيث يكون غاضب بسبب النتيجة و خائف على مستقبل ابنه و يقوده في كل هذا حبه لأبنه, لكن دعونا الآن من هذه التشبيهات البلهاء لنعود ألي ذلك الرجل الهندي الذي قال للـ(مشاكس) بنفس النبرة التي شرحتها سابقاً:
تُم؟ كيو كوتش تُم كها هاي؟ كيو؟ كيو؟
نظر اللي (مشاكس) بنظرات حيره و بادلته أنا بنظرات غباء, ثم التفت إلى الرجل الهندي و قال له بأدب جم:
Sorry sir, I can't understand you! Could you speak English please?
أجابنا الرجل بإنجليزية فضيعة قائلاً:
- ماذا حل بك يا (سوراج)؟ هل نسيت الهندية؟! ثم أي جنون أتى بك إلى هنا؟ و في هذه الأيام بالذات؟ و من هذا الذي معك و ...
قاطعه(مشاكس) قائلاً:
حسناً .. حسناً .. أنا لا ادعى (سوراج) و لا أتكلم الهندية أساسا و أتيت إلى هنا للسياحة مع أصدقائي.
الرجل: غير معقول .. أسمعني هذا ليس وقت المزاح .. أنت تعرف أن رجال (شارما) منتشرين في كل مكان ووجودك هنا خطر عليك.
رامي: يا سيدي هذا ليس (سوراج) و نحن لا نعرف شخصاً يدعى (شارما), لذلك أرجوك أن تدعنا وشأننا .. لدينا من المشاكل ما يكفينا.
ثم سمعنا صوتاً مألوفاً من خلفنا يقول:
- هذا السيد على حق؟
التفت أنا و (مشاكس) لنرى مصدر الصوت و إذا به كان (البحار) مضمد الذراع, فهتفت فرحاً:
الحمد لله على سلامتك حبيبي (بحار) .. كيفك الحين؟
البحار: الحمد لله .. الإصابة كانت سطحيه, لكن دعونا من إصابتي الآن و دعونا نستمع إلى هذا الرجل الذي اعتقد انه يتكلم بصدق.
مشاكس(بعصبية): هل جننت؟!.. أم أن الرصاصة أثرت عليك .. أنا على آخر الزمن اسمي (سوراج) .. من يصدق مثل هذا الهراء.
البحار: أخي الغالي, أرجو أن لا تفقد أعصابك.. أسمعني هل من المعقول أن يتم ضرب النار على شخص غريب؟
مشاكس: لا غير معقول.
البحار: طيب ما سألتم أنفسكم, لماذا يقوم شخصاً ما بضرب النار على شخص آخر؟
رامي: طبعاً إذا كان عدوه.
البحار: عليك نوووور .. عدوه يعني انه يعرفه.. صح؟
مشاكس: طيب هذه أول زيارة لنا للهند, فمن أين يعرفنا ذلك الشخص و حتى إذا عرفنا كيف اكتسبنا عداوته بهذه السرعة.
البحار: بقليل من الخيال يمكننا أن نستنتج أن شخص آخر يعيش في هذه المدينة و يشبه واحد مننا لدرجه كبيره و له الكثير من الأعداء في المدينة لسبب أو لأخر.
رامي: يا أخي هذا يصلح فلم هندي .. لكن الواقع يختلف كثيراً.
البحار: إذاً من يستطيع تفسير هذا الأمر إذا كنا لا ....
هنا قاطعنا الرجل الهندي الذي كان يشعر بالذهول ممزوجاً بالغباء لأننا نتكلم بالعربية قائلاً بإنجليزيته الفظيعة:
- أنا لا افهم حديثكم لكن يجب أن تصدقوني, أن حياتكم معرضه للخطر إذا لم تتبعوني.
مشاكس: هل من الممكن أن تخبرنا بنوع هذا الخطر؟
الرجل: لا وقت لدينا سأحكي لكم فيما بعد, دعونا نذهب الآن.
رامي: لكن إلى أين؟!
فأقترح علينا الرجل مكان لم نتوقعه..
على الإطلاق..
*** *** ***
ترى إلى أين ذهب بنا ذلك الرجل؟ و ما هي قصة كلاً من (سوراج) و (شارما)؟ و ما نوع الخطر الذي ينتظرنا؟؟
كل هذه الأسئلة ستجدون أجابتها في الجزء الثالث بإذن الله... فكونوا معنا :D
Bookmarks