السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .....
(( البحث عن الوسطية ..!! ))
في البحث عن الوسطية (!) و محاولة القبض عليها متلبسة باعتدالها (!) تثور مجدداً فوضى المصطلحات الفضفاضة .!! ، و تتقافز ذرات المفاهيم الزئبقية في كل مكان ..!! ، و لا يحدد معناها في ظرف (ما) إلا من يملك المنبر ..!! ، هكذا و بكل هذه البساطة تسكب الدماء و تهدر الحقوق و يضيع الأمن و تنحر الحرية و تلوث الأجواء و يذبح الإخاء قرباناً لأسمى معاني الوسطية ..!!
يقول تعالى ( و كذلك جعلناكم أمة وسطاً ) ، و يقول المفكر الإسلامي فهمي هويدي (و قد فسرها أهل التأويل على أنها الأمة الوسط التي تحقق العدل وتقيم توازناً رشيداً بين التكاليف ومنظومة القيم) اهـ ، و برغم أننا قد نتفق جميعاً على أن الوسطية بتعريفها السابق تشكل الحل الجذري للكثير من المشاكل التي نعاني منها في وقتنا الراهن ، إلا أن الشيطان دائماً يظهر في التفاصيل ..!! ، فلو حاولنا الانتقال من أقصى يمين التطرف مروراً بالوسط المعتدل إلى أقصى يسار التطرف (!) لوجدنا أن الجميع يقوم بالتنظير لتوجهاته الفكرية و ممارساته العملية على أنها الوسطية بأم عينها ..!! ، و لوجدنا أن الجميع يزعم بأن الوسطية ملك يمينه و لا يشاركه فيها تيار آخر ..!! ، و السبب أن المعيار المتفق عليه غائب غياب الأموات ..!! ، و برغم صعوبة الاتفاق على معيار ثابت إلا أن الالتزام به يعد أمراً مستحيلاً ..!! ، ليس لشيء سوى أن الشيطان سيظهر مجدداً في التفاصيل ..!! ، و لعل تسمية الوسطية بهذا الاسم يدل على حتمية وجود التطرف في جهتين على الأقل ..!! ، و تبقى الأيديولوجيا و المصالح و البنى الفكرية و المسلمات عوامل تلعب دوراً هاماً في تحديد المفاهيم المتباينة للوسطية ..!! ، و بهذا المعنى تتحول الوسطية من حل إلى جزء من المشكلة ..!! ، لأنها قابلة للتفريغ و الحشو و التعليب و القولبة بحسب الفكر الذي يستخدمها ..!!
و برغم أننا كإسلاميين متفقين على أن الإسلام يتوسط الأديان و المذاهب الفكرية بين تعددية الآلهة و بين الإلحاد ، و بين اللاهوت و الناسوت ..!! ، و بين الفردية الأنانية و الجماعية الطاغية ..!! ، و بين الواقعية الدنيا و المثالية العليا ، و بين المادية و الروحانية ، و بين الخرافة و الفيزياء ..!! ، إلا أننا سرعان ما نختلف عندما ننظر للإسلام من الداخل ..!! ، فتتفجر النزاعات حول التعاطي مع النقل و العقل ، مع الإرث و التأريخ ..!! ، مع الأحوط و الأيسر ..!! ، مع ضرورات التجديد الديني و مطالب الإصلاح السياسي ..!! ، مع الوافد من الخارج و تجارب العقل الإنساني ..!! ، مع عالم الغيب و عالم الشهادة ..!! ، مع الثابت و المتغير ..!! ، مع الأصل و الفرع ..!! ، مع الظاهر و المقصد ..!! ، مع الهدف و الوسيلة ..!! ، مع الأقليات و المواطنة ..!! ، و كيف ننظر لخلافاتنا و اختلافاتنا الطائفية و المذهبية ..!! ، و كيف يجب أن تكون علاقتنا مع الآخر بين المقاومة و التسامح ..!!
حتى إشعار آخر (!) سيبقى مصطلح الوسطية شعار أجوف (!) يملأه من يريد بما يريد حتى يحقق من خلاله ما يريد ..!! ، و نبقى كاسلاميين نتذرع بالوسطية لنبرر توجهاتنا الفكرية و ممارساتنا العملية على ما فيها من حدة النزاع ..!! ، و أحياناً التكفير ..!! ، و يبقى الشيطان شاخصاً كما هو في ثنايا التفاصيل ..!! ، حتى إشعار آخر ..!!
طيب الله أوقاتكم
Bookmarks